أثارت تصريحات زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي جدلاً واسعًا بين المواطنين والمحللين، حيث شبه الوضع الحالي في مصر بالظروف التي مرت بها البلاد بعد هزيمة عام 1967.
تلك التصريحات، التي جاءت خلال احتفالات ذكرى حرب أكتوبر 1973، كانت بمثابة إنذار جديد عن الفشل المتواصل للنظام في معالجة الأزمات العميقة التي تعصف بالبلاد.
مقارنة غير مريحة
خلال حديثه، قال السيسي إن ما يحدث اليوم في مصر يعكس تقريبًا نفس الظروف التي شهدتها البلاد بعد "نكسة 67".
وفي تعبيره عن التحديات الحالية، أشار إلى أن الخبراء العسكريين في ذلك الوقت لم يتوقعوا أن تعبر مصر أزمة الحرب، لكنه اعتبر أن الشعب المصري "رفض الهزيمة" وأظهر إرادة قوية للتغلب على التحديات.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل فعلاً يمكن المقارنة بين الأوضاع الحالية وتلك الفترة؟
أزمات اقتصادية خانقة
تواجه مصر اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر، بينما سجّل معدل التضخم مستويات قياسية مدفوعًا بتراجع قيمة الجنيه المصري ونقص العملة الأجنبية.
تلك الأزمات الاقتصادية تضع المواطن المصري في مواقف حرجة، إذ يعاني الكثيرون من صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية.
وبدلاً من تقديم حلول فعالة، تُقدَّم وعود غير واقعية من قبل حكومة الانقلاب، مما يعكس انعدام الوعي الحقيقي بحجم المشكلة.
وفي سياق الأزمة الاقتصادية، يواجه برنامج القرض الموسع مع صندوق النقد الدولي تحديات كبيرة.
فقد أشار السيسي إلى إمكانية إعادة تقييم هذا البرنامج إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في الاعتبار التحديات الإقليمية التي تواجهها البلاد، مما يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي.
حالة حقوق الإنسان... تدهور مستمر
علاوة على الأزمات الاقتصادية، تعاني مصر أيضًا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
اتُهمت السلطات العسكرية المصرية بالتنكيل بمعارضين وناشطين منذ استيلاء السيسي على الحكم، مما أفضى إلى حملة اعتقالات واسعة شملت إسلاميين وليبراليين على حد سواء.
في ظل هذه الأوضاع، تبقى الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية محاصرة، مما يعكس حالة من القمع وعدم التسامح مع المعارضة.
ويظل السؤال المطروح: هل يملك السيسي الإرادة الحقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في مصر؟
التعليقات والردود: واقع مرير
تتباين ردود الفعل على تصريحات السيسي بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
بينما يرى البعض في حديثه إقرارًا ضمنيًا بفشل النظام، يعتبره آخرون دعوة للأمل والإصرار على تجاوز الأزمات.
وفي كل الأحوال، لا يمكن تجاهل أن الواقع الذي يعيشه المواطنون مختلف تمامًا عن الظروف التي كانت سائدة قبل عقود.
توجه العديد من النقاد إلى تشبيه الوضع الحالي بـ"نكسة دون حرب"، حيث يُعتبر أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر سوءًا.
فبدلاً من أن يكون هناك تحسين حقيقي في الظروف المعيشية، تواصل الأزمات التفاقم، مما يزيد من الهوة بين الحكومة والشعب.
مشروع الجمهورية الجديدة: هل هو حل حقيقي؟
على الرغم من الاحتفالات والشعارات المتعلقة بـ"الجمهورية الجديدة"، فإن المشروعات العملاقة التي أطلقها السيسي، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، أثارت جدلاً حول جدوى هذه المشروعات.
فقد رأى الكثيرون أن هذه المشروعات تستنزف موارد الدولة دون أن تُحقق عائدًا فعليًا يساهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وفيما يخص برنامج "100 مليون صحة"، الذي كان يُعتبر أحد إنجازات السيسي، يتساءل العديد عن مدى جدواه مقارنةً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
هل يمكن لحملة صحية أن تعوض عن فقدان العدالة الاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر؟
ختاما؛ إن تصريحات السيسي الأخيرة ليست مجرد كلام عابر، بل هي تعبير عن فشل متواصل في التعاطي مع الأزمات المعقدة التي تمر بها مصر.

