منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، شهدت مصر عدداً من الفعاليات الشعبية والاحتجاجات الداعمة لفلسطين. تظاهرات تضامنية نظمتها الجامعات، النقابات، والمساجد، فضلاً عن دعوات عفوية من الشارع المصري. ولكن، مع تصاعد القمع الأمني من قبل الدولة المصرية، تقلصت هذه الفعاليات تدريجياً، ما أثار تساؤلات حول مدى تأثير هذا القمع على قدرة الشعب المصري في التعبير عن تضامنه مع غزة.

الاحتجاجات الأولى: تحرك شعبي عفوي
في بداية الحرب، شهدت مصر مظاهرات كبيرة في العديد من المدن والمحافظات. أبرز هذه الاحتجاجات كانت في القاهرة والإسكندرية، حيث نظم طلاب الجامعات وفعاليات شعبية تظاهرات رفعوا فيها أعلام فلسطين ورددوا شعارات مناهضة للاحتلال الإسرائيلي. في الأزهر، شهد الجامع العديد من المسيرات التي أعربت عن دعمها الكامل للقضية الفلسطينية، مطالبين بوقف العدوان على قطاع غزة.

إحدى التظاهرات الأكثر تأثيراً كانت تلك التي خرجت من جامعة الأزهر باتجاه ميدان التحرير، والتي انتهت بإحراق العلم الإسرائيلي وصور لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما شهدت نقابة الصحافيين فعاليات تضامنية مع غزة، كان من بينها إفطار رمضاني رمزي على الماء والخبز كتعاطف مع معاناة الفلسطينيين تحت الحصار.

تصاعد القبضة الأمنية: تكميم الأفواه وكسر الاحتجاجات
مع تصاعد العنف الإسرائيلي في غزة، كان من المتوقع أن تزداد الفعاليات التضامنية في مصر، لكن ما حدث هو العكس تماماً. بدأت قوات الأمن المصرية بتشديد القيود على أي محاولة للتظاهر أو الاحتجاج. تم منع التظاهرات أمام الجامع الأزهر وأماكن أخرى، وتم اعتقال عدد من المتظاهرين والنشطاء الذين حاولوا تنظيم فعاليات جديدة.

وعلى الرغم من تنظيم مظاهرات في إطار قانوني تحت إشراف الأمن، إلا أن تلك الفعاليات انتهت في أوقات محددة وتحت رقابة مشددة، ما أظهر أن الدولة لا ترغب في السماح للمظاهرات بأن تخرج عن السيطرة وتتحول إلى تحدٍ سياسي للنظام الحاكم.

القمع المنظم: رسالة السلطة إلى الخارج
يرى بعض المراقبين أن السماح بتظاهرات محدودة في البداية كان بهدف إرسال رسالة سياسية إلى الخارج مفادها أن مصر تقف إلى جانب الفلسطينيين، ولكن هذا الدعم كان مدروساً ومحدوداً. السلطة المصرية كانت تدرك جيداً أن السماح بتظاهرات حرة قد يفتح الباب أمام تحول هذه الفعاليات إلى احتجاجات سياسية أوسع تستهدف النظام نفسه، خاصة مع تراكم الغضب الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع الأسعار.

عمرو هاشم ربيع، المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية، يرى أن قمع التظاهرات لم يكن لأن الشعب توقف عن التضامن مع غزة، بل لأن السلطة المصرية لا تريد سماع أي صوت معارض في الشارع. "لو لم يكن هناك تكميم للأفواه، لكانت هذه الفعاليات تعبر عن رفض الشعب للتطبيع مع إسرائيل وتواجد السفير الإسرائيلي في مصر"، أضاف ربيع.

تراجع التضامن الشعبي: تأثير الإعلام والسياسات الأمنية
القبضة الأمنية ليست العامل الوحيد الذي أسهم في تراجع الفعاليات الداعمة لغزة، بل لعب الإعلام المصري دوراً كبيراً في التأثير على الرأي العام. وسائل الإعلام الموالية للنظام بدأت في مهاجمة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وربطت بين حماس وهجمات إرهابية استهدفت الجنود المصريين في سيناء، مما أدى إلى تراجع التضامن الشعبي مع الفلسطينيين في غزة.

الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، يرى أن القضية الفلسطينية لم تعد تحتل نفس الأولوية لدى الشعوب العربية كما كانت في السابق. "الشعارات القومية العربية والإسلامية تراجعت في المنطقة منذ السبعينيات، وأصبح لكل دولة أولوياتها الخاصة"، يقول صادق. ويرى أن المصريين، رغم تعاطفهم الإعلامي مع غزة، فقدوا الحماسة للمشاركة في تظاهرات، خاصة مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.

صوت الشعب المكبوت
في ظل تزايد القمع الأمني وتراجع المساحة المتاحة للتعبير الشعبي عن الرأي، يبدو أن التضامن مع غزة أصبح مقيداً ومحدوداً في مصر. القمع الأمني نجح في كسر العديد من الاحتجاجات والفعاليات التي كانت تعبر عن رفض الشعب للعدوان الإسرائيلي، مما جعل قضية فلسطين تفقد بعضاً من زخمها في الشارع المصري.

ومع استمرار الاعتقالات والملاحقات الأمنية، يظل التساؤل قائماً حول متى ستعود الحرية للشعب المصري للتعبير عن تضامنه الكامل مع القضية الفلسطينية، بعيداً عن القمع وتكميم الأفواه.