تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي توسيع أعمالها العسكرية والإنشائية على طول محور صلاح الدين (المعروف إسرائيليًا بمحور "فيلادلفي") الذي يقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر، حيث يربط ساحل البحر الأبيض المتوسط بمعبر كرم أبو سالم. تأتي هذه الإجراءات في إطار الاستعدادات الأمنية الإسرائيلية التي تستهدف تعزيز السيطرة العسكرية والاستخباراتية على هذا المحور الحساس، وسط تصاعد التوترات في المنطقة. البنية التحتية الإسرائيلية على المحور وفقًا لما نقلته مصادر قبلية في مدينة رفح المصرية لـ"العربي الجديد"، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتركيب أعمدة إنارة ضخمة على طول محور صلاح الدين، بالإضافة إلى نصب كاميرات مراقبة متطورة لمتابعة الوضع الأمني بشكل دائم. كما تم إنشاء أبراج عسكرية جديدة في عدة مناطق من المحور بهدف تعزيز المراقبة العسكرية ومنع تسلل الأنفاق من قطاع غزة إلى مصر. وفي الوقت نفسه، أشارت المصادر إلى أن الجيش المصري قد قام بإصلاحات ضرورية في المنطقة الحدودية، بعدما تأثرت بالبنية التحتية المتضررة جراء تفجير الأنفاق المهجورة القريبة من الحدود. يُذكر أن الجيش الإسرائيلي يواصل حملته الواسعة لتدمير الأنفاق التي كانت تستخدم سابقًا لتهريب البضائع والأشخاص بين غزة ومصر. تفاقم الأزمة الإنسانية على الرغم من هذه الإجراءات الأمنية، فإن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مستمرة في التدهور. معبر كرم أبو سالم، الذي يُعد المنفذ الوحيد المتبقي لدخول الإمدادات إلى غزة بعد إغلاق معبر رفح البري، يعمل بشكل محدود للغاية، حيث لا يتم تشغيله إلا ليوم أو يومين في الأسبوع. خلال هذه الفترة القصيرة، تدخل فقط بين 15 و50 شاحنة محملة بالبضائع والمساعدات الإنسانية، مما يفاقم الأوضاع المعيشية للسكان المحاصرين. مصادر مطلعة أكدت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أعادت، في الأسبوع الماضي، 35 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية القادمة من منظمات دولية مثل "يونيسف" و"منظمة الصحة العالمية" و"أونروا"، دون السماح بتفريغ حمولاتها. هذا القرار جاء بسبب العراقيل التي تفرضها إسرائيل على إدخال المساعدات، وهو ما يزيد من معاناة أكثر من مليوني شخص يعيشون تحت الحصار في غزة. علاوة على ذلك، تم إغلاق معبر كرم أبو سالم تمامًا خلال الأيام الماضية دون أي توضيح من الجانب الإسرائيلي. مباحثات حول ترتيبات اليوم التالي للحرب على صعيد آخر، تجري في الكواليس مباحثات مصرية إسرائيلية وفلسطينية بشأن ترتيبات اليوم التالي للحرب على غزة. وفقًا لمصادر مطلعة، فإن إحدى المقترحات المطروحة تتمثل في إنشاء ميناء بحري جديد على الحدود المشتركة بين مصر وقطاع غزة، بالقرب من بداية السياج الفاصل من جهة البحر الأبيض المتوسط. هذا الميناء كان من المقرر أن يُدار بالتنسيق بين مصر والسلطة الفلسطينية وحركة "حماس"، تحت رقابة أوروبية. ومع ذلك، لم تحظ هذه الفكرة بارتياح الجانب الفلسطيني، الذي يرى في هذا المشروع محاولة إسرائيلية لفرض سيطرة جديدة على القطاع. الميناء المقترح يأتي كبديل عن الميناء المعطل في شمال قطاع غزة، الذي تفرض عليه إسرائيل حصارًا منذ سيطرة حركة "حماس" على القطاع في 2007. ووفقًا للمصادر، فإن إسرائيل تسعى إلى فصل شمال القطاع عن باقي المناطق، وفرض إدارة عسكرية كاملة عليه، وهو ما يزيد من القلق بشأن مصير قطاع غزة. خلافات حول إدارة المساعدات والمعابر من بين السيناريوهات التي تم مناقشتها خلال المباحثات، تخصيص الميناء المقترح لإدخال المساعدات الإنسانية فقط، مع بقاء معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم كمنافذ رئيسية لدخول الاحتياجات الأساسية إلى غزة. غير أن هذا المقترح يواجه تحديات كبيرة، حيث يحتاج إلى توافق فلسطيني داخلي بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس"، وهو ما لا يبدو وشيكًا في ظل الخلافات السياسية العميقة بين الطرفين. في هذا السياق، أوضح الدكتور أيمن سلامة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وخبير حفظ السلام الدولي السابق، أن أي تفاهمات بين "فتح" و"حماس" بشأن إدارة الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب لن تثمر ما لم تحظ بموافقة إسرائيل. وأضاف سلامة في تصريحاته لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي هو الفاعل الرئيسي في القضية الفلسطينية، وأن إسرائيل تسعى لفرض مكتسبات إقليمية جديدة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدعم الولايات المتحدة. تحذيرات من عزل غزة تأتي هذه التطورات في وقت تواصل فيه إسرائيل تعزيز سيطرتها الأمنية والعسكرية على قطاع غزة، وتطبيق خطط تهدف إلى عزل القطاع عن العالم الخارجي. يعكس التحرك الإسرائيلي على طول محور صلاح الدين جزءًا من هذه الخطط، التي تسعى إلى تقويض أي محاولات فلسطينية أو إقليمية لتحسين الأوضاع في غزة، مع الإبقاء على الحصار كوسيلة للضغط السياسي والاقتصادي.
ختامًا، يتضح أن الوضع في غزة ما زال معقدًا، حيث تجمع بين الأزمات الإنسانية والضغوط السياسية، مع استمرار إسرائيل في تكثيف إجراءاتها العسكرية، وسط غياب واضح لأي تسوية قريبة.