شارك المدير التنفيذي لـ “لجنة العدالة”، أحمد مفرح، في فعالية جانبية على هامش الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول التأثير واسع المدى لقانون الإجراءات الجنائية الجديد على حقوق الإنسان في مصر. وبدء “مفرح” مداخلته باستعراض عدد من التشريعات القمعية التي أقرتها السلطات المصرية في العقد الأخير، وآثارها الكبيرة على حقوق الإنسان بالبلاد؛ وكيف أن هذه القوانين جاءت في إطار محاولات السلطات لتعزيز سيطرتها على المشهد السياسي وقمع أي شكل من أشكال المعارضة، تحت غطاء “مكافحة الإرهاب” وحفظ الأمن القومي. – قانون التظاهر: ومن ضمن تلك التشريعات؛ قانون التظاهر الذي صدر في 2013، وهو واحد من القوانين التي قيدت بشكل كبير حرية التجمع والتعبير؛ حيث يتطلب القانون الحصول على موافقة مسبقة من السلطات لتنظيم أي تجمع أو احتجاج، وتم اعتقال آلاف المشاركين في التظاهرات السلمية بسببه، ما أسهم في تقليص مساحة الحريات المدنية في مصر. وأوضح “مفرح” أنه وفقًا للأرقام التي رصدتها “لجنة العدالة”؛ في خلال سبتمبر من العام 2013 وحتى نهاية العام 2014، تم اعتقال 13 ألف شخص بسبب هذا القانون، وأحيلوا إلى محاكم مختلفة بتهم تتعلق بالتظاهر. – قانون توسعة عمل المحاكمة العسكرية: كذلك الحال بالنسبة للقانون رقم 136 لعام 2014؛ الذي وسع من صلاحيات المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين في قضايا تتعلق بما تسميه السلطات “الاعتداء على المنشآت الحيوية”. وتم بموجبه محاكمة آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية، وهي محاكم تفتقر إلى المعايير الدنيا للعدالة كما هو معروف. ووفق تقديرات “لجنة العدالة”؛ فإنه في المدة من 2014 وحتى بداية 2020، قامت السلطات في مصر بمحاكمة ما يقارب 14 ألف شخص أمام المحاكم العسكرية، والتي حكمت على بعضهم بالسجن لمدد طويلة تصل في الكثير منها ما بين 10 إلى 15 سنة. – قانون مكافحة الإرهاب (2015) كما تطرق المدير التنفيذي لـ “لجنة العدالة” في مداخلته إلى قانون مكافحة الإرهاب؛ الذي يعد أحد أكثر التشريعات القمعية تأثيرًا، حيث وسع تعريف الإرهاب ليشمل حتى الأنشطة السلمية التي تنتقد النظام، واستخدم كأداة لمحاكمة الآلاف من النشطاء والصحفيين. ففي عام 2022 وحده، ووفقًا لرصد “لجنة العدالة” تم تمديد احتجاز نحو 25،000 شخص بشكل متكرر، وغالبًا دون توجيه تهم واضحة أو إجراءات قانونية عادلة بسبب هذا القانون، ما أسهم في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. – القوانين المتعلقة بالإعلام والإنترنت: وأشار “مفرح” إلى أن السلطات المصرية أقرت قوانين تقيد حرية الإعلام والتعبير عبر الإنترنت، بما في ذلك قانون تنظيم الصحافة، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية. وبموجب هذه القوانين، تم حجب مئات المواقع الإعلامية والحقوقية التي وصلت إلى ما يقارب 600 موقع، مع تعزيز أدوات الرقابة الحكومية على الإنترنت، ما يعد انتهاكًا للحقوق الدستورية والدولية المتعلقة بحرية المعلومات. – قانون الجمعيات الأهلية (2019): وأوضح “مفرح” أن قانون الجمعيات الأهلية الذي صدر في عام 2019، فرض قيود مشددة على عمل المنظمات غير الحكومية- بما في ذلك الحقوقية منها-، حيث يجرم هذا القانون العمل الأهلي والحقوقي في مصر ويحد من تلقي المنظمات للتمويلات الخارجية، ما يؤدي إلى تقييد كبير لأنشطة المجتمع المدني الذي يلعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن الحريات ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان. – تأثير مدمر لهذه التشريعات: وأوضح “مفرح” أن هذه التشريعات أدت إلى تدهور كبير في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فوفقا لتقارير “لجنة العدالة”؛ فإنه منذ بداية هذا العام تم توثيق أكثر من 1450 انتهاكًا شملت؛ الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز، كما تزايدت الضغوط على المدافعين عن حقوق الإنسان، الصحفيين، وأفراد المجتمع المدني بأسره. – خطوة مفاجئة وتجاهل صريح: وقال “مفرح” إنه “على الرغم من الجهود المستمرة لمواجهة هذه التشريعات القمعية، فاجأت السلطات المصرية المجتمع الحقوقي الدولي بتقديم مشروع قانون جديد لتعديل قانون الإجراءات الجنائية بأكثر من 540 مادة”. وشدد “مفرح” على أن “هذه الخطوة لا يمكن النظر إليها كتصرف عابر؛ بل هي رسالة واضحة إلى جميع الآليات الدولية- وخصوصًا الأممي منها-؛ أن النظام المصري غير مهتم بالالتزام الفعلي بالمعايير الدولية والمواثيق والمعاهدات، وما يقوم به من مراجعات ومشاركات دولية ما هي إلا محاولة لتجميل صورته”، مضيفًا أن هذا يعد تجاهلاً صريحًا لكل التوصيات التي أكدت عليها تلك الآليات مرارًا “أن النظام المصري ينتهك المعايير الدولية بهذه القوانين القمعية”.
– إعادة النظر في طبيعة التعامل مع النظام المصري: وأوصى “مفرح” في ختام مداخلته أنه “يجب على آليات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إعادة النظر في استراتيجياتهم للتعامل مع النظام المصري؛ فسياسة” الباب المفتوح “والتواصل الناعم أثبتت عدم فعاليتها في التعامل مع نظام يعتمد على التشريعات القمعية لإسكات المعارضة وتعزيز سلطته”. وكانت الفعالية عقدت يوم الجمعة الموافق 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، بالغرفة 25 بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بجنيف. وتناولت التعديلات الجديدة المزمع إدخالها على قانون الإجراءات الجنائية في مصر، والتي من المتوقع أن تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان هناك، حيث تمنح التعديلات المقترحة سلطات أوسع للنيابة العامة؛ والتي يمكن أن تُستخدم لقمع المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان.