المواطنين. ارتفاع الأسعار، تزايد معدلات البطالة، وتضاؤل الفرص الاقتصادية دفعت الكثيرين إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة لكسب لقمة العيش. مع ازدياد الضغوط المالية والاجتماعية، تبدو الجريمة وكأنها أصبحت السبيل الوحيد للعديد من الأفراد لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يثير التساؤلات حول دور النظام في تفاقم هذه الظاهرة. الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة تتجلى في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية. في ظل هذه الأوضاع، بات المواطن البسيط يعاني من صعوبة تلبية احتياجاته الأساسية مثل الغذاء، المسكن، والتعليم، وحتى الخدمات الصحية. مع تزايد تكاليف المعيشة وتراجع قيمة الأجور، أصبحت القدرة الشرائية للمواطن المصري في تآكل مستمر. تلك الظروف لم تترك للمواطنين خيارًا سوى اللجوء إلى حلول قاسية ومؤلمة. إذ يعاني الكثيرون من البطالة أو يعملون بوظائف لا تدر دخلاً كافيًا لتغطية نفقات أسرهم. وفي ظل غياب الدعم الحكومي الحقيقي، لجأ البعض إلى ممارسات غير قانونية مثل السرقة، والاحتيال، والاتجار بالممنوعات كسبيل أخير لتوفير لقمة العيش. سياسات النظام القمعية بدلاً من العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية، لجأ النظام إلى سياسات قمعية تزيد من معاناة الشعب. الحكومة اعتمدت على فرض ضرائب ورسوم جديدة وزيادات متكررة في أسعار الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه والوقود، مما زاد من الأعباء المعيشية على كاهل المواطنين. وفي الوقت نفسه، تقاعست الدولة عن خلق فرص عمل حقيقية أو تقديم دعم فعلي للفئات الأكثر تضررًا من الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تعمد السلطات إلى استخدام القمع والاعتقال كأداة للتعامل مع المعارضة السياسية أو الاحتجاجات الشعبية. كلما حاول المواطنون التعبير عن استيائهم من السياسات الاقتصادية الفاشلة، يتم قمعهم بوحشية، ما يعزز الشعور بالإحباط والظلم. هذا المناخ القمعي يغذي التوتر الاجتماعي ويدفع الناس إلى البحث عن وسائل بديلة، حتى وإن كانت غير قانونية، للنجاة من براثن الفقر. الجريمة كملاذ أخير في ظل هذه الظروف، ارتفعت معدلات الجريمة بشكل ملحوظ في مصر. الجرائم الصغيرة مثل السرقة والسطو، بالإضافة إلى الجرائم الكبرى مثل الاتجار بالمخدرات، بدأت تزداد بين الفئات المهمشة والمحرومة. هؤلاء الأفراد، الذين يجدون أنفسهم محرومين من الفرص الاقتصادية، لا يجدون خيارًا سوى اللجوء إلى هذه الطرق لتأمين لقمة العيش. لا تقتصر هذه الظاهرة على الأفراد فقط، بل إن بعض العائلات بأكملها تجد نفسها مضطرة للتورط في أنشطة غير مشروعة. في ظل غياب أي دعم حقيقي من الحكومة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، يبدو أن الجريمة أصبحت هي الخيار الوحيد المتاح للكثيرين. والخطر الأكبر يتمثل في اتجاه بعض المتسولين والعاطلين عن العمل، ومن يعانون الجوع والفقر إلى خطف الأطفال والنساء وتجارة الأعضاء، ليتخطى ذلك حيز الخفاء في مصر، وبات الأمر علنياً تتداوله شبكة الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي. وأثار موقع إلكتروني، عُرف مؤخراً، يحمل اسم “سوق العرب”، ضجة كبيرة بمصر؛ إذ يتبنى بيع الأطفال، في حين أعلن المجلس القومى للطفولة والأمومة، التابع لوزارة الصحة والسكان، أنه توصَّل إلى أحد مرتكبي بيع الأطفال بمصر من خلاله. ويعرض الموقع أطفالا للبيع، يتراوح سعرهم بين 30 ألف جنيه و200 ألف جنيه للطفل؛ يُحدِّد السعر كون الطفل المعروض ذكرا أو أنثى، وحسب الحالة الصحية ولون الشعر والعينين والبشرة، حاملا شعار “لدينا أطفال للبيع من كل الأعمار للراغبين في التبني والشراء”. الأمر أحدث حالة من الرعب داخل المجتمع المصري، الذي يئنُّ بطبيعة الحال من انتشار خطف الأطفال واستخدامهم للتسول، والتجارة بهم وبأعضائهم. التأثيرات الاجتماعية والنفسية التحول إلى الجريمة لا يأتي دون تكلفة اجتماعية ونفسية عالية. تعاني الأسر التي تضطر للجوء إلى الجريمة من ضغوط هائلة، سواء من الناحية الأخلاقية أو النفسية. يعيش هؤلاء الأفراد في خوف دائم من الملاحقة القانونية، وهو ما يزيد من تدهور حالتهم النفسية ويزيد من تفكك المجتمع. في الوقت نفسه، يؤثر ارتفاع معدلات الجريمة على تماسك النسيج الاجتماعي. تصبح الثقة بين أفراد المجتمع مهزوزة، وتنتشر مظاهر العنف والعدائية في الحياة اليومية. هذه الأجواء تزيد من عزلة الأفراد وتجعل من الصعب على المجتمع استعادة استقراره. ختاما؛ في نهاية المطاف، فإن سياسات النظام القمعية والتدهور الاقتصادي هما السببان الرئيسيان اللذان يدفعان الشعب نحو الجريمة. ما لم تتخذ الحكومة خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمات، فإن معدلات الجريمة ستستمر في الارتفاع، وسيظل الشعب يعاني من الضغوط التي تجبره على اللجوء إلى سلوكيات غير قانونية لضمان البقاء.