في الآونة الأخيرة، تزايدت الانتقادات تجاه الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي في السياسات الاقتصادية المصرية، حيث يُنظر إلى مصر وكأنها "طفل رضيع" تحت وصاية هذا الصندوق. هذا الوصف يعكس الشعور المتزايد لدى البعض بأن السياسات والقرارات الاقتصادية في البلاد أصبحت تعتمد بشكل كبير على توجيهات وتعليمات صندوق النقد الدولي، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية السياسات الاقتصادية المصرية.
أثار التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي بشأن نتائج المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري جدلاً واسعاً، حيث يظهر بشكل واضح كيف أن الصندوق بات يتصرف كوصي على مصر، مفروضاً شروطه وإملاءاته دون مراعاة حقيقية للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعاني منها البلاد.

تأثير صندوق النقد الدولي:
منذ بدء التعاون مع صندوق النقد الدولي، أصبحت مصر تعتمد بشكل كبير على القروض والمساعدات التي يقدمها الصندوق. في مقابل هذه المساعدات، تُلزَم الحكومة بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي غالبًا ما تشمل تقليص الدعم، رفع الأسعار، وفرض سياسات تقشفية. هذه السياسات، بينما تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي على المدى الطويل، تسببت في معاناة كبيرة للمواطنين الذين يجدون أنفسهم تحت ضغط اقتصادي متزايد.
ويبدو أن صندوق النقد الدولي يركز على تحقيق أهدافه المالية بشكل أساسي، مثل استعادة أمواله وضمان سداد أسعار الفائدة المستحقة، دون مراعاة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين. يتجلى هذا في مطالبه التي تشمل إلغاء الدعم المقدم لمشتقات الوقود مثل البنزين والسولار، وبيع أصول الدولة، وزيادة الإيرادات الضريبية. يبدو أن الصندوق يسعى إلى زيادة الموارد المالية للدولة دون النظر إلى التأثير السلبي لهذه الإجراءات على معيشة المواطنين وعلى الأنشطة الاقتصادية.
إملاءات على الحكومة:
التقرير يكشف عن محاولات الصندوق التدخل بشكل ملحوظ في الشؤون الداخلية لمصر، بما في ذلك السيطرة على قرارات البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية. يطالب الصندوق بإلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره إلى مستوى التكلفة العالمية، وهو ما قد يفاقم معاناة المصريين. كما يصر على سرعة بيع الأصول وتوسيع قاعدة الإيرادات الضريبية، ويطالب الحكومة بسداد المتأخرات لشركات النفط وفتح الأسواق لاستيراد السلع التي قد تضع ضغطًا إضافيًا على العملة المحلية. 
وهناك اعتقاد متزايد أن الحكومة المصرية أصبحت تحت وصاية صندوق النقد الدولي، حيث تُفرض عليها سياسات قد لا تتماشى دائمًا مع احتياجات المواطنين أو الظروف المحلية. يزعم المنتقدون أن هذه السياسات تُطبق دون مراعاة كافية للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، مما يجعل المواطن المصري في مواجهة صعوبات اقتصادية إضافية. النقد الرئيسي هنا هو أن الحكومة قد تكون أكثر اهتمامًا بتنفيذ توجيهات الصندوق بدلاً من تلبية احتياجات الشعب.
تؤدي السياسات التي يوصي بها صندوق النقد الدولي، مثل رفع أسعار السلع الأساسية وإلغاء الدعم، إلى زيادة الأعباء المالية على المواطنين، وخاصة على الفئات ذات الدخل المحدود. هذه السياسات تؤدي إلى تضخم الأسعار وتزيد من معاناة المواطنين الذين يواجهون بالفعل صعوبات اقتصادية. علاوة على ذلك، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات المختلفة في المجتمع.
تخفيف الشروط أم المزيد من التحكم؟
على الرغم من إعلان الصندوق عن تخفيف بعض الشروط، مثل منح الحكومة وقتًا إضافيًا لتنفيذ الإصلاحات، إلا أن التخفيفات لا تتجاوز التعديلات الطفيفة على الشروط الصارمة. الإصرار على تحرير أسعار الوقود ووقف الدعم تماماً بحلول نهاية عام 2025، والتوجه نحو خفض الدعم عن السلع التموينية، وزيادة الوعاء الضريبي، لا يزال يشير إلى محاولات الصندوق لترسيخ وصايته على الاقتصاد المصري. 
في هذا السياق، يبرز التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على استعادة استقلاليتها الاقتصادية وتطوير سياسات تتناسب مع الواقع المحلي دون الاعتماد المفرط على صندوق النقد الدولي. يُنظر إلى هذا التعاون مع الصندوق على أنه ضروري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولكن هناك دعوات لضرورة إيجاد توازن بين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وضمان حماية حقوق المواطنين واحتياجاتهم الأساسية.
بالمجمل، يعتبر البعض أن التعاون مع صندوق النقد الدولي قد جعل من مصر "طفلًا رضيعًا" تحت وصاية الصندوق، حيث يُفرض عليها تنفيذ سياسات قد لا تعكس دائمًا مصالح الشعب. يتطلب الوضع الحالي إعادة تقييم كيفية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وضمان أن تكون السياسات الاقتصادية متوازنة وشاملة بحيث تأخذ في اعتبارها احتياجات المواطنين وتعمل على تحسين الظروف المعيشية للجميع.
ختاما؛
في ضوء هذا التدخل الواضح، يظل السؤال البارز: هل ستستمر الحكومة المصرية في الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي وتقديم تنازلات تؤثر سلباً على المواطنين والاقتصاد، أم أنها ستتخذ موقفاً قوياً وتفرض استقلاليتها في اتخاذ القرارات؟ في ظل الظروف الراهنة، من الضروري أن تكون هناك مراجعة جادة لتوازن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي، لضمان عدم المساس بمصالح المواطنين وبالاستقرار الاقتصادي للبلاد.