في خطوة وصفها بعض الصحافيين المستقلين بـ"الالتفافية" على حقوقهم، أعلن خالد البلشي، نقيب الصحافيين المصريين، في 13 أكتوبر الجاري، عن فتح جدول الانتساب للصحافيين الإلكترونيين.

هذا الإعلان جاء بعد سنوات من الإقصاء الممنهج الذي مارسته النقابة بحق الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام الرقمية، الذين طالبوا بالاعتراف بهم كأعضاء يتمتعون بحقوق متكاملة أسوة بزملائهم في الصحف المطبوعة.

ولكن يبدو أن مجلس النقابة قد اختار تقديم هذه الخطوة الباهتة، والتي تمنح الصحافيين الإلكترونيين تمثيلاً قانونياً دون الحقوق الأساسية مثل التغطية الاجتماعية وحق التصويت في الانتخابات النقابية، مما يعني أنه لن يتمتعوا بمكانة الأعضاء الكاملة.

تأتي هذه الخطوة بعد سنوات من التجاهل الذي اتبعه مجلس النقابة تجاه الإعلام الإلكتروني، وهو تجاهل لا ينفصل عن سياسات السلطة العسكرية الحالية في مصر، والتي تسعى للتضييق على الإعلام المستقل والمعارض عبر تشريعات قمعية.

ومنذ استيلاء عبد الفتاح السيسي على الحكم في 2014، واجهت الصحافة المصرية تضييقاً غير مسبوق، مع ازدياد قضايا الاعتقال، والتحقيقات الأمنية، وعمليات حجب المواقع الإلكترونية، حيث يتم اتهام الصحافيين بتكدير السلم العام ونشر الأخبار الكاذبة، وهي التهم التي أصبحت ذريعة لإسكات أي صوت معارض.

في مايو الماضي، أبدى الصحافيون الإلكترونيون استياءهم عبر مجموعة فيسبوك "عضوية النقابة حق للصحافيين الإلكترونيين"، مطالبين بإعادة النظر في لائحة النقابة التي تُقصيهم بشكل غير عادل.
ومع اقتراب انعقاد المؤتمر العام السادس للصحافة المصرية، دعا البلشي إلى المؤتمر دون التطرق لمطالب الصحافيين الإلكترونيين، مما أثار حفيظة عدد كبير منهم، خاصة وأن النقابة تسيطر عليها كتلة من الصحافيين العاملين في مؤسسات رسمية، أو تلك التي تديرها "الشركة المتحدة"، التي تخضع لإدارة جهات سيادية، وأصبحت تهيمن على الإعلام المصري منذ استحواذها على غالبية الصحف الخاصة.
 

الصحافة الإلكترونية في مواجهة التشريعات القمعية
لم يكن تهميش الصحافيين الإلكترونيين بمحض الصدفة، فبحسب تقرير صادر عن "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" في سبتمبر، فإن سلطة السيسي تستمر في فرض قوانين تعسفية تخالف مواد الدستور المعدل عام 2019، ومنها المواد (68، 70، 71)، التي من المفترض أن تحمي حرية الإعلام.
ويذكر التقرير نظام السيسي يستغل الاتهامات العامة لفرض الرقابة والسيطرة على وسائل الإعلام المستقلة، خاصة في الإنترنت، حيث يعمد النظام إلى استخدام مبررات واهية كـ"تكدير السلم العام" و"نشر أخبار كاذبة" لتبرير الحجب المتكرر للمواقع المستقلة والمحلية، سواء كانت ذات محتوى سياسي أم اجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، توسع قضاء السيسي في ممارسة ما يعرف بـ"إعادة تدوير" الصحافيين، حيث يتم احتجازهم على ذمة قضايا جديدة، بعد انتهاء فترة الحبس الاحتياطي المحددة قانوناً، لتمديد حجزهم دون محاكمة عادلة.

ويعتبر هذا التكتيك أداة قمعية يستخدمها نظام السيسي للسيطرة على الصحافيين ومنعهم من مزاولة عملهم بحرية، مستغلاً بشكل منهجي الثغرات القانونية لإسكات الأصوات المعارضة، وخاصة تلك التي لا تندرج تحت مظلة حكومة السيسي أو المؤسسات الصحافية الرسمية.
 

نقابة الصحافيين: هل الإصلاح ممكن في ظل القوانين الحالية؟
تقول الصحافية إيمان منير، المختصة في تغطية قضايا البيئة والمناخ، إنه على الرغم من حصولها على جوائز عالمية وتقدير دولي، إلا أنها تُعتبر "منتحلة صفة صحافية" وفقاً للقانون المصري لعدم عضويتها في النقابة، مما يجعلها عرضة للمساءلة القانونية وربما السجن.
وتضيف منير أن إتاحة العضوية للجميع ستكون خطوة مهمة للاعتراف بعمل الصحافيين المستقلين في مصر، لكن النظام العسكري الحالي يستغل النقابة كأداة إضافية للتضييق على الصحافيين الإلكترونيين.
وقد أثارت مسألة تقييد العضوية للصحافيين المعينين في صحف ورقية سخرية الكثيرين من الصحافيين الشباب، الذين باتوا يواجهون معوقات قانونية كبيرة لمجرد ممارسة مهنتهم في ظل انحسار الصحافة المطبوعة.

أما سارة عادل، مؤسسة حملة للمطالبة بحقوق الصحافيين الإلكترونيين، فتقول: إن هذا القرار مجرد "خطوة رمزية لتحريك المياه الراكدة"، مؤكدة أن النقيب ومجلسه مترددون في إجراء تغييرات جذرية في قانون النقابة.
وتستدرك بأن قبول الصحافيين الإلكترونيين بشكل كامل سيكون تحدياً كبيراً في ظل وجود كتلة صلبة داخل النقابة تعارض الاعتراف بوسائل الإعلام الإلكترونية، وترى في فتح الجدول الانتسابي مجرد مناورة سياسية بدلاً من كونه إصلاحاً حقيقياً.
 

الاعتراف بنقابة الصحافيين الإلكترونيين: مطلب شرعي أم تحدٍ لنظام السيسي؟
يثير إقصاء الصحافيين الإلكترونيين عن العضوية النقابية تساؤلات عن مدى تواطؤ المجلس الحالي مع سلطة السيسي، التي ترى في الصحافة المستقلة تهديداً لبقائها.
وتؤكد سارة عادل أن نظام السيسي لا يريد للصحافيين الإلكترونيين أن يتمتعوا بغطاء قانوني وحماية نقابية، حتى يظلوا عرضة للملاحقة الأمنية تحت ذرائع قانونية واهية.

ويبدو أن فتح جدول الانتساب سيظل حلاً مؤقتاً وغير كافٍ، في ظل الإصرار على بقاء القوانين التي تعرقل انضمام الصحافيين الإلكترونيين بشكل كامل إلى النقابة، وتجعلهم عرضة للتضييق الأمني.
وقد عبر محمد زكريا، صحافي مستقل، عن قلقه من التعديلات التي قد تطرأ على قانون النقابة، مشيراً إلى أن الموجة القادمة من الانتخابات النقابية قد تأتي بمجلس محافظ يرفض تماماً الاعتراف بالإعلام الإلكتروني.
 

مستقبل الصحافة الإلكترونية في مصر: تحديات مستمرة
مع تصاعد الضغوط الاقتصادية على الصحافيين في مصر، حيث يتراوح متوسط الرواتب بين 2000 إلى 4000 جنيه (42 إلى 82 دولاراً)، وازدياد حالات الفصل التعسفي وعدم استقرار العمل، أصبح الصحافيون الإلكترونيون الأكثر هشاشة في هذا المناخ القمعي.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الصحافيين الإلكترونيين يتعرضون لأعلى نسبة من الانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتهديد والضرب، بالإضافة إلى منعهم من التغطية الصحافية، ما يجعلهم فئة معرضة للخطر في بيئة لا تحتفي إلا بالصحافة الموالية للسلطة.

ختاماً، يظل مستقبل الصحافة الإلكترونية في مصر مهدداً في ظل انحياز النقابة لمؤسسات الدولة، ورفضها اتخاذ موقف جاد بشأن الصحافيين المستقلين.
وفي ظل غياب الإرادة الحقيقية للتغيير، يبقى الصحافيون الإلكترونيون عرضة للاستغلال والملاحقة، بينما تواصل النقابة تجاهل مطالبهم الحقيقية بالاعتراف الكامل.