في ظل استمرار الحرب على غزة، تتصاعد حملات المقاطعة الشعبية والنقابية في مصر ضد المنتجات والشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي. هذه الدعوات لاقت رواجًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت قوائم تحوي "بدائل محلية" للمنتجات المرتبطة بشركات تُتهم بتقديم الدعم لإسرائيل.
رغم القيود التي تفرضها منصات مثل "فيسبوك" و"إكس" على المحتوى المتعلق بالحرب في غزة، إلا أن دعوات المقاطعة تستمر في الانتشار. تُصنّف انتقادات الاحتلال الإسرائيلي كأفعال عنصرية على هذه المنصات، ما يؤدي إلى حذف المنشورات وتقييد الحسابات، ولكن هذا لم يثنِ النشطاء عن استخدام السبل المتاحة للتعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية.
وفقًا لبيانات السوق، شهدت شركة "كوكاكولا" في مصر انخفاضًا كبيرًا في مبيعاتها خلال الأشهر الستة الماضية، حيث تراجعت المبيعات بشكل ملحوظ مقارنة بارتفاع طفيف في نفس الفترة من العام الماضي. ويفسّر هذا الانخفاض بحملات المقاطعة التي يقودها المستهلكون ضد الشركات العالمية المتهمة بدعم إسرائيل. وتعد هذه المقاطعات جزءًا من حركة تضامن واسعة تشمل قطاعات واسعة من الشعب المصري.
من جهته، يستمر الأزهر الشريف في الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، حيث جدّد في الأسبوع الماضي دعوته للمسلمين في العالم إلى استخدام كافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك المقاطعة، لدعم الشعب الفلسطيني. وأكد الأزهر على أهمية تفعيل المقاطعة كوسيلة لحماية الدم الفلسطيني والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
الحكومة تطبع
في المقابل، يبدو أن الحكومة المصرية لم تتبنَّ هذه الدعوات الشعبية على مستوى العلاقات التجارية. فقد أظهرت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل قد شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من العام الجاري. ففي شهر يونيو/حزيران، وصلت قيمة التجارة بين البلدين إلى 35 مليون دولار، بزيادة 29 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل في النصف الأول من العام 246.6 مليون دولار، مسجلاً زيادة قدرها 53 بالمئة مقارنة بعام 2023. وتتركز الصادرات المصرية إلى إسرائيل في المنتجات الكيميائية، الملابس، والأغذية، إلى جانب منتجات معدنية وبلاستيكية. ومن جهة أخرى، تتركز الواردات المصرية من إسرائيل على مستلزمات تصنيع الملابس في إطار اتفاقية "الكويز".
دور اتفاقية "الكويز"
تستند العلاقات التجارية بين مصر وإسرائيل إلى اتفاقية "الكويز" التي تم توقيعها عام 2004. تُتيح هذه الاتفاقية دخول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأمريكية دون رسوم جمركية، بشرط احتواء المنتجات على نسبة معينة من المكوّنات الإسرائيلية. بدأت النسبة المطلوبة عند توقيع الاتفاقية بـ11.7 بالمئة، وتم تخفيضها لاحقًا إلى 10.5 بالمئة.
ورغم مرور أكثر من عقدين على الاتفاقية، إلا أن عدد المصانع المشاركة في "الكويز" انخفض بشكل ملحوظ، حيث لم يتجاوز 25 بالمئة من الشركات المسجلة. ومع ذلك، ساهمت الاتفاقية في تجاوز صادرات الكويز حاجز المليار دولار في السنوات الأخيرة، لكنها تواجه تحديات مثل عدم قدرة إسرائيل على توفير حصتها من مكونات الإنتاج.
يرى كثيرون أن استمرار مصر في تطبيق اتفاقية "الكويز" ورفع مستويات التبادل التجاري مع إسرائيل يُعقد موقف الحكومة في ظل دعوات المقاطعة الشعبية. ورغم الجهود الشعبية لفرض المقاطعة على المنتجات والشركات المرتبطة بإسرائيل، يبدو أن الحكومة المصرية ماضية في تعزيز علاقاتها التجارية مع تل أبيب، ما يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه المقاطعات في مواجهة السياسات الحكومية والتحديات الاقتصادية المرتبطة بها.
تشير التحليلات إلى أن الضغط الشعبي قد يساهم في تغيير بعض السياسات التجارية، لكن على المدى القصير، لا يبدو أن الحكومة المصرية مستعدة للتراجع عن اتفاقياتها الاقتصادية مع إسرائيل، خاصة في ظل استمرار دعمها لمشاريع اقتصادية تعزز من التعاون الإقليمي.