في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة والتوترات المتصاعدة، يجد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي نفسه في موقف حرج. بينما تُجري القوات المسلحة المصرية ما يُعرف بـ"تفتيش الحرب"، وهو تدريب دوري يُظهر جاهزية الوحدات العسكرية، تبقى التساؤلات حول مدى قدرة النظام المصري على خوض حرب حقيقية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعيشها البلاد. فهل يستطيع السيسي أن يدخل حربًا؟ وهل يمكن لمصر، المثقلة بالديون والمعتمدة بشكل متزايد على الدعم الخارجي، أن تتحمل تبعات مثل هذه الخطوة؟

تفتيش الحرب: رسائل داخلية وخارجية
تفتيش الحرب هو إجراء عسكري دوري تُظهر من خلاله القوات المصرية استعدادها للدفاع عن الحدود والمشاركة في العمليات العسكرية إذا لزم الأمر. يشمل هذا التفتيش اختبارات على مستوى الكفاءة القتالية للوحدات وتقييم مستوى الجهوزية على مختلف الأصعدة. ورغم أن هذه التدريبات تُظهر صورة عن القدرات العسكرية، إلا أنها تأتي في وقت يزداد فيه الضغط على النظام المصري من عدة اتجاهات، سواء داخلية أو خارجية.
بحسب الباحث في الشؤون الدولية أحمد سلطان، يُظهر اختيار الفرقة السادسة، المسؤولة عن حماية المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، رسالة واضحة لإسرائيل والسودان بأن مصر على استعداد لحماية مصالحها. وتؤكد الحكومة المصرية أن جيشها جاهز للدفاع عن الحدود ومواجهة أي تهديدات، خاصة في ظل التوترات المستمرة في غزة وسيناء.

عبء الديون وتقييد القرار العسكري
لكن خلف هذه الصورة العسكرية القوية، يقف سؤال أكبر: كيف يمكن لمصر خوض حرب وهي غارقة في الديون؟ في السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات الاستدانة المصرية بشكل غير مسبوق، ما جعل البلاد تعتمد على قروض من صندوق النقد الدولي ودعم مالي من دول مثل السعودية والإمارات. هذا الواقع يضع قيودًا كبيرة على القرار المصري، حيث أصبحت القاهرة مدينة بأشكال متعددة للقوى الإقليمية والدولية، ما يؤثر على حريتها في اتخاذ قرارات سيادية، خصوصًا فيما يتعلق بالدخول في صراعات عسكرية.

يرى محللون سياسيون أن السيسي رغم استعداداته العسكرية الظاهرة، يتجنب بشكل كبير التورط في أي مواجهة مباشرة، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه البلاد. يشير المحلل السياسي هاني سلمان إلى أن "الحرب هي الاستثناء بالنسبة للسيسي، بينما السلام والتنمية هما الأساس." هذا التصريح يتماشى مع رؤية النظام التي تقوم على بناء تحالفات اقتصادية والحفاظ على استقرار داخلي، ولكن هذا الاستقرار هش للغاية نتيجة الاعتماد المتزايد على الديون الخارجية.

الديون وتأثيرها على العلاقات الإقليمية
إن الديون التي تراكمت على مصر في عهد السيسي لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل أثرت أيضًا على سياساتها الخارجية. التحالفات التي قامت بها القاهرة مع دول الخليج كانت مرتبطة بتقديم دعم مالي في مقابل تقديم تسهيلات أو اتخاذ مواقف سياسية معينة. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الصعب على النظام المصري اتخاذ قرار بالدخول في صراع عسكري طويل الأمد، خاصة إذا كان يتطلب تمويلًا كبيرًا واستمرارية لوجستية لا تستطيع الدولة المصرية تحملها.

على سبيل المثال، رغم الدعم المالي الكبير الذي تقدمه الإمارات والسعودية لمصر، فإن أي تورط في صراع إقليمي قد يجعل هذه الدول تعيد التفكير في دعمها، خاصة في ظل الوضع غير المستقر في المنطقة. في هذا السياق، فإن التفتيش الحربي الأخير جاء كنوع من إظهار القوة ولكنه يفتقر إلى مضمون حقيقي يثبت أن مصر قادرة على خوض حرب طويلة الأمد.

تهديدات إقليمية وتحديات داخلية
بالإضافة إلى عبء الديون، تواجه مصر تحديات إقليمية متعددة. التوتر مع إسرائيل في قطاع غزة، والتهديدات المستمرة من تنظيمات إرهابية في سيناء، والصراع المسلح في السودان، كلها ملفات تضع ضغوطًا على الجيش المصري. وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية الحفاظ على التوازن في هذه الملفات، تظل الأولوية هي تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

يقول المحلل السياسي أحمد سلطان إن رسائل تفتيش الحرب كانت واضحة؛ مصر تريد أن تؤكد لإسرائيل أنها لن تقبل بأي تغيير في توازن القوى في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمحاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. كما تحاول القاهرة إرسال رسالة للسودان بأنها لا ترغب في التدخل في شؤونها، ولكنها جاهزة لحماية حدودها.

هل يستطيع السيسي دخول حرب؟
السؤال الأكبر يبقى: هل يستطيع السيسي خوض حرب؟ الإجابة الأقرب للواقع هي أنه لا يستطيع. فمع كل التجهيزات العسكرية التي تستعرضها مصر، تظل القيود الاقتصادية هي العامل الحاسم في اتخاذ مثل هذا القرار. البلاد غارقة في الديون، والاقتصاد يعاني من تضخم كبير وارتفاع في معدلات الفقر. أي صراع عسكري جديد قد يزيد من معاناة الشعب ويعزز من حالة عدم الاستقرار.
وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن السيسي يدرك أن الدخول في حرب سيعني التخلي عن المكاسب الاقتصادية الهشة التي حاول بناءها عبر سنوات من التحالفات الخارجية. في النهاية، فإن مصر تجد نفسها بين فكي كماشة: الحاجة للحفاظ على استقرار داخلي متصدع، وبين التحديات الخارجية التي تتطلب موقفًا قويًا، ولكن في ظل عبء الديون الكبير، يبدو أن الخيار العسكري سيبقى آخر ما يلجأ إليه النظام.

ختاما ؛ في ظل كل هذه المعطيات، يمكن القول إن السيسي يخشى خوض حرب، ليس بسبب ضعف الجيش المصري أو نقص التجهيزات، ولكن بسبب الواقع الاقتصادي والسياسي الذي جعله مقيدًا بقرارات وتوجهات القوى الخارجية.