مع انطلاق الموسم الجديد من الدوري المصري، تتزايد مشاهد مثيرة للدهشة، حيث تتضخم رواتب اللاعبين بصورة غير مسبوقة، في ظل ضعف الأداء العام وعدم تحقيق النتائج المطلوبة سواء على مستوى الأندية أو المنتخب الوطني. مشهد الرواتب الفلكية لم يعد مقتصرًا على نجوم الملاعب الكبرى فحسب، بل أصبح واقعًا في الدوري المصري الذي يعاني من تحديات أخرى مثل تراجع مستوى الأندية الجماهيرية وصعود أندية الشركات على الساحة الرياضية. رواتب مرتفعة دون مردود حقيقي في الأسابيع الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام الأرقام والعروض الضخمة المقدمة لبعض اللاعبين، أبرزهم أحمد سيد "زيزو"، لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر. كان العرض السعودي المقدم للاعب مغريًا، مما دفع الزمالك لعرض مبلغ 60 مليون جنيه في الموسم لتجديد عقده. هذا الرقم الكبير يعكس حجم التضخم في رواتب اللاعبين، وهو أمر لا يتناسب مع الأداء الفعلي على أرض الملعب، خاصة أن إنجازات اللاعبين ليست على مستوى الطموحات سواء على الصعيد المحلي أو القاري. الأمر لا يقتصر على زيزو فقط؛ فقد شهد الدوري المصري حالات أخرى مثل أنتوني مودريست، الذي تلقى راتبًا قدره 1.75 مليون دولار سنويًا مع الأهلي، ورغم هذا، لم يحقق اللاعب الأداء المتوقع، حيث شارك في 31 مباراة وسجل 5 أهداف فقط. هذه الأرقام الفلكية تسلط الضوء على تفاوت بين ما يُنفق على اللاعبين وبين ما يقدَّم من نتائج على أرض الملعب. تأثير تضخم الرواتب على الأندية الأندية المصرية، وخاصة الجماهيرية منها، تعاني بشدة من تأثير تضخم الرواتب. الفرق التي كانت تاريخيًا تشكل العمود الفقري للدوري المصري، مثل الإسماعيلي والاتحاد السكندري، أصبحت تعاني من ضعف الموارد المالية وعدم القدرة على مواكبة الأسعار الخيالية المطلوبة لتجديد عقود اللاعبين أو استقدام محترفين جدد. هذه الأوضاع أدت إلى هبوط العديد من الأندية الجماهيرية إلى الدرجات الأدنى، وتحول الدوري المصري إلى ما يُطلق عليه "دوري الشركات"، حيث تسيطر الأندية التي تعتمد على رأس المال الكبير لتحقيق النجاح. ومع تزايد الاعتماد على التمويل الضخم، اختفى من الدوري المصري العديد من الأندية التاريخية والشعبية، حيث يتبقى فقط 6 أندية شعبية من أصل 18 نادٍ في موسم 2023-2024. هذا الوضع يعكس التحول الكبير في طبيعة الدوري، الذي أصبح ميدانًا لأندية الشركات على حساب الأندية الجماهيرية التي كانت تحمل تاريخًا طويلًا في الكرة المصرية. ترتيب الدوري المصري عالميًا رغم الإنفاق الكبير على اللاعبين، لا يعكس ذلك تحسنًا في ترتيب الدوري المصري على المستوى العالمي. وفقًا لتصنيف موقع "Teamform" لعام 2023، جاء الدوري المصري في المركز 116 عالميًا والرابع على مستوى أفريقيا، وهو ترتيب متأخر مقارنة بالدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي أو الإسباني. الأندية المصرية لم تستطع تحقيق نجاحات كبيرة على المستوى القاري في السنوات الأخيرة، مما أثر سلبًا على ترتيب الدوري المصري. وبينما تتقدم بعض الدوريات الأفريقية الأخرى على الساحة القارية والدولية، يظل الدوري المصري يعاني من تحديات كبيرة على صعيد البنية التحتية والتمويل الاحترافي، وهو ما يجعل تطوره مرهونًا بحلول جذرية. الاحتراف في مصر: نموذج مختلف؟ على الرغم من الحديث المتكرر عن تطبيق الاحتراف في الكرة المصرية، إلا أن النموذج المعمول به في مصر يختلف كثيرًا عن مثيلاته في الدوريات العالمية. ففي حين تعتمد الأندية الكبرى عالميًا على استثمارات ضخمة وحقوق بث ورعاية متطورة، تعتمد الأندية المصرية بشكل كبير على دعم الدولة أو الشركات المالكة، مما يؤثر سلبًا على تطوير البنية التحتية الرياضية في البلاد. الأندية المصرية تعاني من ضعف الاستثمار في تسويق العلامة التجارية الخاصة بها، مما يدفع العديد من اللاعبين للانتقال إلى الدوريات الخليجية أو الأوروبية بحثًا عن فرص مالية أفضل ومستقبل رياضي أكثر إشراقًا. رغم بعض المحاولات لتبني ممارسات احترافية، لا يزال نقص الهياكل الإدارية والتمويلية يقف عائقًا أمام تحقيق قفزة نوعية في مستوى الاحتراف. أزمة الأندية الشعبية وتفوق الشركات التراجع الكبير الذي تشهده الأندية الجماهيرية في الدوري المصري يعود إلى الفارق الكبير في التمويل بين الأندية الشعبية وأندية الشركات. فبينما تعتمد الأندية الجماهيرية على موارد مالية محدودة، تستفيد أندية الشركات من تمويل ضخم يتيح لها التعاقد مع أفضل اللاعبين وتقديم رواتب ضخمة، مما يزيد من الفجوة بين الأندية. هذا التحول أدى إلى اختفاء العديد من الأندية التاريخية التي لم تتمكن من مجاراة الوضع الجديد، وهو ما دفع بالدوري المصري للتحول تدريجيًا إلى دوري تسيطر عليه أندية الشركات، مع تراجع كبير للأندية الشعبية التي كانت تشكل عصب الدوري لعقود.
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه الأندية المصرية، يبقى السؤال المطروح: هل هذه المبالغ الضخمة تُعتبر إهدارًا للمال العام؟ الدوري المصري بحاجة إلى إصلاحات جذرية تشمل وضع قوانين رياضية صارمة لضبط رواتب اللاعبين، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية وتطوير حقوق البث والرعاية بشكل أفضل.

