يواجه مرضى السكري في مصر تحدياً مزدوجاً، إذ ينهش المرض أجسامهم، وتزداد آلامهم في ظل عدم العثور على العلاج للبقاء على قيد الحياة.

تزداد معاناة المرضى وكبار السن في مصر الذين أنهكهم مرض السكري، وأيضاً التجول منذ أسابيع في الشوارع المزدحمة وتحت أشعة الشمس الحارقة حيث تبحث عيونهم الحائرة عن عبوة واحدة من عقار أو حقن الإنسولين، بعدما أصبحت حلماً بعيد المنال في ظل النقص الكبير في عدد من الأدوية المنقذة للحياة في الصيدليات والمستشفيات.

وفيما تُعد حقن الإنسولين من الأدوية المنقذة للحياة التي يستخدمها مرضى السكري لضبط معدل السكر في الدم، يقول خالد مخيمر، أحد المرضى الذين يترددون على الوحدة الصحية بالمنشية وسط الإسكندرية "أحتاج يومياً إلى جرعة إنسولين من نوع ماكستراد 30، وأضطر إلى البحث عن الدواء يومياً للسؤال عن توافره، لكن من دون فائدة، لذا أعتمد على الأصناف محلية الصنع من هذا الدواء، رغم أن مفعولها ضعيف في العلاج".

يضيف: "أصبح العثور عن الدواء صعباً جداً، ويحتاج إلى الوقوف في صف طويل مع عشرات المرضى أمام صيدلية الإسعاف الوحيدة التي توفره. وهي تسمح لكل مريض بالحصول على علبة واحدة فقط بعد إجراءات معقدة" .

وتروي الستينية صابرين حجازي التي تجلس على أحد أرصفة الوحدة الصحية، معاناتها في الحصول على جرعة إنسولين، وتقول: "رغم أن سعر الإنسولين زاد في الصيدليات، لم أستطع أن أحصل على علبة واحدة منذ أكثر من شهر قبل أن يختفي من الصيدليات والمستشفيات ضمن عدد كبير من أصناف الأدوية الخاصة بالقلب والضغط وأمراض المناعة".

وتشير إلى أنها تلقت عروضاً بجلبه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة من تجار وصفتهم بأنهم "شياطين توسوس في آذان المرضى العاجزين وفاقدي الأمل في الحصول على الإنسولين بسعره الرسمي. والغالبية تشتريه منهم بأسعار مضاعفة أربع مرات، وهو ما لا تتحمله ميزانيات المرضى".

ويقول الصيدلي محمد السعدني: "تستمر أزمة النقص في الأدوية، ومنها الإنسولين، رغم أن الحكومة رفعت أسعار العديد من الأصناف. فعلياً، لا تتوافر أصناف كثيرة في الصيدليات، كذلك إن الحصول عليها يشترط أن يتوجه المريض إلى أحد فروع صيدليات الإسعاف التي تتبع للشركة المصرية للأدوية وفي حوزته تقرير من الطبيب المعالج وبطاقة الرقم القومي كي يحصل على جرعة لأيام معدودة. وهكذا يضطر العديد من المرضى إلى البحث عن بدائل أقل فعالية" .

يتابع: "بدلاً من أن تتخذ الحكومة إجراءات فورية لحلّ الأزمة، تكتفي بإطلاق وعود منذ نحو عام من دون أن توجد أي تحسّن في خدمات الأدوية والعلاج على الأرض، ما يعكس عمق الأزمة. من الضروري إيجاد حلول سريعة وعاجلة لتوفير الأدوية لأن استمرار نقص الإنسولين يشكل خطورة كبيرة على صحة مرضى السكري الذين يناهز عددهم 11 مليوناً".
وخلال الفترة السابقة، أعلن مسؤولون قرب توفير الأدوية التي تواجه نقصاً في الصيدليات، لكن يبدو أن الجهود الحكومية لم تسلك طريق حلّ الأزمة. هذا ما يقوله لـ"العربي الجديد" رئيس جمعية الحق في الدواء، محمد فؤاد، الذي يعتبر أن "نقص الإنسولين ذروة المشهد، علماً أن النقص الشديد يشمل مئات من الأدوية، وهذا وضع غير مقبول يشكل خطراً على حياة المرضى".

يضيف: "تفاقمت أزمة نقص الإنسولين وأدوية أخرى غير متوافرة في الصيدليات والمستشفيات بسبب عجز الشركات المنتجة عن تدبير العملة الأجنبية لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع، وأيضاً بسبب تخزين بعض التجار كميات من الأدوية المطلوبة، وتعمّدهم استغلال حاجة المرضى لها من أجل بيعها بأسعار مرتفعة".

وينتقد فؤاد "عدم وجود تسهيلات بنكية استثنائية لقطاع الدواء، ومعاناة صناعته في مصر من مشاكل هيكلية عميقة بينها الاعتماد على المواد المستوردة. وتأخر الحكومة في التعامل مع الملف أوقف خطوط الإنتاج في عدة مصانع للدواء من أصل 190 تغطي احتياجات السوق المصرية بنسبة أكثر من 80 في المائة حين تعمل بكل طاقتها".

ويشدد على "الحاجة إلى خطط استراتيجية طويلة الأمد إلى جانب حلول فورية الآن، فصحة المصريين يجب أن تتصدر الأولويات دائماً، علماً أنه يوجد أكثر من 17 ألف صنف دواء مسجل في مصر، من بينها أصناف قديمة أو أخرى توقف إنتاجها، وأيضاً منتجات مهمة تواجه نقصاً مستمراً مثل الإنسولين".

ويلفت إلى أنه رغم إعلان توفير 300 ألف عبوة إنسولين قبل أيام، لكن هذه الكميات لا تكفي ربع احتياجات السوق، لأن نصيب كل صيدلية مجرد عبوات قليلة، في حين أن عدد المرضى أكثر بكثير.

وكان وزير الصحة بحكومة الانقلاب خالد عبد الغفار، قد أكد أنه تابع في الشهرين الأخيرين مؤشرات توافر الأدوية في السوق المحلية إثر تعزيز هيئة الدواء المستحضرات الدوائية، سواء المستوردة أو تلك التي يعتمد إنتاجها على المواد الخام المستوردة.
وتوقع أن تنتهي أزمة النقص في الأدوية خلال الأشهر القليلة المقبلة، وشدد على توافر بدائل للأدوية المهمة التي تواجه نقصاً في الأسواق، حرصاً على صحة وسلامة المرضى. وأشار إلى أن الوزارة ضخت كميات إضافية من الأدوية التي تندرج ضمن علاجات أمراض السكري والقلب والتهابات المعدة، وفرط نشاط الغدة الدرقية، وعلاج الأورام، والمضادات الحيوية،  وغيرها. 

أما الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية في الغرفة التجارية، فقال إن "الإنسولين في مصر نوعان: مصري ومستورد، والشركة التي تنتج الإنسولين المستورد أبلغت هيئة الدواء المصرية بوجود مشكلة في مصنعها بأوروبا، لذا وفرت الهيئة مخزوناً من الإنسولين لتغطية الاحتياجات". وأكد أن "هيئة الدواء تتابع حركة الدواء في السوق، وهناك انفراج منذ نحو شهر في أزمة الأدوية الناقصة، ومنها أدوية الضغط والسكر والكوليسترول والمضادات الحيوية والحساسية والإسهال".