في خطاب ألقاه رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي مؤخرًا، شدد على أهمية تشجيع الصناعة والاستثمار كأحد السبل للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. السيسي تحدث عن ضرورة تحسين بيئة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال لتطوير القطاع الصناعي، الذي وصفه بأنه "العمود الفقري" للاقتصاد المصري. إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة تمامًا، حيث شهدت مصر مؤخرًا إغلاق العديد من المصانع، كان آخرها مصانع الفويل في الإسكندرية وحلوان. هذه الأحداث تطرح تساؤلات حول فعالية السياسات الحكومية في دعم الصناعة وقدرتها على خلق بيئة استثمارية مشجعة. إغلاق مصانع الفويل: انعكاس للأزمة الاقتصادية والصناعية تعد مصانع الفويل في الإسكندرية وحلوان من المؤسسات الصناعية الرائدة في مصر، حيث تلعب دورًا هامًا في تلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير. ومع ذلك، أعلن عن إغلاق هذه المصانع، مما أثار قلقًا واسعًا حول مستقبل الصناعة في البلاد. الأسباب المباشرة للإغلاق تتعلق بعدة عوامل، منها نقص المواد الخام، وارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لتدهور قيمة الجنيه المصري، بالإضافة إلى الأعباء الضريبية والبيروقراطية التي تواجهها الشركات الصناعية. إغلاق مصانع الفويل يعكس أزمة أوسع تعاني منها الصناعة المصرية، وهي ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكمات لسنوات من السياسات الاقتصادية غير الفعالة. فالقطاع الصناعي يعاني من مشكلات هيكلية تتمثل في تراجع الإنتاجية، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وضعف القدرة التنافسية في الأسواق الدولية. بيئة الاستثمار: وعود حكومية وتحديات مستمرة رغم أن الحكومة المصرية تواصل إطلاق المبادرات والتصريحات التي تتحدث عن تحسين بيئة الاستثمار، فإن هذه المبادرات لم تترجم إلى واقع ملموس على الأرض. البيئة الاستثمارية في مصر تعاني من عدة تحديات تجعل من الصعب على المستثمرين المحليين والدوليين العمل بفعالية. على سبيل المثال، بيروقراطية الإجراءات الحكومية، وتعقيد الأنظمة الضريبية، وغياب الشفافية، تشكل عقبات رئيسية أمام تحقيق نمو حقيقي في القطاع الصناعي. الإغلاق المتزايد للمصانع يعكس غياب الثقة في قدرة الحكومة على خلق بيئة استثمارية جاذبة. المستثمرون يبحثون عن الاستقرار وضمانات قانونية ومالية تدفعهم للاستثمار في مشروعات طويلة الأجل، وهو ما يبدو غائبًا في الوقت الحالي. تدهور الصناعة المصرية: الأسباب والعواقب يمكن القول إن فشل الحكومة في التعامل مع التحديات الاقتصادية الكبرى هو السبب الرئيسي وراء تدهور الصناعة المصرية. هناك عدة عوامل ساهمت في هذا الفشل: 1. ارتفاع تكاليف الإنتاج: مع انخفاض قيمة الجنيه المصري وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام، أصبحت تكاليف الإنتاج مرتفعة للغاية. هذا يؤثر سلبًا على قدرة المصانع على الاستمرار في العمل بكفاءة ويجعل منتجاتها أقل تنافسية في الأسواق المحلية والعالمية. 2. نقص الدعم الحكومي: رغم الوعود الحكومية بتقديم تسهيلات للمستثمرين، يظل الدعم الفعلي للصناعة محدودًا. المستثمرون المحليون يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع مشروعاتهم أو حتى الحفاظ على استمراريتها. 3. البيروقراطية والتعقيدات القانونية: التعقيدات القانونية والإدارية التي تواجهها الشركات تجعل عملية الاستثمار محفوفة بالمخاطر. المستثمرون يضطرون للتعامل مع مجموعة كبيرة من الإجراءات المعقدة للحصول على تراخيص العمل أو الدخول في السوق. 4. غياب السياسات الصناعية الفعالة: مصر تفتقر إلى استراتيجية صناعية متكاملة تركز على تعزيز الإنتاج المحلي، وزيادة الصادرات، وتنويع الاقتصاد. السياسات الحالية تبدو مشوشة وغير متسقة، مما يجعل من الصعب على الشركات التخطيط والاستثمار على المدى الطويل. التأثيرات السلبية على العمالة والاقتصاد إغلاق مصانع الفويل لم يؤثر فقط على المستثمرين وأصحاب المصانع، بل أيضًا على آلاف العمال الذين فقدوا وظائفهم نتيجة لهذا الإغلاق. البطالة هي إحدى الأزمات الكبرى التي تواجه الاقتصاد المصري، ومع إغلاق المصانع، تزداد أعداد العاطلين عن العمل بشكل مقلق. هذا ينعكس سلبًا على الاقتصاد بشكل عام، حيث يؤدي إلى انخفاض في الطلب المحلي ويزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الدولة. التصريحات الحكومية وتناقضها مع الواقع رغم التصريحات المتكررة من الحكومة حول ضرورة تعزيز الصناعة وزيادة الاستثمار، فإن الأوضاع على الأرض تشير إلى عكس ذلك تمامًا. إغلاق المصانع وتدهور بيئة العمل الصناعية يكشف عن وجود فجوة كبيرة بين الخطاب السياسي والواقع الفعلي. فبدلاً من تقديم حلول فعالة ودعم حقيقي للصناعة، تعتمد الحكومة على التبريرات التي تُلقي باللوم على الظروف الإقليمية والدولية، متجاهلة المشاكل الداخلية التي تحتاج إلى إصلاح عاجل. الحاجة إلى إصلاحات جذرية
لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا من خلال تبني سياسات إصلاحية جذرية تركز على معالجة المشكلات الهيكلية في الاقتصاد المصري. يجب على الحكومة أن تضع خطة شاملة لتحسين بيئة الاستثمار، تشمل تقليص البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات، وتقديم حوافز حقيقية للمستثمرين. كما يجب تعزيز دعم القطاع الصناعي من خلال خفض تكاليف الإنتاج وتوفير التمويل اللازم للشركات الصغيرة والمتوسطة. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك شفافية أكبر في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، مع تقديم بيانات دقيقة حول الأوضاع الاقتصادية والسياسات التي يتم تبنيها لمعالجتها. ختاما ؛ إغلاق مصانع الفويل في الإسكندرية وحلوان هو مؤشر واضح على الفشل في إدارة القطاع الصناعي في مصر. هذا الفشل لا يمكن تبريره فقط بالظروف الإقليمية أو العالمية، بل يعكس مشكلات داخلية تحتاج إلى حلول فورية وجذرية. التصريحات الحكومية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتبعها إجراءات حقيقية لتحسين بيئة الاستثمار ودعم الصناعة، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للاقتصاد المصري.

