على مدى العقد الماضي، شهدت مصر انهيار تجربتها الديمقراطية القصيرة والعودة إلى الحكم الاستبدادي تحت قيادة عبد الفتاح السيسي. 

تلاشت وعود الربيع العربي في عام 2011، والتي ملأت لفترة وجيزة شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية بآمال الحرية والديمقراطية، لتتحول إلى واقع قاسٍ من الدكتاتورية والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان. تتعمق هذه المقالة في العوامل التي أدت إلى الوضع السياسي الحالي في مصر، وكيف عززت الدولة سلطتها، وعواقب القمع على مواطني البلاد ومستقبلها.

 

صعود وسقوط التجربة الديمقراطية في مصر

في عام 2011، كانت مصر في قلب الربيع العربي، وهي موجة من الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي دعت إلى التغيير السياسي والديمقراطية وإنهاء عقود من الدكتاتورية. تحت ضغط الشارع، تنحى حسني مبارك، الذي حكم مصر بقبضة من حديد لمدة 30 عامًا تقريبًا، عن منصبه. كانت استقالته بمثابة لحظة تاريخية حيث بدا أن مصر على أعتاب التحول الديمقراطي.

عقدت البلاد أول انتخابات حرة ونزيهة في عام 2012، مما أدى إلى انتخاب الرئيس الراحل محمد مرسي، المرشح من جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية تعرضت للقمع لفترة طويلة في عهد مبارك. 

في يوليو 2013، قاد الجنرال عبد الفتاح السيسي، رئيس القوات المسلحة المصرية، انقلابًا عسكريًا أطاح بمرسي من السلطة. لقد علقت حكومة السيسي على الفور العمل بالدستور وأطلقت حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين وجماعات المعارضة الأخرى. وفي حين زعم السيسي أن الانقلاب كان ضروريا لاستعادة الاستقرار وتجنب المزيد من الفوضى، كان من الواضح أن مصر تتجه نحو الحكم الاستبدادي.

 

تعزيز السيسي للسلطة 

بعد الانقلاب، تحرك عبد الفتاح السيسي بسرعة لتعزيز سلطته. فقد شن حملة صارمة على جماعة الإخوان المسلمين، وأعلنها منظمة إرهابية، واعتقل الآلاف من أعضائها وأنصارها. وأطلقت الدولة موجة من القمع ليس فقط ضد الإسلاميين، بل وأيضا ضد الليبراليين والناشطين والصحفيين. وفي عام 2014، ترشح السيسي للرئاسة في انتخابات اعتبرت على نطاق واسع أنها ليست حرة ولا نزيهة. وفاز بأغلبية ساحقة، مما عزز سيطرته على البلاد.

عملت حكومة السيسي بشكل منهجي على تفكيك مكاسب ثورة 2011. وكانت وسائل الإعلام، التي كانت ذات يوم منصة للمعارضة، خاضعة لرقابة شديدة، حيث واجه الصحفيون الاعتقال والسجن بسبب تقاريرهم عن قضايا سياسية حساسة. في عام 2013، اعتُقل المصور الصحفي الشهير دوليًا محمود أبو زيد، المعروف باسم شوكان، أثناء تغطيته لاحتجاج وقضى خمس سنوات في السجن، مما جسد موقف الدولة تجاه حرية الصحافة.

وتم تفكيك منظمات المجتمع المدني، التي ازدهرت لفترة وجيزة بعد الربيع العربي، بشكل منهجي من خلال القوانين التقييدية والترهيب. وأُجبرت المنظمات غير الحكومية العاملة في قضايا حقوق الإنسان على الإغلاق، وتم اعتقال الناشطين بشكل روتيني. 

ولا يزال أحد أبرز شخصيات ثورة 2011، علاء عبد الفتاح، مسجونًا في ظل حكومة السيسي بسبب نشاطه السياسي. وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، مرارًا وتكرارًا الحكومة المصرية لقمعها للمعارضة السلمية والحريات المدنية.

 

انتهاكات حقوق الإنسان وحالة القمع

في ظل نظام السيسي، أصبحت مصر سيئة السمعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وقد استخدمت الحكومة تدابير صارمة للحفاظ على قبضتها على السلطة، مع تقارير عن التعذيب على نطاق واسع، والاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، انخرطت قوات الأمن المصرية في التعذيب المنهجي في مراكز الاحتجاز، واستهدفت في كثير من الأحيان المعارضين السياسيين والصحفيين والنشطاء.

وكان أحد أكثر الأمثلة فظاعة للقمع في عام 2013، عندما نفذت قوات الأمن مذبحة وحشية في ميدان رابعة العدوية، حيث تجمع أنصار محمد مرسي للاحتجاج على إقالته. وفي ما وصف بأنه أحد أكبر عمليات قتل المتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث، قتلت قوات الأمن أكثر من 800 شخص، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان. وقد شكل هذا الحادث نقطة تحول في تاريخ مصر بعد الثورة، حيث أشار إلى استعداد الدولة لاستخدام العنف الساحق لقمع المعارضة.

قمع الحكومة يمتد إلى كل قطاعات المجتمع تقريبًا. وأصبح النظام القضائي أداة للدولة لإسكات المعارضة. وقد حوكم الآلاف من المدنيين في محاكم عسكرية، وتلقى العديد منهم أحكامًا قاسية، بما في ذلك عقوبة الإعدام. 

وفي بعض الحالات، حُكم على مجموعات كاملة من الأفراد بالإعدام في محاكمات جماعية وصفها المراقبون الدوليون بأنها استهزاء بالعدالة. وتحتل مصر الآن مرتبة بين أعلى البلدان في العالم من حيث استخدامها لعقوبة الإعدام.

كما تم تقييد حرية التجمع بشكل صارم. وتمنح حالة الطوارئ، التي كانت سارية منذ عام 2017، الحكومة سلطات واسعة النطاق لاحتجاز الأفراد ومنع الاحتجاجات. ويواجه أولئك الذين يحاولون تنظيم المظاهرات أو المشاركة فيها الاعتقال والسجن. ويجعل القانون فعليًا من المستحيل ظهور أي معارضة ذات مغزى.

 

سوء الإدارة الاقتصادية والسخط العام

بينما زعم السيسي أنه يعطي الأولوية للاستقرار الاقتصادي والتنمية، فشلت السياسات الاقتصادية لحكومته إلى حد كبير في تحسين حياة المصريين العاديين. فقد عانت مصر من مستويات عالية من التضخم، وضعف العملة، وتزايد البطالة، وخاصة بين الشباب. ولتأمين القروض من صندوق النقد الدولي، نفذت الحكومة تدابير تقشفية أدت إلى خفض الدعم على السلع الأساسية، مما أدى إلى استياء شعبي واسع النطاق.

ورغم مشاريع البنية الأساسية الضخمة مثل توسيع قناة السويس وبناء عاصمة إدارية جديدة، فإن المصاعب الاقتصادية في مصر لا تزال قائمة. وقد تعرضت هذه المشاريع لانتقادات بسبب إعطاء الأولوية للتطورات النموذجية على معالجة الاحتياجات الحقيقية للسكان، مثل تحسين التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل.

وقد أدى عجز الحكومة عن معالجة الأسباب الجذرية للفقر وعدم المساواة إلى تأجيج الإحباط بين المصريين، الذين يشعر الكثير منهم بأن النخبة الاقتصادية في البلاد، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجيش، استفادت على حساب السكان على نطاق أوسع. ومع ذلك، مع قمع المعارضة وحظر الاحتجاجات العامة، لم يعد هناك مساحة كافية للمواطنين للتعبير عن مظالمهم.

على الرغم من الوضع القاسي الذي تعيشه مصر، إلا أن هناك بصيص أمل في التغيير. فنظام السيسي، على الرغم من ترسخه العميق، يواجه استياء متزايدًا من مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك النخبة العسكرية، التي كانت تقليديًا العمود الفقري للسلطة في مصر. وكانت هناك تقارير عن عدم الرضا داخل صفوف القوات المسلحة، وتم تطهير بعض الضباط العسكريين بسبب معارضتهم المفترضة لقيادة السيسي.

بالإضافة إلى ذلك، بدأ المجتمع الدولي في اتخاذ موقف أكثر انتقادًا لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان. وفي حين كان السيسي قادرًا منذ فترة طويلة على الاعتماد على الحلفاء الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة، لتوفير الغطاء الدبلوماسي والمساعدات العسكرية، هناك دعوات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان وبعض الحكومات الغربية لمحاسبة مصر على انتهاكاتها.

ومع ذلك، فإن التغيير الحقيقي سيتطلب أكثر من الضغوط الخارجية - وسيعتمد على مرونة المجتمع المدني في مصر وشجاعة مواطنيها للمطالبة بالإصلاح الديمقراطي. ورغم أن مساحة المعارضة السياسية آخذة في الانكماش، فإن مصر لديها تاريخ طويل من الحركات الشعبية، ولم تنطفئ روح ثورة 2011 بالكامل، رغم قمعها.

وفي الختام، اتسم العقد الماضي في مصر بالدكتاتورية والقمع تحت حكم عبد الفتاح السيسي. وفي حين أثارت ثورة 2011 الآمال في الديمقراطية والحرية، فقد تبددت تلك الآمال مع انزلاق البلاد مرة أخرى إلى الاستبداد. وقد أدت انتهاكات حقوق الإنسان، وسوء الإدارة الاقتصادية، وقمع المجتمع المدني إلى خلق بيئة من الخوف والركود. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن إمكانية التغيير لا تزال قائمة. وسيعتمد مستقبل مصر على قدرة شعبها على التغلب على القمع والمطالبة بالحكم الديمقراطي الذي ناضل من أجله في عام 2011. 

ويتعين على المجتمع الدولي أيضًا أن يلعب دوره من خلال محاسبة مصر على أفعالها ودعم الجهود الرامية إلى الإصلاح السياسي الهادف.

https://moderndiplomacy.eu/2024/10/24/egypts-decade-of-dictatorship-and-repression-a-struggle-for-democracy/