في دولة مصر "الشبهية"، التي صمم أركانها نظام السيسي، باتت البلاد مسرحاً مفتوحاً أمام شبكات التهريب وتجار السلاح الذين أصبحوا بين عشية وضحاها رجال أعمال نافذين وقيادات سياسية في صلب النظام. وتحت هذا الإطار، تفاجأ المصريون مؤخراً بتغطيات إعلامية مكثفة عبر قنوات موالية للمخابرات، تبرز استقبال رجل الأعمال إبراهيم العرجاني ونجله، الكابتن عصام العرجاني، لوفد إماراتي كبير يبحث عن فرص استثمارية في سيناء.
تزامنًا مع تلك التغطيات، قامت مجموعة من رجال الأعمال الإماراتيين بالتجول في مدن رفح، الشيخ زويد، والعريش، بمشاركة وزير الإسكان السابق عصام الجزار، بهدف البحث عن فرص استثمارية في مجال الطاقة الشمسية. وقد أثارت هذه الزيارة، التي نظمت بدعوة من العرجاني وليس من جهة حكومية مصرية، تساؤلات كبيرة حول دور الإمارات، وإسرائيل في سيناء، ما قد يمهد لتحكم أوسع في قطاع الطاقة بمصر.

استثمار خارجي... وتحكم إسرائيلي؟
الزيارة التي قام بها وفد شركة "مصدر" الإماراتية، التابعة لصندوق الاستثمار الحكومي الإماراتي، أثارت الشكوك حول أهداف الاستثمار في سيناء. ويرى مراقبون أن هذه الزيارة، التي جاءت بدعوة من العرجاني، قد تمهد لتحكم أكبر لإسرائيل في مجال الطاقة داخل مصر من خلال الوسيط الإماراتي. مما يعني أن أمن الطاقة المصري أصبح مهدداً، في ظل النفوذ المتزايد لشبكات المال والسياسة التي تعمل على تهيئة سيناء للاستثمار الأجنبي.

حضور رسمي ضعيف وغياب حكومي
وعلى الرغم من حجم الوفد الإماراتي المشارك في الجولة، فقد اقتصر التمثيل الرسمي المصري على محافظ شمال سيناء خالد مجاور ونائب المحافظ فقط. ولم تشهد الجولة حضورًا مكثفًا من المسؤولين الحكوميين، مما يزيد الشكوك حول دور هذه الاستثمارات ومدى إشراف الدولة المصرية عليها.
وزير الإسكان السابق، عاصم الجزار، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس مجلس إدارة شركة "نيوم"، إحدى شركات "العرجاني جروب"، شارك في استقبال الوفد. وتعتبر "نيوم" جزءًا من مجموعة العرجاني، التي تروج لنفسها كلاعب رئيسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سيناء.
هذا المشهد يثير تساؤلات حول ما إذا كان العرجاني قد أنشأ "دولة داخل الدولة"، من خلال علاقاته الواسعة مع رجال الأعمال والسياسيين الأجانب.

تهجير وتهميش السكان المحليين
بينما يفتح العرجاني أبواب سيناء أمام الاستثمارات الإماراتية، يظل السكان المحليون، الذين هجرتهم السلطات المصرية من مدنهم وقراهم، يواجهون مصيرًا مجهولاً. ففي اليوم ذاته الذي تم فيه استقبال الوفد الإماراتي، أصدرت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية قرارًا بتجديد حبس 12 من أبناء سيناء، على خلفية مشاركتهم في تظاهرات "حق العودة". هؤلاء المتظاهرون كانوا يطالبون بالعودة إلى أراضيهم في رفح والشيخ زويد، بعد سنوات من التهجير القسري.
بدأت أزمة السكان المهجرين في أكتوبر 2023، عندما احتج المئات من أهالي سيناء على عدم الوفاء بوعود عودتهم إلى مناطقهم، والتي قطعتها السلطات المصرية خلال لقاءات سابقة. ورغم قبول السكان بخطة التهجير المؤقتة، إلا أن السلطات تواصل تجاهل مطالبهم بالعودة، بل وتوسع من نطاق المشروعات الاستثمارية التي تزيد من تعقيد مسألة عودتهم.

انتهاكات واسعة بحق السيناويين
تعتبر عمليات التهجير القسري التي شهدتها شمال سيناء خلال العقد الماضي من أبرز الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبتها القوات المصرية بحق السكان المحليين. هذه العمليات العسكرية، التي تضمنت هدم آلاف المنازل وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، أدت إلى نزوح ما يقرب من 150 ألف شخص، فضلاً عن هدم مدينة رفح بالكامل.
كل هذه الإجراءات كانت ضمن ما يسمى "مكافحة الإرهاب"، إلا أنها في الواقع كانت تمهيدًا لتغيير ديموغرافي وتوسيع للنشاطات الاقتصادية الخاصة.

ختاما ؛ تفتح سيناء أبوابها للاستثمارات الإماراتية، بينما تضيق على أبنائها الذين يواجهون القمع والتهميش. في حين يتجول الوفد الإماراتي بحرية في رفح والشيخ زويد والعريش، يعاني سكان هذه المناطق من التهجير والفقر والاعتقال. يبدو أن استثمارات رجال الأعمال مثل العرجاني قد تسهم في مزيد من تهميش السكان المحليين وتعزيز نفوذ القوى الخارجية في المنطقة، مما يهدد أمن سيناء واستقرارها في المستقبل.