مع ارتفاع أسعار الوقود عالمياً بسبب التهديدات الإسرائيلية بضرب منشآت النفط الإيرانية، تنتظر مصر رفعاً جديداً لأسعار الوقود خلال اجتماع لجنة تسعير المشتقات البترولية في أكتوبر. يتوقع خبراء الاقتصاد أن حكومة الانقلاب ستستجيب لهذه الضغوط برفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و15%. تأتي هذه الزيادة وسط أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، مما يعزز فكرة أن الحكومة المصرية لا تجد حلاً لمشكلات الاقتصاد سوى في إثقال كاهل المواطنين بزيادات جديدة.

خضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي
منذ سنوات، تتبع مصر سياسات اقتصادية تعتمد بشكل كبير على الاقتراض من المؤسسات الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطاً قاسية على الحكومة، منها رفع الدعم عن الوقود بحلول عام 2025. هذه الشروط هي ما يدفع الحكومة إلى تبني زيادات دورية في أسعار الوقود، في إطار خطتها لإلغاء الدعم الكامل عن الطاقة.

السياسات الاقتصادية الحالية تعكس عدم قدرة النظام على اتخاذ إجراءات جادة لتخفيف الأعباء عن المواطنين. فبدلاً من البحث عن حلول طويلة الأمد لرفع مستوى المعيشة وتقليل معدلات الفقر، تواصل حكومة الانقلاب تنفيذ إملاءات صندوق النقد التي تهدف فقط إلى ضمان تدفق القروض دون اعتبار لتأثيراتها السلبية على المواطنين.

موجة غلاء جديدة في الأفق
من المتوقع أن تتسبب هذه الزيادة المرتقبة في ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل عام، مما يزيد من معاناة الشعب المصري. يعيش أكثر من 70 مليون مصري تحت خط الفقر وفقًا لتقارير البنك الدولي، وزيادة أسعار الوقود ستؤدي إلى رفع تكاليف النقل والإنتاج، وبالتالي زيادة الأسعار في الأسواق المحلية.

معدلات التضخم في مصر تصل حالياً إلى حوالي 26%، وفقاً للإحصاءات الرسمية، ومن المرجح أن ترتفع بشكل أكبر بعد هذه الزيادة الجديدة في أسعار الوقود. هذه السياسات الاقتصادية الفاشلة تقف حائلاً أمام أي جهود لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، بل تدفع المزيد من العائلات إلى السقوط في فخ الفقر المدقع.

لجنة التسعير التلقائي: وسيلة لتمرير القرارات
تم تشكيل لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية بموجب قرار مجلس وزراء الانقلاب رقم 2764 لعام 2018، وهي تتولى مسؤولية مراجعة أسعار الوقود كل ثلاثة أشهر، بزعم تحقيق التوازن بين الأسعار المحلية والتغيرات العالمية. ومع كل اجتماع لهذه اللجنة، تتزايد الشكوك حول نزاهة العملية، حيث يبدو أن الهدف الأساسي ليس تحقيق التوازن، بل تمرير زيادات جديدة دون أي اعتبار للضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون.

اللجنة تعتمد على مجموعة من المعايير المزعومة مثل أسعار النفط العالمية وسعر صرف الجنيه والطلب المحلي. ومع أن هذه المعايير تبدو منطقية على السطح، إلا أن التنفيذ الفعلي ينطوي على تحميل المواطن البسيط تكلفة أي تقلبات خارجية، بينما تعجز الحكومة عن توفير أي دعم حقيقي لحماية الفئات الفقيرة والمتوسطة.

صندوق النقد الدولي: الدافع الرئيسي وراء السياسات القاسية
من الواضح أن سياسات حكومة الانقلاب تخضع بالكامل لشروط صندوق النقد الدولي. فبعد كل مراجعة للبرنامج الاقتصادي المتفق عليه مع الصندوق، نجد أن الحكومة تتجه نحو المزيد من التخلي عن الدعم وفرض الضرائب ورفع الأسعار. المراجعة الرابعة للبرنامج، التي كان من المقرر إجراؤها في أكتوبر الجاري، قد تم تأجيلها، لكن الشروط الصارمة تظل قائمة، وتشمل تحرير سعر الجنيه المصري، وتنفيذ صفقتين كبيرتين لتمكين القطاع الخاص، بالإضافة إلى رفع الدعم عن الوقود.

مصر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ولكن بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة، مثل الفساد المستشري وسوء الإدارة، تفضل الحكومة اللجوء إلى الحلول السهلة والمكلفة اجتماعياً. وهذه الحلول، مثل رفع أسعار الوقود، لن تؤدي سوى إلى زيادة الأعباء على كاهل المواطنين، في وقت يزداد فيه الفقر وتتراجع فرص العمل.

استمرار سياسات التقشف
تستمر الحكومة في تجاهل الأصوات المعارضة التي تحذر من مخاطر هذه السياسات. فالزيادات المتتالية في أسعار الوقود تمثل جزءاً من سياسة التقشف التي تعتمدها حكومة السيسي، والتي تؤدي إلى تآكل الطبقة الوسطى وزيادة الفقر. وحتى مع ارتفاع الأسعار العالمية، فإن الحكومة تبدو عازمة على مواصلة هذه السياسات دون النظر إلى تأثيرها على الاقتصاد المحلي أو على مستوى المعيشة.
ومع اقتراب العام 2025، الذي من المقرر أن يتم فيه إلغاء الدعم الكامل عن الوقود، فإن المصريين يواجهون مستقبلاً غامضاً، حيث ستصبح حياتهم أكثر صعوبة في ظل ارتفاع أسعار الوقود وما ينتج عنه من زيادات في تكاليف المعيشة. 

ختاما ؛ قرار حكومة الانقلاب برفع أسعار الوقود مجدداً يعكس فشلها في إدارة الاقتصاد واعتمادها المستمر على القروض الأجنبية وشروط صندوق النقد الدولي. هذه السياسات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين، خاصة الفئات الأكثر فقراً. ومع استمرار ارتفاع معدلات التضخم والغلاء، يبدو أن الحكومة لا تملك حلولاً حقيقية للأزمات الاقتصادية، بل تواصل تطبيق سياسات تزيد من معاناة المصريين وتجعل من مستقبلهم أكثر قتامة.