نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرًا سلط الضوء على استثمارات سعودية كبيرة بقيمة 5 مليارات دولار في مصر، مشيرة إلى أن هذه الاستثمارات قد تخدم مصالح الرياض الجيوسياسية.

يأتي هذا في وقت تعاني فيه المنطقة من حالة من عدم الاستقرار المقلق، وتواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة. يُطرح التساؤل حول ما إذا كانت هذه الاستثمارات تأتي لتحقيق الاستقرار، أو لممارسة نفوذ إقليمي متزايد.

استثمار لتحقيق الاستقرار

يُعتبر تخصيص صندوق الاستثمارات العامة السعودي مبلغ 5 مليارات دولار لمشاريع في مصر جزءًا من جهد أكبر لتحفيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

ورغم عدم الإعلان عن التفاصيل الدقيقة لتوقيت الاستثمار أو كيفية استخدام مصر للعائدات، يبقى الهدف السعودي الواضح هو تحقيق استقرار الدولة المصرية، التي تُعد حليفًا مهمًا في المنطقة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.

بحسب جوزيبي دينتشي، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مركز الدراسات الدولية بروما، فإن استثمارات السعودية في مصر تأتي لضمان استقرارها، ولتعزيز نفوذ الرياض في شمال أفريقيا، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للسعودية.

يُشير التقرير أيضًا إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الرياض والقاهرة ليست جديدة، حيث تعتبر السعودية مصر وجهة مفضلة للاستثمارات بفضل موقعها ودورها السياسي.

دور مصر في الاستراتيجية السعودية

تُعد مصر شريكًا استراتيجيًا مهمًا للسعودية، خاصة في ظل الدور الذي يلعبه الجيش المصري في قمع الحركات السياسية الإسلامية في المنطقة، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين.

يرى حسام أبو جبل، المحلل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة "دراغون فلاي"، أن هذا الدور يجعل من مصر حليفًا ضروريًا للسعودية في إطار التوازنات الإقليمية.

استثمارات دون أرباح واضحة
رغم الضخ المالي الكبير، تظل هناك شكوك حول مدى الربحية التي يمكن أن تحققها الرياض من هذه الاستثمارات.

يُذكر أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف إلى تحقيق عوائد مالية من جميع استثماراته، ومع ذلك، لم تتضح بعد كيفية استخدام هذه الأموال في مصر، أو كيف ستتمكن السعودية من استرداد استثماراتها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.

المنافسة الإقليمية: بين السعودية والإمارات

تُظهر السعودية، من خلال هذه الاستثمارات، رغبتها في تعزيز وجودها في مصر على الرغم من المنافسة الاقتصادية مع الإمارات. فعلى سبيل المثال، اشترت الإمارات في مارس الماضي منتجع رأس الحكمة الساحلي على الساحل الشمالي لمصر مقابل 35 مليار دولار.

ويشير جوزيبي دينتشي إلى أن التنافس الاقتصادي بين البلدين هو أحد الدوافع الرئيسية للاستثمار السعودي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الشرق الأوسط، حيث يتزايد التوتر الإقليمي.

ورغم هذه المنافسة، فإن حسام أبو جبل يرى أن بيئة الاستثمار في مصر قد تُثبط بعض الاستثمارات الإماراتية. في المقابل، يعتقد دينتشي أن السعودية تستغل هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في مصر في ظل عدم الاستقرار الإقليمي.

العوامل الجيوسياسية: دور تركيا

من العوامل التي قد تكون أثرت على القرار السعودي بتكثيف استثماراته في مصر هو تحسين العلاقات بين القاهرة وأنقرة. تاريخيًا، كانت العلاقات بين تركيا والإمارات متوترة منذ بداية الربيع العربي، وقد تكون السعودية تتطلع إلى الاستفادة من هذا التقارب المصري-التركي لمنافسة الإمارات كمانح رئيسي لمصر.

ومع ذلك، يستبعد حسام أبو جبل أن يكون هذا التقارب قد أثر بشكل كبير على العلاقات بين مصر ودول الخليج في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن الشراكات الاقتصادية والسياسية بين القاهرة والرياض ستظل قوية، رغم أي تغيير محتمل في العلاقات المصرية التركية.

شراء تيران وصنافير: جزء من الاستراتيجية السعودية

يعتبر شراء السعودية لجزيرتي تيران وصنافير في عام 2016 جزءًا من استراتيجية الرياض لتعزيز وجودها في البحر الأحمر ومنطقة جنوب سيناء. تلك المنطقة الساحلية تعد من أهم المناطق الجيوستراتيجية للسعودية في إطار سياستها الخارجية والأمنية، وكذلك ضمن رؤيتها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.

ويُعتبر الاستثمار السعودي في مصر جزءًا من خطة أكبر لتحسين البنية التحتية وتعزيز السياحة والتجارة في المنطقة، خاصة في ظل تطور مشروع نيوم الضخم، الذي يُقدر إنشاؤه بقيمة 500 مليار دولار.

ويشير التقرير إلى أن جنوب سيناء يمثل منطقة أساسية ضمن هذا المشروع الضخم الذي تعمل السعودية على تحقيقه.

ختاما؛ يبقى السؤال المحوري هو ما إذا كانت هذه الاستثمارات السعودية في مصر تأتي في إطار تحقيق أهداف اقتصادية بحتة، أم أنها تعكس طموحات جيوسياسية أكبر تسعى من خلالها الرياض إلى تعزيز نفوذها في المنطقة.

مع تعمق الأزمات الإقليمية، تظل مصر شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه للسعودية، سواء في مواجهة التحديات السياسية أو الاقتصادية.
ورغم عدم وضوح التفاصيل الكاملة حول كيفية إدارة هذه الاستثمارات، إلا أن القرار السعودي بضخ هذا المبلغ الضخم يشير إلى رغبة قوية في الحفاظ على استقرار مصر وتقوية العلاقات الثنائية، ولكن في ظل حالة من التوتر والمنافسة الإقليمية المتزايدة.