شهدت مصر تسارعاً ملحوظاً في معدل التضخم بعد قرار الحكومة خفض دعم الوقود، مما أدى إلى تغيير مسار التراجع التدريجي الذي شهده التضخم لمدة خمسة أشهر. هذا التغير المفاجئ جاء في وقت كانت فيه البلاد تمهد الطريق نحو أول خفض لأسعار الفائدة منذ عام 2020.
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت أسعار المستهلك السنوية في المناطق الحضرية بمصر بنسبة 26.2% في أغسطس مقارنةً بـ25.7% في يوليو.
كذلك، ارتفع المؤشر الشهري بنسبة 2.1% في أغسطس، مقارنةً بـ0.4% في الشهر السابق، وهو أعلى ارتفاع شهري منذ فبراير/شباط الماضي.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات
تُعد أسعار المواد الغذائية والمشروبات أكبر مكون منفرد في سلة التضخم المصرية، حيث ارتفعت بنسبة 29% على أساس سنوي في أغسطس، مقابل 29.7% في يوليو.
وهذا الارتفاع يعكس تأثيراً مباشراً لتغيرات الأسعار في السوق المحلية، إضافة إلى تأثير خفض دعم الوقود الذي أثر بشكل مباشر على تكاليف النقل والسلع.
على الرغم من أن التضخم المصري كان يتحدى التوقعات بالتباطؤ، إلا أن هذه الزيادة جاءت بعد السماح للجنيه المصري بالهبوط بنحو 40% في مارس لمحاولة إنهاء أزمة اقتصادية ونقدية مستمرة منذ عامين. ساهمت هذه الخطوة، إلى جانب رفع أسعار الفائدة، في إبرام صفقة إنقاذ مالية عالمية بقيمة 57 مليار دولار بقيادة صندوق النقد الدولي والإمارات. لكن خفض الدعم على الوقود أدى إلى تغيير هذا المسار التراجعي للتضخم.
رفع أسعار الوقود وتأثيره على التضخم
موجة خفض دعم الوقود الأخيرة، والتي شهدت زيادة بنسبة 15% في أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود ورفع بعض تعريفات الكهرباء، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء تسارع التضخم في أغسطس.
كانت هذه الخطوة قد جاءت بعد زيادات في تكاليف الخبز المدعوم بنسبة 300% في يونيو الماضي، وهي زيادة لم تؤثر بشكل مباشر على مؤشر أسعار المستهلك في ذلك الوقت.
التضخم في مصر كان يتراجع تدريجيًا من مستوى قياسي بلغ 38% في سبتمبر الماضي، مما جعل سعر الفائدة الحقيقي إيجابياً في يوليو للمرة الأولى منذ يناير/كانون الثاني 2022. هذا التراجع التدريجي كان يساهم في تعزيز الأمل بخفض أسعار الفائدة، إلا أن البيانات الجديدة قد تعيد التفكير في هذا الاتجاه.
يشير محمد الباشا، رئيس قسم الأبحاث في بنك الاستثمار "إي إف جي هيرميس"، إلى أن الأرقام الأخيرة لا تعكس تغييراً كبيراً في مسار التضخم، بل يمكن اعتبارها "مجرد عثرة" في طريق الانكماش. وأضاف أن السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة المفاجئة هو التأثير الأكبر من المتوقع لارتفاع أسعار الوقود، وتأثيره على تكاليف النقل التي انعكست بدورها على أسعار السلع والخدمات.
من المتوقع أن يبقي البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية المرتفعة، والتي تبلغ 27.25%، في الاجتماع المقبل المقرر في 17 أكتوبر/تشرين الأول. ورغم أن العديد من خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تبدأ مصر دورة تخفيف نقدي بحلول نهاية العام أو أوائل عام 2025، فإن البنك المركزي سيضطر إلى دراسة الأوضاع التضخمية بعناية قبل اتخاذ أي خطوة.
ويرى الباشا أن البنك المركزي قد يبدأ بتخفيض الفائدة في الربع الأول من عام 2025، شريطة أن يتباطأ التضخم بشكل ملموس بحلول ذلك الوقت.
خلال الشهرين الماضيين، رفعت الحكومة المصرية أسعار البنزين والسولار وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق، مما تبعته زيادات في أسعار السلع والخدمات الأخرى. ومع ذلك، ألمحت مصادر حكومية إلى إمكانية إطلاق حزمة جديدة من تدابير الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجاً، لتخفيف تأثير هذه الزيادات على الفئات الفقيرة.
وكانت الحكومة قد رفعت في مايو الماضي سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300%، وهي خطوة كانت الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود. كما رفعت أسعار مجموعة من منتجات الوقود بنسبة تصل إلى 15% في يوليو، إلى جانب زيادات في تذاكر المترو والكهرباء.
الأزمة الاقتصادية وتدخلات دولية
في ظل الضغوط التضخمية المستمرة، قرر البنك المركزي المصري في اجتماعه الأخير الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. وأوضح البيان الصادر عن البنك أن لجنة السياسة النقدية قررت الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 27.25% و28.25% على التوالي، وسعر العملية الرئيسية للبنك عند 27.75%.
تلقت مصر دعماً مالياً كبيراً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول خليجية خلال عام 2024، مما ساعد في استقرار الاقتصاد إلى حد ما. كما حصلت على 24 مليار دولار من الإمارات عبر دفعتين، في أكبر صفقة استثمار مباشر لتنمية منطقة رأس الحكمة على البحر المتوسط. ومع ذلك، لا تزال البلاد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة مع ارتفاع الدين الخارجي إلى 160.6 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار.
ختاما ؛ مع تسارع التضخم في مصر بعد خفض دعم الوقود وارتفاع تكاليف النقل، تواجه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة قد تؤثر على خططها لخفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب. ورغم التدخلات الدولية والدعم المالي، يبقى التضخم أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في جهودها لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.