منذ أكثر من عشرين عامًا، أصبح "التوكتوك" جزءًا أساسيًا من وسائل النقل غير الرسمية في مصر، خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية. ومع أن الحكومة  بدأت تحركات لاستبدال التوكتوك بمركبة جديدة تعرف باسم "الكيوت"، تظل المسألة أكثر تعقيدًا مما يبدو في ظاهرها، حيث تتداخل اعتبارات اقتصادية، اجتماعية وقانونية. في هذا التقرير، نستعرض تطورات الصراع بين "التوكتوك" و"الكيوت"، وتأثيره على ملايين المصريين الذين يعتمدون على هذا النوع من النقل بشكل يومي.

خلفية الصراع: "التوكتوك" كجزء من الحياة اليومية
"التوكتوك" لم يكن مجرد وسيلة نقل بسيطة، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي المصري، وخاصة في المناطق التي لا تصلها وسائل النقل العامة. بحسب المحاسب المتقاعد ناصر العزب، فإن "التوكتوك" يمثل خيارًا ضروريًا وسهلًا للأسر المصرية، فهو يمكنهم من الوصول إلى أماكن ضيقة وغير مخدومة بمواصلات رسمية. في المقابل، يعتبره آخرون مثل المحامي أحمد إمام رمزًا للفوضى والعشوائية، حيث ارتبط في أذهان الكثيرين بزيادة معدلات الجريمة، بالإضافة إلى قيادة العديد من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا لهذه المركبات، مما يساهم في زيادة الحوادث.

الحكومة وبدائل التوكتوك: "الكيوت"
الحكومة أبدت عزمها على تنظيم هذه الفوضى من خلال تقديم بدائل للتوكتوك. إحدى تلك البدائل هي مركبة "الكيوت"، التي استوردتها مصر من الهند، وتعمل على أربع عجلات بدلاً من ثلاث، ما يُفترض أن يجعلها أكثر استقرارًا وأمانًا من التوكتوك. إلا أن المركبة الجديدة تواجه تحديات عديدة، أهمها سعرها المرتفع نسبيًا. هذا ما أشار إليه سائق التوكتوك سيد عيد الذي يرى أن التحدي الأكبر هو في تكلفة "الكيوت"، التي قد تكون بعيدة عن متناول الكثيرين من سائقي التوكتوك الحاليين.

المهندس عبد الخالق سلامة أوضح أن المركبة الجديدة تعتمد على محرك رباعي الأشواط بسعة 217 سي سي، وتبلغ سرعتها القصوى 70 كم/ساعة. ومع ذلك، لم يتم بعد تجميع هذه المركبة محليًا، مما يزيد من تكلفتها ويجعلها غير قادرة على منافسة التوكتوك الذي يتم تجميعه محليًا في صورة قطع غيار، مما يتيح له إعفاءات جمركية تصل إلى 60%.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
يمثل التوكتوك مصدر دخل أساسي لملايين الأسر المصرية، ولهذا فإن أي محاولة لاستبداله دون تقديم بديل حقيقي وفعال قد تؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية خطيرة. الباحث الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يرى أن التوكتوك أصبح جزءًا من "الاقتصاد الموازي"، حيث يعمل خارج المنظومة الرسمية ولكنه يوفر فرص عمل ودخل لملايين الأشخاص. لهذا السبب، يحذر عبد المطلب من أن التعامل العشوائي مع هذه القضية قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة، داعيًا إلى ضرورة تقنين وتنظيم هذه المركبة بدلاً من القضاء عليها تمامًا.

سائقو التوكتوك: بين الخوف والآمال
بالنسبة للسائقين مثل سعيد صابر، فإن المستقبل يبدو غير مؤكد. صابر، الذي يضطر دائمًا للهروب من الشوارع الرئيسية لتجنب رجال المرور بسبب حظر التوكتوك في بعض المناطق، يرى أن المركبة الجديدة قد تخفف من معاناته. لكن زميله جمعة صميدة، الذي ترك عمله في الخراطة ليتفرغ للعمل على التوكتوك، يتساءل عن مستقبله في ظل هذه التغييرات. يعبر صميدة عن قلقه من أن البدائل المقدمة قد لا تكون عملية أو ميسورة التكلفة للجميع، ما يجعله يفكر في البحث عن مناطق ريفية للعمل فيها بعيدًا عن المدن الكبرى.

خاتمة
بينما تواصل الحكومة محاولاتها للسيطرة على ظاهرة التوكتوك وتنظيمها من خلال تقديم بدائل مثل "الكيوت"، تبقى الأسئلة قائمة حول ما إذا كان هذا الحل عمليًا وقادرًا على تحقيق توازن بين مصالح الدولة واحتياجات ملايين المصريين الذين يعتمدون على التوكتوك. بدون تنظيم دقيق ودعم حقيقي لهذه البدائل، قد يجد الاقتصاد الموازي نفسه أمام تحديات جديدة، مع احتمالية أن تظل "التوكتوك" جزءًا لا غنى عنه من الحياة اليومية في مصر لفترة أطول مما تتوقعه الحكومة.