تتوالى الأزمات المحيطة بالدولة المصرية من كل جانب، مما يزيد المخاوف حول مصير أكثر من 106 ملايين مواطن في ظل تدهور الوضع الإقليمي. من الشرق، تواصل إسرائيل حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ولبنان، التي دخلت عامها الثاني، بينما يشهد الجنوب السوداني مواجهات عسكرية متفاقمة مع قرب إتمام العام والنصف منذ اندلاع الحرب. على الجانب الآخر، يتصاعد التوتر حول أزمة مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، إضافة إلى الصراع المتنامي في القرن الأفريقي وتهديدات أمنية حول البحر الأحمر. في خطوة تعكس حالة القلق التي تسيطر على النظام المصري، قام رئيس النظام عبدالفتاح السيسي بزيارة إلى إريتريا المطلة على البحر الأحمر والمتاخمة للسودان وإثيوبيا، في محاولة لتعزيز علاقات التحالف مع قادة المنطقة. القمة الثلاثية التي جمعته مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والتي سبقها تحرك أمني ودبلوماسي قاده رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل ووزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، تعكس توجها مصريا نحو إعادة ترتيب أوراق المنطقة. تحركات مصرية في القرن الأفريقي: خطوة متأخرة؟ خلال القمة، شدد السيسي على أهمية التعاون الثلاثي في مواجهة التحديات المشتركة، وخاصة في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وأكدت الأطراف المشاركة في القمة على أهمية التنسيق الأمني والدعم المشترك للصومال في مواجهة التهديدات الإقليمية، مما يشير إلى تحرك مصري متأخر لكبح النفوذ الإثيوبي المتنامي في المنطقة. تعتبر إثيوبيا اليوم واحدة من القوى البارزة في القرن الأفريقي، حيث سعت إلى تعزيز نفوذها من خلال نشر قواتها في الصومال تحت راية الاتحاد الأفريقي، وتوسيع نفوذها إلى البحر الأحمر في خطوة تعارضها مقديشو وتراقبها القاهرة بحذر. استكمال بناء سد النهضة زاد من الضغوط على مصر، التي ترى في تمدد النفوذ الإثيوبي تهديدا وجوديا لمستقبلها المائي. محللون يرون أن هذه التحركات المصرية تجاه إريتريا والصومال، ورغم أهميتها الاستراتيجية، جاءت متأخرة للغاية. ففي ظل سيطرة إثيوبيا على مفاتيح التحكم بمياه النيل، تخشى القاهرة أن يكون المجال أمامها ضيقاً للتأثير الفعلي على ملف المياه. وقد تكون هذه التحركات محاولة للضغط على أديس أبابا في ملفات أخرى، لكنها تظل غير كافية لحل أزمة مياه النيل بشكل جذري. السيسي وحرب السودان: اتهامات ومخاوف جديدة في الوقت ذاته، تتزايد الاتهامات الموجهة لمصر بالتدخل في النزاع السوداني. قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) اتهم مصر بالمشاركة المباشرة في المعارك، مشيراً إلى استخدام طائرات مصرية في قصف قواته. ورغم نفي مصر لهذه الاتهامات، إلا أن الشكوك تظل قائمة حول الدور المصري في الحرب السودانية، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين القاهرة وقوات الدعم السريع المدعومة إماراتياً. النظام المصري حاول تصوير تدخله في السودان على أنه جزء من جهود إنسانية لوقف الحرب وحماية المدنيين، لكن هذه التبريرات لم تقنع الكثيرين. في هذا السياق، يرى بعض المحللين أن مصر تأخرت في دعم الجيش السوداني الذي كان يمكن أن يكون حليفاً استراتيجياً لمصر في حال تطورت الأمور نحو مواجهة عسكرية حول سد النهضة. تصريحات إسرائيلية تثير الغضب: هل تعرض الجيش المصري للإهانة؟ في تصعيد آخر، جاءت تصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس يدلين لتشعل غضب المصريين، حيث زعم أن إسرائيل هي من تتحكم بوجود الجيش المصري في سيناء وتمنع تحركاته خارج الحدود المحددة في اتفاقيات كامب ديفيد. هذه التصريحات، التي وصفها مراقبون بالإهانة الصريحة للجيش المصري، جاءت في وقت تتعرض فيه مصر لانتقادات حادة بسبب دورها المتراجع في دعم غزة والملف الفلسطيني بشكل عام. يبدو أن تصريحات يدلين جاءت في إطار محاولة لتعزيز الروح المعنوية لدى جنوده في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة، لكنها في الوقت ذاته أثارت تساؤلات حول قدرة النظام المصري الحالي على الحفاظ على سيادة الدولة المصرية والتصدي لمحاولات تقليص دورها الإقليمي. المخاطر على الأمن القومي المصري تتصاعد في ضوء هذه الأزمات المتعددة، تتزايد المخاوف بشأن قدرة النظام المصري على التعامل مع التهديدات المتزايدة المحيطة بالبلاد. ما بين تمدد النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي، واندلاع المواجهات المسلحة على حدود السودان، إلى جانب التدخلات الإسرائيلية في سيناء وغزة، تبدو مصر اليوم محاصرة بتهديدات مباشرة لأمنها القومي. البعض يرى أن النظام المصري الحالي، الذي يواجه أزمات اقتصادية داخلية غير مسبوقة ويعتمد على قروض دولية للحفاظ على استقراره، غير قادر على خوض أي مواجهات عسكرية حقيقية في المستقبل القريب. بل أن هذه التحركات الدبلوماسية والعسكرية تبدو أقرب إلى محاولات تكتيكية لتعزيز موقف النظام داخلياً، دون أن تكون جزءاً من استراتيجية بعيدة المدى لمواجهة هذه التحديات.
هل يتجاوز النظام المصري هذه الأزمات؟ في النهاية، تتطلب هذه الأزمات المتفاقمة حلولاً جذرية تتجاوز التحركات الدبلوماسية والعسكرية التقليدية. ما لم تتخذ القاهرة خطوات حقيقية لمعالجة هذه التحديات، قد تجد مصر نفسها في موقف لا يحسد عليه وسط صراعات إقليمية تهدد بقاء الدولة المصرية على المدى الطويل

