يتزايد قلق اللاجئين السودانيين في مصر من الترحيل مع بدء تطبيق حكومة السيسي لإجراءات تنظيم أوضاع المقيمين بصورة غير شرعية.

على رأس هذه الإجراءات يأتي قرار فرض مصاريف إقامة تبلغ ألف دولار لكل فرد، شرط توفير مستضيف مصري لضمان استمرار إقامة السودانيين في مصر.
ويواجه السودانيون المقيمون ظروفًا صعبة بسبب القوانين الجديدة التي تهدد بإعادتهم إلى وطنهم الذي لا يزال يعاني من ويلات الحرب والصراع.


خلفية القرار وتأثيره على اللاجئين السودانيين
     أصدر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مايو 2023 قرارًا ينص على وجوب تقنين أوضاع الأجانب المقيمين في مصر بشكل غير قانوني، ويشترط القرار تسجيل هؤلاء الأجانب لدى إدارة الهجرة والجنسية المصرية، وسداد رسوم إدارية تُقدر بألف دولار أميركي للفرد الواحد، بغرض الحصول على "كارت الإقامة الذكي" الذي يتيح لهم الاستفادة من الخدمات الأساسية.
في الوقت نفسه، أبدت سلطات السيسي مرونة بتمديد المهلة الممنوحة حتى ديسمبر من العام الحالي، في محاولة لتخفيف الضغط على النازحين وإعطائهم مزيدًا من الوقت لتنظيم أوضاعهم.
 

حالة الهلع والخوف من الترحيل
     يحكي عماد الدين عوض، أحد اللاجئين السودانيين المقيمين في مصر، عن حالة الهلع التي أصابته بعد إعلان القرار الجديد، قائلاً: "لقد هربت من الخرطوم بعد مقتل شقيقي وتعرضت لإصابة في كتفي أثناء الحرب، كما أن رحلتي إلى مصر عبر الصحراء كلفتني مبالغ طائلة؛ واليوم أجد نفسي أمام تحدٍ جديد، فكيف سأتمكن من دفع 6 آلاف دولار لي ولأسرتي للحصول على الإقامة الشرعية؟". ويضيف عماد، الذي يعيش مع أسرته الكبيرة في شقة صغيرة بالكاد تكفيهم: "أنا أخشى من العودة إلى السودان حيث لا أمان ولا استقرار، وقد يتم ترحيلنا إذا لم أتمكن من تقنين وضعي ودفع الرسوم المطلوبة".
 

الخوف يجبر اللاجئين على البقاء في منازلهم
     التوتر الذي تسببه عمليات التفتيش والتحقق من الإقامات يزيد من قلق اللاجئين، حيث يتجنب العديد منهم الخروج إلى الشوارع خوفًا من الترحيل.
يوضح مصعب أ.، سوداني مقيم بمصر، أنه قلّما يغادر منزله إلا للضرورة القصوى: "لا أستطيع جمع ألف دولار لأدفعها لتوفيق أوضاعي القانونية، لذا أبقى بعيدًا عن الأنظار قدر الإمكان. أشعر أنني مطارد، فأنا في حاجة إلى إقامة شرعية، ولكن الظروف المادية تحول دون ذلك".
 

أزمة معيشية وصحية تلاحق اللاجئين
     اللاجئة السودانية فكتوريا آشول جال، التي فرت من مدينة أم درمان بعد مقتل زوجها، تواجه معاناة يومية في سبيل إعالة أبنائها الـ11. تعيش في الجيزة وتكافح لتأمين قوتهم من خلال العمل في بيع العطارة السودانية ورسم الحناء، وتصف حالتها قائلة: "أنا أعتمد بشكل رئيسي على المساعدات التي أستلمها من مفوضية اللاجئين، ولولاها لما تمكنت من تأمين احتياجات أسرتي الأساسية؛ ومع ذلك، فإن حصولنا على الكارت الأصفر يضمن لي ولأبنائي قدرًا من الأمان، ويمنع توقيفنا وترحيلنا إلى السودان".
 

الكارت الأصفر: حماية قانونية مهمة للاجئين
     يمثل "الكارت الأصفر" وثيقة قانونية تمنح اللاجئين السودانيين حماية دولية من الترحيل القسري، وفقًا للقانون الدولي. ويتيح الكارت لهم الوصول إلى الخدمات الأساسية، خاصة الصحية، التي توفرها الدولة.
ومع ذلك، تزايدت مخاوف السودانيين من احتمال فقدان هذه الحماية في ظل تشديد سلطات السيسي على إتمام إجراءات الإقامة الرسمية.
 

ردود الفعل والمطالبات بتخفيض الرسوم
     يشير المحامي المتخصص في شؤون الهجرة أشرف ميلاد إلى أن قرار حكومة السيسي تسبب في حالة من القلق والارتباك بين النازحين السودانيين، قائلاً: "هناك العديد من السودانيين الذين لا يعملون ويعتمدون على المساعدات، وبالتالي فإن دفع ألف دولار يمثل عبئًا كبيرًا عليهم؛ الحل الأمثل يكمن في تخفيض رسوم الإقامة حتى يتمكن الجميع من الحصول على وضع قانوني ثابت ودائم".
كما يضيف ميلاد أن الإجراءات الأمنية المشددة تُصعّب من حياة اللاجئين، إذ إنهم يفضلون البقاء داخل منازلهم خوفًا من الترحيل.
 

ارتفاع أعداد طالبي اللجوء وتفاقم الأزمة
     تؤكد كريستين بشاي، مسؤولة التواصل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أعداد السودانيين المسجلين كطالبي لجوء في مصر تتزايد باستمرار منذ بداية الصراع في السودان.
وقد ارتفع العدد من حوالي 294 ألف شخص قبل الحرب إلى نحو 731 ألف شخص حاليًا، وهي أرقام تتزايد يوميًا مع تدفق مزيد من اللاجئين إلى مصر.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فقد تم ترحيل حوالي 800 سوداني بين يناير ومارس من هذا العام، حيث لم يُسمح لهم بطلب اللجوء أو الطعن في قرار ترحيلهم.
 

حكومة السيسي وادعاء تخفيف الأزمة
     صرح المتحدث باسم حكومة السيسي، محمد الحمصاني، بأن قرار تقنين أوضاع الأجانب يهدف إلى تنظيم إقامة اللاجئين وضمان استمرار تقديم الخدمات لهم، وأن مصر قررت تمديد المهلة النهائية لتسوية الأوضاع لمدة ثلاثة أشهر مراعاةً لظروف السودانيين، إلا أن هذا التمديد لا يخفف من وطأة المبالغ المطلوبة بالنسبة للعديد من السودانيين الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن دفعها.

ختاماً: في خضم التوترات والأزمات التي يعيشها السودانيون في مصر، يبقى الكارت الأصفر أملهم الأخير للحصول على حماية قانونية وتجنب العودة إلى وطن مزقته الحرب.
إلا أن تكلفة الحصول على الإقامة تبقى عائقًا كبيرًا أمامهم، مما يجعلهم عالقين في مفترق طرق بين تلبية شروط الإقامة المكلفة والبقاء في مصر تحت حماية قانونية، أو مواجهة شبح الترحيل الذي يهدد حياتهم ومستقبل أسرهم.