في مشهد يعكس تناقضات السياسة المصرية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، قام النائب العام المصري بحفظ الطلب الذي تقدمت به لجنة المحامين المصريين للدفاع عن فلسطين، والهادف إلى إدراج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجيشه على قوائم الإرهاب في مصر. القرار المفاجئ والمثير للجدل جاء بعد مرور عام على عملية "طوفان الأقصى"، التي استهدفت الاحتلال وأثارت تعاطفًا واسعًا في الشارع العربي، لكنه قوبل برفض قاطع من السلطات المصرية. تفاصيل الطلب وقرار الحفظ السريع في السابع من أكتوبر الجاري، تقدمت مجموعة من المحامين والصحفيين، من بينهم شخصيات حقوقية معروفة، بطلب رسمي إلى النائب العام المصري لإدراج نتنياهو وجيشه ضمن قوائم الإرهاب في مصر، مستندين إلى الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين. هذا الطلب، الذي وقع عليه 13 شخصية حقوقية وصحفية، جاء بمناسبة مرور عام على عملية "طوفان الأقصى"، وهو يعكس الغضب المتزايد تجاه استمرار الجرائم الإسرائيلية. لكن الغريب في الأمر أن النائب العام قرر حفظ هذا الطلب في أقل من 48 ساعة، وهو تصرف غير مسبوق مقارنة بالآلاف من الطلبات الأخرى التي تظل مكدسة في مكاتب النيابة العامة دون أي رد فعل سريع. هذا التسارع في حفظ الطلب أثار موجة من الانتقادات ضد السلطات، وفتح باب التساؤلات حول دوافعه. انتقادات واتهامات بعدم الشفافية اللجنة التي تقدمت بالطلب أصدرت بيانًا شديد اللهجة، أشارت فيه إلى أن قرار حفظ الطلب بهذه السرعة يثير الشكوك حول مدى التزام السلطات بمعايير العدالة والشفافية. وقالت اللجنة: "من المدهش أن النائب العام يتجاهل طلبًا بهذا الحجم ويتحرك بسرعة غير مسبوقة لحفظه، بينما تتراكم آلاف الطلبات الأخرى المتعلقة بحياة المواطنين المصريين دون أن يتم النظر فيها". وأبرزت اللجنة أن هذا القرار يعكس تساهلًا خطيرًا مع من وصفتهم بـ"مجرمي الحرب" في إسرائيل، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون في غزة ولبنان من حرب إبادة مدمرة. وأكدت اللجنة أن السلطات المصرية كانت سريعة في إدراج آلاف المصريين على قوائم الإرهاب دون تحقيقات عادلة أو أدلة ملموسة، بينما تجاهلت طلب إدراج شخصيات متورطة في جرائم حرب موثقة دوليًا. اللجوء إلى القضاء والتصعيد القانوني في خطوة تعكس الإصرار على متابعة القضية، أعلنت لجنة المحامين أنها ستتوجه إلى مجلس الدولة للطعن على قرار النائب العام، وأكدت عزمها على رفع دعوى ضد وزير الخارجية ووزير العدل لامتناعهما عن التفاعل مع هذا الطلب. واعتبرت اللجنة أن رفض الإدراج يتناقض مع القانون المصري لمكافحة الإرهاب رقم 8 لسنة 2015، الذي ينص على إدراج الكيانات والأفراد المرتبطين بالإرهاب على القوائم الوطنية. كما دعت اللجنة الشعب المصري إلى الاستمرار في إرسال برقيات وطلبات إلى الجهات الرسمية، بما في ذلك وزارة الخارجية ومجلس الوزراء، مطالبة بإدراج نتنياهو وحكومة الاحتلال الإسرائيلي على قوائم الإرهاب. وشددت اللجنة على أن هذا التحرك ليس مجرد خطوة قانونية، بل هو تعبير عن موقف الشعب المصري الرافض للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ردود الفعل الشعبية والموقف الرسمي في سياق التحركات الشعبية، يبدو أن القرار قد أثار غضب قطاعات واسعة من الشعب المصري، خصوصًا مع تزايد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة وجنوب لبنان. ورغم هذا التعاطف الشعبي الواضح، فإن موقف الحكومة المصرية يظل متحفظًا ومتسقًا مع سياستها الخارجية الحذرة تجاه إسرائيل. منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، اتبعت مصر سياسة هادئة مع إسرائيل، ورفض إدراج نتنياهو على قوائم الإرهاب يعكس توازنات معقدة تحكم العلاقات الثنائية بين البلدين. ورغم الانتقادات، يبدو أن الحكومة المصرية تفضل تجنب أي تصعيد دبلوماسي قد يؤثر على مصالحها الإقليمية والدولية. يبقى السؤال المطروح هنا: هل قرار النائب العام يعكس سياسة مصرية مستمرة تهدف إلى حماية العلاقات مع إسرائيل، أم أنه يأتي استجابة لضغوط خارجية؟ يبدو أن الحكومة المصرية تتعامل بحذر مع أي خطوة قد تؤدي إلى توتر في علاقاتها مع تل أبيب، حتى لو كان ذلك على حساب مشاعر الغضب الشعبي المتزايد في الداخل. في ظل هذا الواقع، يظل رفض إدراج نتنياهو على قوائم الإرهاب قضية مفتوحة للنقاش، قد تعيد تسليط الضوء على العلاقات المصرية الإسرائيلية، وتثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار المصري في قضايا تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني.

