في مشهد يتكرر بصورة مؤلمة، يواصل الشباب المصري محاولات الهروب من واقع بائس تحت حكم السيسي، مع تزايد معدلات البطالة وغلاء المعيشة والتهميش الاجتماعي.
ومن بين هذه المحاولات تأتي الهجرة غير الشرعية، التي غالباً ما تنتهي بمآسٍ تزهق فيها الأرواح، مثل حادث غرق قارب يقل 13 مهاجرًا مصريًا، الإثنين الماضي، قرب سواحل طبرق الليبية، حيث لم ينجُ منهم سوى شخص واحد فقط، بينما لا يزال مصير الآخرين مجهولاً.
أسباب هروب الشباب.. واقع اقتصادي واجتماعي مظلم
الهجرة غير الشرعية، بالنسبة للشباب المصري، ليست مجرد اختيار، بل هي محاولة يائسة للتخلص من واقع لا يوفر لهم أفقاً لحياة كريمة. في السنوات الأخيرة،
شهد الاقتصاد المصري انهياراً حاداً، حيث زادت معدلات البطالة وارتفعت الأسعار، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لمعظم الشباب، الذين أصبحوا عاجزين عن تأمين مستقبل مستقر أو تحقيق طموحاتهم البسيطة.
تعتبر البطالة وعدم توفر فرص العمل في السوق المحلي، إضافة إلى تضييق الحريات وتفاقم القمع السياسي، أسباباً رئيسية تدفع الشباب إلى المخاطرة بأرواحهم في رحلات بحرية غير مضمونة.
ووفقاً لتقارير اقتصادية محلية ودولية، فإن الاقتصاد المصري بات يعتمد بصورة مفرطة على الاقتراض، فيما تُهمَل المشاريع التنموية التي تخلق فرص عمل للمواطنين، لتكون النتيجة تفاقم أزمة البطالة.
رحلات الموت.. تجارة البشر وتواطؤ الحكومات
أصبحت ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، محطة رئيسية لعبور المهاجرين الذين يفرون من الأوضاع المزرية في بلدانهم أملاً في الوصول إلى أوروبا.
ولأن حدود ليبيا تتقاطع مع ست دول، باتت ممرًا يستخدمه تجار البشر لنقل المهاجرين عبر قوارب غير مؤهلة، تعبر البحر المتوسط في ظروف خطيرة.
ووفقاً لمنظمة "العابرين" التي تقدم المساعدات للمهاجرين، فقد غرق القارب المصري على بعد 60 كيلومتراً من السواحل الليبية، مما يعكس حجم المخاطر التي تحف برحلات الهجرة غير الشرعية.
لا يعد حادث غرق هذا القارب الأول من نوعه، إذ تكرر مشهد المآسي البحرية لمرات عدة، كان آخرها الشهر الماضي، عندما غرق قارب يقل 32 مهاجراً من مصر وسوريا، ما أدى إلى وفاة وفقدان العديد منهم. ويعزو بعض الناشطين هذه الظاهرة إلى الفشل في تأمين الحدود، أو التقاعس في اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تهريب البشر.
أرقام صادمة.. أعداد ضحايا الهجرة غير الشرعية
تكشف الإحصائيات التي نشرتها المنظمة الدولية للهجرة عن حجم المأساة المتفاقمة؛ ففي العام الماضي، لقي 962 مهاجرًا حتفهم في البحر قبالة سواحل ليبيا، فيما اختفى 1563 آخرون، الأمر الذي يعكس حجم المخاطر والتحديات التي تواجه المهاجرين على هذا المسار.
وتشير نفس التقارير إلى أن السلطات الليبية اعترضت نحو 17 ألفا و200 مهاجر، وأعادتهم إلى الأراضي الليبية، إلا أن هذا لا يبدو أنه يثني الشباب عن المخاطرة من جديد، في ظل غياب حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والسياسية في بلدانهم الأصلية.
المسؤولية السياسية لنظام السيسي العسكري
ويرى المعارضون لنظام السيسي أن المسؤولية الأولى والأخيرة عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب المصريين تقع على عاتق السيسي ونظامه، إذ يرى المعارضون أن نظام السيسي لم يوفر الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن للشباب فرصاً آمنة للحياة.
وبدلاً من توفير وظائف وتحسين مستويات المعيشة، تركز السلطات العسكرية المصرية على مشاريع تتطلب تمويلات ضخمة دون أن تعود بفائدة ملموسة على حياة المواطنين.
وتزيد هذه السياسات من مشاعر الإحباط واليأس لدى الشباب، ما يدفعهم إلى البحث عن أي سبيل للخروج من هذا الواقع القاسي، حتى ولو كانت رحلات الهجرة غير الشرعية هي الخيار الوحيد.
ويتهم المعارضون نظام السيسي بالانصراف عن معالجة مشاكل الشعب والانشغال بتقوية القبضة الأمنية والسيطرة على وسائل الإعلام، فيما تعاني الفئات الأكثر احتياجاً من تدهور أوضاعها المعيشية.
كما يسلط النقاد الضوء على عدم اكتراث النظام بخطورة الهجرة غير الشرعية، وعدم تقديمه أي مبادرات جدية لحل مشكلات الشباب والبطالة.
الحلول المطلوبة.. دعم الشباب وفتح الأفق السياسي
يدعو الخبراء إلى ضرورة توفير فرص عمل كافية للشباب وتحسين مناخ الاستثمار المحلي، حيث إن توفير بيئة اقتصادية مستقرة وشاملة يُمكن أن يحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
كما يشددون على أهمية فتح المجال السياسي والإعلامي، بما يسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم بحرية، ويخلق مجتمعاً أكثر شمولاً وتماسكاً، مما يسهم في استقرار الشباب واندماجهم في مجتمعهم.
إضافة إلى ذلك، فإن الخبراء يرون أن الحل لا يكمن فقط في الإجراءات الأمنية لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، بل يحتاج إلى توفير فرص اقتصادية مجزية، وذلك عبر الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن أن تخلق فرص عمل وتحسن من مستويات المعيشة.
ختاما؛ يظل مشهد غرق المهاجرين المصريين في البحر المتوسط، بمن فيهم الشباب الباحث عن حياة كريمة، دليلاً مأساوياً على تقاعس نظام السيسي عن تحمل مسؤولياته تجاه مواطنيه.
فبدلاً من توفير بيئة تمكن الشباب من بناء مستقبل مستقر وآمن في وطنهم، يواجه هؤلاء مصيراً قاتماً في قوارب الموت بحثاً عن أمل ضائع.