تحولت مصر، في غضون سنوات قليلة، من دولة رائدة في إنتاج وتصدير القمح إلى واحدة من أكبر الدول المستوردة له عالميًا. تعكس هذه التحولات العميقة في السياسة الزراعية والفلاحية فشلًا في إدارة ملف الأمن الغذائي، مما يزيد من الاعتماد على الأسواق الخارجية ويشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الاقتصاد المصري. مصر والقمح: من الاكتفاء الذاتي إلى التبعية للاستيراد تعتبر مصر من الدول التي كانت تعتمد بشكل كبير على زراعة القمح لتلبية احتياجاتها الغذائية. ففي عهد الرئيس االدكتور محمد مرسي، كان هناك توجه واضح نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح من خلال تشجيع الفلاحين وتحسين بنية الزراعة. إلا أن هذا الحلم تلاشى مع تعاقب الأحداث السياسية، وخصوصًا في فترة حكم السيسي، حيث تراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير. حاليًا، تُنتج مصر حوالي 9 ملايين طن فقط من القمح، بينما تستهلك أكثر من 20 مليون طن سنويًا. هذا العجز الكبير في الإنتاج يجعل الحكومة مضطرة لاستيراد أكثر من 11 مليون طن سنويًا، مما يُصنف مصر كواحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم. فشل الإدارة الحكومية في تحقيق الاكتفاء الذاتي تُظهر السياسات الزراعية في عهد السيسي اعتمادًا مفرطًا على الاستيراد، حيث أبرمت الحكومة صفقات لاستيراد القمح من دول مثل فرنسا وروسيا. ففي مطلع أكتوبر، وافقت مصر على واحدة من أكبر الصفقات لاستيراد القمح من منطقة البحر الأسود، بإجمالي يصل إلى 3.12 مليون طن على مدار ستة أشهر. يُعد هذا الاعتماد على الاستيراد عبئًا اقتصاديًا، خاصة في ظل التقلبات المستمرة لأسعار القمح عالميًا وارتفاع تكاليف النقل والتأمين. بالإضافة إلى ذلك، تواجه مصر تحديات اقتصادية عديدة تتمثل في زيادة معدلات التضخم وارتفاع الدين الخارجي، مما يجعل تكلفة استيراد القمح عبئًا إضافيًا على ميزانية الدولة. تداعيات صفقة القمح الفرنسية تسعى وزارة التموين المصرية، تحت ضغط الحاجة الملحة لتلبية احتياجات المواطنين، لتعزيز التعاون مع الدول المصدرة مثل فرنسا لاستيراد كميات أكبر من القمح. ومع أن هذا التعاون قد يُساهم في تلبية احتياجات مصر على المدى القصير، إلا أنه ليس حلاً مستدامًا. تفتقر الحكومة إلى رؤية استراتيجية واضحة للاستثمار في الزراعة المحلية ودعم الفلاحين، وهو ما يتطلب تدخلًا عاجلًا لتعزيز الإنتاج المحلي. تتعرض مصر لخطر كبير فيما يتعلق بأمنها الغذائي في حال استمرار الاعتماد على الاستيراد. تداعيات اقتصادية واجتماعية على المواطن المصري الفشل في إدارة ملف القمح له آثار مباشرة على المواطن المصري، حيث تؤدي زيادة أسعار القمح عالميًا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الخبز، الذي يعتبر سلعة أساسية يعتمد عليها ملايين المصريين. هذا الوضع يضغط على الحكومة المصرية للاستمرار في تقديم الدعم، مما يشكل تحديًا حقيقيًا في ظل الأزمات الاقتصادية المتراكمة. مع استمرار ارتفاع أسعار القمح والواردات، تصبح تكاليف الخبز المدعوم عبئًا على الحكومة التي تجد نفسها مضطرة لاستيراد المزيد من القمح لتلبية احتياجات السوق. ومن المتوقع أن تستمر هذه الأسعار في الارتفاع، مما يزيد من العبء على الفئات الأشد فقراً، ويهدد مستوى معيشة الكثير من الأسر المصرية. سياسات غير فعّالة وفشل اقتصادي تعكس التحولات في إنتاج القمح في مصر فشل السياسات الاقتصادية والزراعية في عهد السيسي. فقد أدى عدم الاستثمار في تحسين البنية التحتية الزراعية وتقديم الدعم الكافي للفلاحين إلى تراجع الإنتاج المحلي، حيث أصبحت البلاد تعتمد بشكل متزايد على الاستيراد. تظهر هذه التوجهات عدم وجود رؤية استراتيجية لتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجالات حيوية مثل الزراعة والغذاء. إن فشل الحكومة في إدارة ملف القمح هو جزء من سلسلة طويلة من الإخفاقات الاقتصادية التي جعلت من مصر دولة تعتمد بشكل كبير على الخارج لتلبية احتياجاتها الأساسية، مما يهدد استقرارها على المدى الطويل. ختامًا إن تحول مصر من دولة مُصدرة للقمح إلى مستورد رئيسي هو نتيجة لسياسات اقتصادية غير فعّالة وفشل في إدارة ملف الأمن الغذائي. الاستيراد بكميات ضخمة يجعل مصر تحت رحمة الأسواق العالمية، ويزيد من الضغوط الاقتصادية على الحكومة والمواطنين على حد سواء. تحتاج مصر إلى إعادة النظر في سياساتها الزراعية والاقتصادية بشكل عاجل لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وذلك من أجل حماية أمنها الغذائي ومستقبلها الاقتصادي. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب توجيه الاستثمارات نحو تطوير الزراعة المحلية، ودعم الفلاحين، وتعزيز البنية التحتية الزراعية لضمان استدامة الإنتاج الغذائي في البلاد.

