تتصاعد حدة التوترات بين السودان ومصر في ظل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". وفي تطور خطير، أصدرت قوات الدعم السريع بيانًا شديد اللهجة عبر منصة "أكس" (تويتر سابقًا)، حذرت فيه الحكومة المصرية من "التمادي في التدخل السافر في الشؤون السودانية"، متهمة القاهرة بدعم الجيش السوداني عسكريًا. جاء ذلك في وقت أعلنت فيه قوات الدعم السريع فرض مقاطعة تجارية شاملة مع مصر، بما في ذلك حظر تصدير السلع السودانية إليها.

اتهامات بالتدخل العسكري
في بيانه، وجه الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع تحذيرات صريحة للحكومة المصرية، مشيرًا إلى أن تدخلاتها في الصراع السوداني تتجاوز حدود المقبول، داعيًا "الأشقاء" في المنطقة إلى التدخل للحد من هذا الدعم. وذكر البيان أن مصر، التي اتهمها بدعم الجيش السوداني بالطائرات الحربية والإمدادات العسكرية، مسؤولة عن تأجيج النزاع المستمر، وهي اتهامات نفتها بشدة وزارة الخارجية المصرية، مؤكدة أن مصر تقف على الحياد ولا تتدخل في الصراع الداخلي للسودان.

تعززت هذه الاتهامات بعد أن زعمت قوات الدعم السريع أن الطيران الحربي المصري شارك في قصف مواقع تابعة لها، بما في ذلك غارات جوية على مناطق مثل دارفور والخرطوم ومواقع أخرى في السودان. وقالت قوات الدعم السريع إن هذه العمليات أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين وأضرار جسيمة في البنية التحتية. في المقابل، نفت مصر بشكل قاطع هذه المزاعم، مشيرة إلى أن موقفها الثابت هو دعم وحدة السودان وسلامته.

قرار المقاطعة التجارية
في خطوة غير مسبوقة، أعلنت قوات الدعم السريع فرض مقاطعة تجارية شاملة مع مصر، وقررت وقف جميع الصادرات السودانية إليها. وشمل القرار حظر تصدير السلع الزراعية والحيوانية التي تمثل شريانًا اقتصاديًا مهمًا بين البلدين. تشمل هذه السلع "الفول السوداني، الصمغ العربي، الجمال، الضأن، الحبوب، القطن"، وهي منتجات غالبًا ما تأتي من مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور وكردفان، إلى جانب الصحراء التي تمر عبرها الشاحنات وقوافل الإبل المتجهة إلى مصر.

وفي إطار تنفيذ هذا القرار، ظهر القيادي بقوات الدعم السريع من منطقة النيل الأزرق، المك أبو شوتال، في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع، محذرًا التجار في المناطق التي تسيطر عليها قواته من تصدير أي سلع إلى مصر. وتوعد أبو شوتال التجار بالعقوبات الصارمة إذا خالفوا هذا القرار، مشددًا على أن "كل مواردنا يجب أن تذهب لدول الجوار ما عدا مصر". ووجه تحذيرًا مباشرًا إلى أي شاحنة متجهة إلى مصر عبر معبر "الدبة" أو غيره، معتبرًا أنها ستكون بمثابة "عدو صريح" ويجب التعامل معها على هذا الأساس.

الأبعاد الاقتصادية للقرار
يمثل هذا القرار ضربة كبيرة للعلاقات التجارية بين السودان ومصر، خاصة أن السودان يعد مصدرًا رئيسيًا للعديد من السلع التي تعتمد عليها السوق المصرية، خاصة الفول السوداني والصمغ العربي، الذي يستخدم في العديد من الصناعات الغذائية والدوائية. كما تشكل الثروة الحيوانية، خاصة الجمال والضأن، أحد المصادر الأساسية للتجارة بين البلدين، إذ تعتمد مصر بشكل كبير على الواردات السودانية لتلبية احتياجاتها من اللحوم.

وفي ظل القرار الجديد، قد تواجه مصر نقصًا حادًا في هذه السلع، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق المصرية، خصوصًا مع تعقيد الأوضاع اللوجستية وصعوبة استبدال الإمدادات السودانية بسرعة من مصادر أخرى.

تصاعد التوترات السياسية
هذا التصعيد العسكري والاقتصادي بين مصر وقوات الدعم السريع يزيد من تعقيد الأزمة السودانية المستمرة، التي دخلت مرحلة جديدة من العنف والفوضى. الحرب التي بدأت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد الملايين داخل السودان وخارجه.

التصعيد بين مصر وقوات الدعم السريع يضع مزيدًا من الضغط على الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة السودانية. فحتى الآن، لم تؤتِ محادثات السلام التي جرت في مدن مثل جدة والمنامة وجنيف أي نتائج ملموسة، وسط تبادل الاتهامات بين الأطراف المتصارعة بعرقلة التوصل إلى حلول.

دور مصر في الصراع السوداني
يعتبر السودان جارًا استراتيجيًا لمصر، وتربط البلدين علاقات تاريخية وثيقة، إلا أن الصراع الحالي يلقي بظلاله على هذه العلاقات. لطالما كانت مصر مهتمة بالحفاظ على الاستقرار في السودان، خاصة في ظل وجود نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة لكل من البلدين. ومع ذلك، تبدو الاتهامات المتبادلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني بشأن الدور المصري في الحرب عقبة كبيرة أمام إمكانية التوصل إلى تسوية.
من جانبها، أكدت مصر مرارًا أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للسودان، وأن موقفها يعتمد على دعم وحدة الأراضي السودانية واستقرارها. إلا أن قوات الدعم السريع ترى في الدعم المصري للجيش السوداني تهديدًا مباشرًا لمصالحها، ما دفعها إلى اتخاذ قرارات تصعيدية مثل المقاطعة الاقتصادية.

مستقبل العلاقات السودانية المصرية
يضع هذا التصعيد العسكري والتجاري مستقبل العلاقات السودانية المصرية في موقف حرج. فإذا استمر التوتر، قد تتفاقم الأزمات الاقتصادية في البلدين، خاصة مع اعتماد كل منهما على الآخر في مجالات متعددة. كما أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى مزيد من التشدد في المواقف السياسية، ما يزيد من صعوبة العودة إلى طاولة المفاوضات.

في ظل هذه التطورات، من المتوقع أن تتحرك الدبلوماسية الدولية والإقليمية بشكل مكثف في الفترة القادمة، بهدف احتواء الأزمة ومنع تصعيدها إلى مستوى أعلى من الصراع الإقليمي. ويظل الأمل معقودًا على التوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي هذه الحرب الدامية ويعيد الاستقرار إلى السودان، مع الحفاظ على علاقات متينة مع دول الجوار، وعلى رأسها مصر.