في إطار سياسات العسكرة والهيمنة الاقتصادية على موارد مصر، وافق مجلس الوزراء، على قرار رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بتخصيص قطعتي أرض في شمال سيناء لصالح الجيش عبر جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة". هذه الأراضي، التي تقع في منطقتي رابعة وبئر العبد، خصصت بدعوى استخدامها في مشروعات الاستصلاح الزراعي، إلا أن القرار يعكس سيطرة متزايدة للجيش على موارد الدولة، خاصة الأراضي الزراعية. الهيمنة العسكرية على الأراضي تبلغ مساحة الأرض المخصصة لصالح الجيش في هذه الصفقة أكثر من 46.7 ألف فدان في قطعة واحدة، و714.19 فدانًا في قطعة أخرى. هذا القرار ليس الأول من نوعه، إذ يواصل الجيش منذ عام 2014 الهيمنة على أراضي شمال سيناء، حيث أصبح يسيطر على أكثر من 70% من المساحة الصالحة للزراعة، وهو ما أدى إلى تهجير الآلاف من سكان المنطقة. جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، الذي تم إنشاؤه بقرار من السيسي في عام 2022، أصبح أداة لضم الأراضي الزراعية لصالح الجيش. وعلى الرغم من الإعلان عن الهدف الرسمي للجهاز وهو استصلاح مليون ونصف مليون فدان من الأراضي الصحراوية، فإن الواقع يشير إلى استخدامه لاحتكار الأراضي الزراعية والاستثمار فيها تحت غطاء مشاريع الاستصلاح الزراعي. الإقصاء الاقتصادي للقطاع الخاص في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة المصرية التزامها بتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، فإن سيطرة الجيش المتزايدة على الأراضي الزراعية والاستثمارية تشكل تحديًا كبيرًا لهذا التوجه. قرارات تخصيص الأراضي تتم بشكل مباشر لصالح الجيش، مما يمنحه ميزة تنافسية كبيرة على حساب الحكومة والمستثمرين. على سبيل المثال، استولى الجيش عبر جهاز "مستقبل مصر" على 30 ألف فدان على طريق الواحات البحرية، رغم أن هذه الأراضي كانت مملوكة لمستثمرين حصلوا على الموافقات اللازمة من هيئة الاستثمار. تحويل الجيش إلى أكبر مالك للأراضي قرار السيسي رقم 17 لسنة 2023، الذي منح الجيش السيطرة على الأراضي الصحراوية الواقعة بعمق كيلومترين على جانبي 31 طريقًا رئيسيًا، أدى إلى تحويل الجيش فعليًا إلى أكبر مالك للأراضي القابلة للتنمية في البلاد. هذه الأراضي، التي تبلغ مساحتها 14 ألفًا و784 كيلومترًا مربعًا، خصصت للجيش بدون أي منافسة أو شفافية، مما يضعف قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في تلك المناطق. علاوة على ذلك، ينص القرار على إحالة المخالفين إلى القضاء العسكري، مما يعزز من هيمنة الجيش على موارد الدولة ويخلق بيئة غير متكافئة للمستثمرين والمواطنين الذين يسعون إلى تطوير هذه الأراضي أو الاستفادة منها. أثر العسكرة على الاقتصاد الوطني تعتبر الهيمنة العسكرية على الأراضي المصرية جزءًا من مشكلة أكبر تتمثل في عسكرة الاقتصاد. الجيش، الذي يسيطر على نسبة كبيرة من موارد الدولة، لا يدفع أي ضرائب أو رسوم على منتجاته أو استثماراته، مما يحرم الدولة من جزء كبير من الإيرادات. هذا الوضع يؤدي إلى تضخم الاقتصاد العسكري الذي يعمل بدون رقابة أو محاسبة من الأجهزة الحكومية، ويضعف من قدرة الحكومة على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. مصير سكان سيناء المهجرين في ظل هذا التوسع العسكري في شمال سيناء، لا تزال الحكومة تتجاهل مطالب المهجرين من سكان المنطقة بالعودة إلى أراضيهم ومنازلهم التي أخرجوا منها في السنوات الماضية. وعلى الرغم من الوعود المتكررة بإعادة توطينهم، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، مما يزيد من حالة الغضب والاحتقان بين سكان سيناء. خلاصة قرار السيسي بتخصيص أراض جديدة لصالح الجيش يسلط الضوء على التحول المستمر نحو عسكرة الاقتصاد المصري، حيث يصبح الجيش اللاعب الأساسي في إدارة موارد البلاد. هذه السياسة لا تؤدي فقط إلى تهميش القطاع الخاص والمستثمرين المدنيين، بل تحرم الدولة من موارد مالية كبيرة كانت يمكن أن تُستخدم في تحسين الخدمات العامة ودعم الاقتصاد الوطني. في الوقت نفسه، تستمر معاناة سكان سيناء الذين يعيشون في ظل التهجير والحرمان من حقوقهم الأساسية.