في خطوة تعكس استمرار سياسة بيع أصول الدولة تحت إدارة نظام عبد الفتاح السيسي، كشفت مصادر حكومية مصرية عن اجتماع مرتقب خلال الأيام القادمة بين رئيس وزراء الانقلاب، ووزير الكهرباء، ومسؤولي صندوق مصر السيادي لمتابعة مفاوضات صفقة بيع محطتي طاقة الرياح في جبل الزيت والزعفرانة. هذه الصفقة تأتي كجزء من مخطط حكومي أوسع يتضمن طرح عدد من مؤسسات الدولة الحيوية للاستثمار الخارجي، وهو ما يثير جدلاً واسعاً حول توجهات الحكومة في التعامل مع الأصول الوطنية. تفاصيل الصفقة والتفاوضات الجارية وفقًا للمصادر، تتقدم المفاوضات بشأن محطة طاقة الرياح في جبل الزيت بشكل ملحوظ، ومن المتوقع إتمام الصفقة قبل نهاية العام الجاري. تتركز المفاوضات الحالية على زيادة القيمة المعروضة من الشركة المستحوذة، لضمان تحقيق الحكومة المصرية لأقصى عائد مالي من الصفقة. وتشير المصادر إلى أن الشركة التي ستستحوذ على المحطة ستقوم بضخ استثمارات إضافية لتجديد المحطة، وتمديد عمرها الافتراضي لعشر سنوات أخرى، وذلك لتأمين إنتاج الطاقة اللازمة للدولة. وفيما يتعلق بالشروط المالية، ستتلقى مصر دفعة مقدمة من الشركة المستثمرة، إلى جانب نسبة سنوية من إيرادات المحطة مقابل منح الشركة حق الانتفاع بالأرض التي تُقام عليها. ومن اللافت أن هذه الصفقة تشمل محطة طاقة رياح يعود إنشاؤها إلى أكثر من عشر سنوات، حيث أُنجز جزء كبير من عمرها الافتراضي، مما يقلل من قيمة التكلفة الاستثمارية الأولية. بيع أصول استراتيجية تحت ذريعة الإصلاح الاقتصادي صفقة بيع محطات الرياح لا تعتبر الأولى من نوعها في إطار برنامج الطروحات الحكومية الذي تتبناه السلطة الحالية. يُعد مشروع جبل الزيت لطاقة الرياح، الذي تصل قدرته إلى 580 ميغاواط، من المشروعات الاستراتيجية في قطاع الطاقة المتجددة. يضم المشروع ثلاث محطات رئيسية: "جبل الزيت 1" بقدرة 240 ميغاواط، و"جبل الزيت 2" بقدرة 220 ميغاواط، و"جبل الزيت 3" بقدرة 120 ميغاواط، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع الحكومة الإسبانية. وفي هذا السياق، تتفاوض الحكومة مع شركة "أكتيس" البريطانية، التي قدمت العرض الأفضل من الناحية المالية والفنية للاستحواذ على محطة جبل الزيت. ورغم أن هذه المفاوضات تسير باتجاه التوقيع النهائي، إلا أنها تأتي في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لهذه الصفقات، التي ترى أنها تأتي على حساب المصالح الوطنية. أما بالنسبة لمحطة الزعفرانة، فقد تم تقسيمها إلى عدة أقسام وفقاً لمراحل إنشائها البالغة ثماني مراحل، ولا تزال المشاورات مستمرة مع عدد من المستثمرين المهتمين بالاستحواذ عليها. يشير ذلك إلى أن هذه المحطة أيضًا مرشحة لتكون جزءًا من سلسلة الأصول الوطنية التي يتم بيعها أو خصخصتها، ضمن سياسة أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل الاستقلال الاقتصادي لمصر. مخاوف المعارضة من بيع الأصول الحيوية يأتي هذا البيع في وقت تشهد فيه مصر أزمة اقتصادية متفاقمة، تتزامن مع محاولات الحكومة لتخفيف عبء الدين العام وعجز الموازنة عبر بيع أصول استراتيجية تحت ذريعة "جذب الاستثمارات الأجنبية". غير أن هذه السياسات تواجه انتقادات حادة من قبل المعارضة السياسية، التي تعتبر أن الحكومة تفرط في أصول البلاد دون تحقيق عائد اقتصادي حقيقي طويل الأمد، بل تُعرض الاقتصاد الوطني لمزيد من التبعية للخارج. تتجسد مخاوف المعارضة في أن بيع محطات الطاقة المتجددة يُعتبر تخليًا عن مشاريع كان من الممكن أن تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة لمصر. كما أن الشروط التي يتم التفاوض عليها، مثل منح حق الانتفاع بالأراضي للشركات الأجنبية لفترات طويلة، تزيد من المخاوف بشأن السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية. السياسة الحكومية وأهدافها من وجهة نظر الحكومة، تهدف هذه الطروحات إلى تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية المتعثرة من خلال إدخال مستثمرين استراتيجيين يُمكنهم تحسين الأداء وزيادة العوائد. ووفقًا للتصريحات الرسمية، يُعتبر بيع محطات الرياح خطوة نحو تنمية قطاع الطاقة المتجددة في مصر، في وقت يشهد فيه العالم تحولاً كبيرًا نحو مصادر الطاقة النظيفة. لكن على الرغم من هذه التبريرات، يظل السؤال الأساسي هو: هل سيحقق المصريون فائدة حقيقية من هذه الصفقات؟ أم أن العائدات المالية قصيرة الأجل ستُفقد الدولة سيطرتها على مصادر حيوية مثل الطاقة؟ في ظل غياب الشفافية في إدارة هذه الصفقات، تزداد المخاوف من أن تكون هذه الطروحات مجرد وسيلة لسد فجوة مالية على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
ختاما ؛ يبقى بيع أصول الدولة مثل محطات طاقة الرياح في جبل الزيت والزعفرانة جزءًا من سياسة اقتصادية مثيرة للجدل يقودها نظام السيسي. وبينما تدعي الحكومة أن هذه الصفقات تهدف إلى تحسين الاقتصاد وتخفيف الديون، تظل المعارضة ترى فيها تهديدًا لسيادة البلاد ومصالح الشعب. في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية على المواطنين، يبدو أن بيع أصول الدولة لن يكون الحل الأمثل لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.

