في مساء السبت، شهدت مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية شمالي القاهرة حادثة مأساوية أخرى تضاف إلى سجل الحوادث المتكرر في قطاع السكك الحديدية بمصر. فقد أدى تصادم بين قطاري ركاب إلى وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة 60 آخرين.

يأتي هذا الحادث ليعيد فتح النقاش حول أزمة حوادث القطارات المتزايدة والتي لم تتوقف منذ عقود، رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحسين وتطوير هذا القطاع الحيوي.

تاريخ طويل من الحوادث  
تعاني السكك الحديدية المصرية من تدهور حاد وإهمال مستمر، حيث باتت الحوادث المتكررة مشهداً مألوفاً للأسف. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن مصر سجلت 12,236 حادث قطار خلال الفترة من 2006 إلى 2016. ويظهر من هذه الإحصاءات أن عام 2009 شهد أكبر عدد من الحوادث بـ1,577 حادثاً، في حين شهد عام 2012 أقل عدد من الحوادث بـ447 حادثاً، نتيجة توقف حركة القطارات في أعقاب أحداث الثورة.

خلال السنوات الأخيرة، استمرت الحوادث بمعدلات مقلقة، حيث شهدت الأعوام بين 2013 و2023 عدة حوادث مؤلمة خلفت مئات القتلى والجرحى. وكان عام 2017 من بين الأسوأ، حيث سجل 1,793 حادثاً، من بينها حادث تصادم قطارين في الإسكندرية أسفر عن مقتل 41 شخصًا وإصابة أكثر من 120 آخرين. أما الحادث الأكثر فتكاً في تاريخ السكك الحديدية المصرية فيظل حادث قطار الصعيد عام 2002، الذي أودى بحياة أكثر من 360 شخصًا عندما اشتعلت النيران في قطار متجه من القاهرة إلى الأقصر.

الأسباب وراء الحوادث المتكررة
تتعدد الأسباب وراء هذه الحوادث الكارثية، إلا أن هناك شبه إجماع بين الخبراء والمراقبين على أن الإهمال وتدهور البنية التحتية وضعف الصيانة هي الأسباب الرئيسية. وتواجه السكك الحديدية المصرية تحديات هائلة، تبدأ من القطارات القديمة التي تحتاج إلى تحديث، وتمتد إلى شبكة السكك المتهالكة التي لم تشهد تطويراً جذرياً منذ عقود.

وتكشف تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل حوادث القطارات في مصر يصل إلى 0.1 حادث لكل 1000 نسمة. في المقابل، تتذرع الحكومة بنقص الموارد لتبرير الحوادث المتكررة، وهو ما يعتبره المراقبون جزءاً من سياسة الإنكار المستمرة. وتشير تقارير صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن الانخفاض الحاد في نسبة الإنفاق على السكك الحديدية هو السبب الجوهري لتدهور القطاع. فقد تراجعت نسبة الإنفاق من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1990/1991 إلى 0.31% فقط في 2015/2016.

الحكومة تبرر والواقع يفند
تستمر الحكومة المصرية في تبرير الحوادث بالنقص في التمويل، إلا أن التقارير تشير إلى أن هذه الادعاءات غير دقيقة. وتؤكد التقارير أن مشكلات السكك الحديدية ليست فقط نتيجة لندرة الموارد، بل أيضاً بسبب سوء إدارة الموارد المتاحة وترتيب الأولويات. ومع ارتفاع معدلات الإنفاق على مشروعات أخرى، يبدو أن القطاعات الحيوية مثل السكك الحديدية تعاني من إهمال متعمد.

كما يشير تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن السياسات الحكومية لا تعطي الأولوية لتطوير البنية التحتية الضرورية، وبدلاً من ذلك تُعتمد سياسات التقشف التي تؤثر سلباً على حياة ملايين المصريين، على الرغم من أن الحوادث نفسها تُظهر عواقب هذه السياسات بشكل فوري.

قطاع السكة الحديد: أقدم وأكبر شبكة في الشرق الأوسط
يمتد تاريخ السكك الحديدية في مصر إلى أكثر من قرن ونصف، حيث انطلق العمل على أول خط سكة حديد في عام 1854 ليربط بين القاهرة والإسكندرية. ومنذ ذلك الحين، توسعت الشبكة لتصبح من أهم عناصر البنية التحتية في البلاد، حيث تمتد لأكثر من تسعة آلاف كيلومتر. تلعب السكك الحديدية دوراً محورياً في نقل الركاب والبضائع وتعزيز الحركة الاقتصادية بين المحافظات المختلفة.

لكن على الرغم من تاريخها العريق وأهميتها الاقتصادية، فإن قطاع السكك الحديدية لم يعد قادراً على تلبية احتياجات الركاب أو توفير معايير الأمان المطلوبة. وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت عن خطط لتحديث القطاع وضخ استثمارات جديدة، فإن العديد من المواطنين يشعرون بالشك إزاء قدرة هذه الخطط على إحداث تغيير ملموس في ظل غياب استراتيجيات واضحة للحد من الحوادث المتكررة.

ختاما ؛ حادثة تصادم قطاري الزقازيق ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة في ظل الوضع الحالي للسكك الحديدية في مصر. ورغم الجهود الحكومية المعلنة لتطوير القطاع، فإن استمرار هذه الحوادث يشير إلى أن الطريق ما زال طويلاً لتحقيق الأمان المطلوب في قطاع السكك الحديدية المصري. تحتاج مصر إلى استثمارات حقيقية وإصلاحات جذرية تضع سلامة المواطنين على رأس الأولويات، بعيداً عن التبريرات المعتادة بنقص الموارد.