«خايفين نشرب مايه، وإحنا مش مقتدرين عشان نشرب مايه معدنية»، تقول نادية حماد، إحدى أهالي حي الصداقة الجديدة بمدينة أسوان، بعدما انتشرت حالة ذعر بين الأهالي، منذ 11 سبتمبر الجاري، على خلفية انتشار نزلات معوية حادة لا يُعرف سببها حتى الآن.

واستقبلت مستشفيات أسوان، منذ الأسبوع الماضي، عشرات الحالات المصابة بنزلات معوية، ما تسبب في حالة من القلق بين الأهالي، خصوصًا مع عدم إعلان أسباب إصابة تلك الحالات، التي ربطها الأهالي بشرب مياه ملوثة، فيما اكتفت الحكومة بالتأكيد على أن «الوضع تحت السيطرة»، وأن هناك مبالغة في تناوله، فيما شهدت الأرقام الرسمية المعلنة تضاربًا بين وزير الصحة ورئيس حكومة الانقلاب دون أن يعلن أيهما، أو أي مسؤول تنفيذي آخر، عن وجود وفيات بين الحالات المصابة.

وفي حين ظهرت شهادات حول حالات وفاة نتيجة النزلات المعوية في مركز دراو وقرية أبو الريش، ما بين منتصف الأسبوع الماضي وحتى الأمس، لم تعلن وزارة الصحة عن وفيات في أسوان جرّاء النزلات المعوية غير معروفة السبب حتى الآن.

وحصلنا على وثيقة وفاة أحد الأهالي بتاريخ 19 سبتمبر، صادرة من مستشفى أسوان الجامعي، توضح أن سبب الوفاة «توقف تام في الدورة الدموية والتنفسية والقلبية» ناتجة عن «نزلة معوية شديدة أودت إلى جفاف وارتفاع بوظائف الكلى وجلطة بالمخ».

وتواصلنا مع ابن المتوفى، الذي أفاد بأن والده يسكن مدينة أسوان، لكنه يعمل بقرية «أبو الريش»، مضيفًا: «أبويا حس بأعراض قيء وإسهال يوم 16 سبتمبر الصبح، بالليل رُحنا به المستشفى الجامعي، قياس ضغطه كان 40/ 70، حجزوه في العناية، على يوم الخميس الضهر كان اتوفى».

وأوضح المصدر أن «مدير أمن أسوان كان موجود وقت ما رُحنا المستشفى بيتابع الحالات، كان في ولا 200 حالة بنفس الأعراض»، مؤكدًا أن «الدكاترة مش عارفين ده إيه».

وفي إشارة إلى نقص الخدمات في المستشفى، قال المصدر: «مفيش تحاليل في المستشفى الجامعي، بنعمل الأشعة المقطعية والتحاليل برة المستشفى، وحتى الدوا والمحاليل والكلونة [الكانيولا] بنجيبها من برة، وفي ناس كتيرة مش معاها فلوس ومش عارفة تعمل إيه».

كان وزير الصحة بحكومة الانقلاب خالد عبد الغفار، أعلن أمس، أن رصد حالات «النزلات المعوية الحادّة» بدأ منذ 11 سبتمبر، والتي وصلت إلى أربع مستشفيات بأسوان: «الصداقة التخصصي»، و«المسلة»، و«الجامعة»، و«دراو المركزي»، مُضيفًا: «ممكن تكون نتيجة تلوث في الطعام أو في الشراب، سواء داخليًا، أو تلقوا بعض الأنواع التي يُمكن أن تؤدي إلي هذه الحالات»، مؤكدًا على وجود مبالغة و«شائعات مغرضة» في تناول الموضوع، دون أن يقدم سببًا لحدوث حالات الإصابة، مرجئًا معرفته إلى تقرير نهائي سيصدر غدًا، بعدما لم تصل تحاليل عينات المياه والطعام التي تم جمعها إلى سبب واضح.

«الكوليرا»، أو التسمم المائي الناجم عن تلويث مصنع «كيما» للبتروكيمياويات، كانا التفسيريّن الأكثر شيوعًا من بين ما تداوله المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أشارت منصة «متصدقش»، اليوم، إلى احتمالية تسبب اختلاط مياه السيول العكرة بمياه الشرب وعدم قدرة محطات المياه على معالجتها.

من جانبها، نفت شركة كيما في إفصاح للبورصة، اليوم، أي علاقة لمصنعها بـ«الأحداث الجارية بأسوان من تلوث مياه الشرب وحدوث إصابات»، مؤكدة أنها تخضع  للمتابعة الدورية من الجهات الرقابية على البيئة والصحة المهنية، وتتبع البرامج اللازمة للمعالجات للصرف الصناعي والذي يتم توجيهه إلى محطة «العلاقي» للصرف الصحي والتابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحى بأسوان.

كان وزير الصحة أعلن، أمس، أن 128 حالة دخلت المستشفيات منذ بدء الأزمة، بقى منها في المستشفيات 106 حالات، بعضهم بالعناية المُركزة، في مؤتمر بحضور رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بعد يومين من إعلان مدبولي نفسه أن المستشفيات استقبلت 200 حالة فقط، حُجز 43 منها.

ومنذ بدء ظهور الحالات وحتى مساء أمس يحتجز مستشفى المسلة، الحميات سابقًا، بشكل يومي حالات إصابة بنزلات معوية مصحوبة بجفاف واضطراب في وظائف الكلى بسبب الجفاف، بحسب ما كشفه طبيب بالمستشفى، لـ«مدى مصر»، لافتًا إلى حالة تعتيم شديدة «حتى على مستوى الدكاترة كمان»، إلى حدّ أن «طبيب الطوارئ مش بيعرف تشخيص الحالة اللّي اتحجزت».

وأكد الطبيب، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن «المستشفى في حالة طوارئ وإجازات الأطباء ممنوعة، والحجز حاليًا للنزلات المعوية بس، مفيش حجز لحالات الحمى ونقل الدم، عشان العناية والمتوسط مفيش فيهم مكان»، منوهًا إلى أن «الناس بتتهجم علينا فاكرين إننا مش عايزين نحجزهم، لأن الناس في حالة هلع».

وأشار الطبيب إلى أن «اللّي مخلي الوضع سئ إن الناس بتجيلنا متأخرة قوي، لحد ما وظايف الكلى تكون تأثرت»، الأمر الذي تسبب في أن «حوالي 30% من الحالات اللي بتوصل المستشفى بتتحول على وحدة الغسيل الكلوي».
وكشف الطبيب عن أن قطاع الطوارئ بالوزارة أرسل بروتوكول مبدأي للتعامل مع الحالات يوم 19 سبتمبر، أي بعد نحو ثمانية أيام من انتشار الإصابات، وحصلنا على نسخة مؤرخة من البروتوكول.

وفي حين قال ثلاثة من أهالي أبو الريش، المنطقة الأكثر إصابة، إن بعضهم لجأ إلي شراء المياه المعدنية، وعدم الوثوق حتى في فلاتر المياه المنزلية، قال مصدران آخران إنهما تلقيا من أصدقائهما وأقاربهما العاملين بشركة المياه بالمحافظة، تحذيرات بالتوقف عن شرب المياه من الحنفية واستخدام مياه مُخزنة من أوقات سابقة على الأزمة، أو شراء المياه المعدنية.

ورغم تركّز الإصابات في قرية أبو الريش والقرى المحيطة بها، أفادت شهادات حصل عليها «مدى مصر»، بوجود إصابات بالنزلات المعوية داخل مدينة أسوان، احتاجت إحداها على الأقل دخول الرعاية الفائقة لتدهور الحالة.

أميمة، صيدلانية يقع مقر عملها بجوار مستشفى الصداقة العام في مدينة أسوان، قالت لـ«مدى مصر»، إنها صرفت أدوية لأربع حالات مصابة بنزلات معوية حادة في أول ثلاث ساعات من بداية فترة عملها، اليوم، «المستشفى مفيهاش أدوية، المصابين بييجوا يشتروا من هنا مطهرات زي الانتينال وفلاجيل ومضاد بكتيري دوكسيكوست ومحلول جفاف، غير الكانيولا»، مؤكدة أن «الحالات دي مش من أبو الريش والقرى اللي بيقولوا عليها مصابة، دول من حي الصداقة».

فيما أكد عدد من أهالي مدينة أسوان أن وزارة الصحة ومسؤولي التموين نفذوا حملات تفتيشية على الأسواق، اليوم، ما دفع محال الجزارة والدجاج والعصائر والبقالة إلى غلق أبوابها مؤقتًا.

وتوالت، اليوم، بيانات رسمية تحاول مُحاصرة الذعر، شملت ظهور محافظ أسوان وهو يشرب المياه من الحنفية مباشرة لطمأنة الأهالي، فيما أقسمت النائبة البرلمانية عن محافظة أسوان، ريهام عبد النبي، أنها والمحافظ والسكرتير العام شربوا من مياه الحنفيات، مُعلقة «ده ماية الحنفية دلوقتي أحسن من قبل كده»، مرجعة التحسن لتنظيف مُرشحات محطات المياه وزيادة كميات الكلور المُضافة للمياه لتنقيتها.

عبد النبي قالت لـ«مدى مصر» إن العينات التي أُخذت من المرضى والحالات المُصابة تم نقلها بالطيران إلى المعامل المركزية بالقاهرة وفي انتظار النتائج التي من المتوقع أن تظهر غدًا، فيما كرّرت ما سبق وأشار له المحافظ من أن السبب وراء حالات الإصابة هو تناول أعداد كبيرة شاركت في احتفالات المولد النبوي لحلوى المولد المُباعة بأسعار «رخيصة جدا»، وكانت مُلوثة.