بينما تواصل إثيوبيا تقدمها في عملية الانتقال من مرحلة بناء سد النهضة إلى مرحلة التشغيل الفعلي، بدأت القاهرة في اتخاذ خطوات عملية في القرن الأفريقي، تهدف إلى الضغط على أديس أبابا في مناطق مصالحها المباشرة. وقد أظهرت مشاهد فيديو وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز (C-130) إلى مطار مقديشو محملتين بأسلحة وذخيرة، مما يعكس تصاعد التوترات الإقليمية بين البلدين. في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بياناً، الثلاثاء الماضي، أكدت فيه أنها "تراقب عن كثب التطورات في منطقة القرن الأفريقي التي قد تهدد أمنها القومي". وأعربت عن قلقها من تحول بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) إلى بعثة دعم سلام جديدة، معتبرةً أن هذا التحول يشكل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة. وأكد البيان أن إثيوبيا "لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ جهات فاعلة أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة"، مشددة على أنها "لا يمكنها التسامح مع أي أعمال تعرض المكاسب التي تحققت ضد الجماعات الإرهابية للخطر". على صعيد آخر، أعلنت إثيوبيا تشغيل توربينين جديدين في سد النهضة وفتح قنوات إضافية، مما يمنحها تحكماً شبه كامل في كمية المياه المتدفقة إلى السودان ومصر. وصرح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بأن هذه الخطوات تأتي ضمن الخطة الموضوعة لتشغيل السد بكامل طاقته، مشيراً إلى أن فتح القنوات أدى إلى إطلاق 2800 متر مكعب إضافي من المياه في الثانية. في هذا السياق، تشير معلومات حصلت عليها صحيفة "العربي الجديد" إلى أن القاهرة قامت مؤخراً بخطوات عملية في مناطق المصالح الإثيوبية في القرن الأفريقي، حيث بدأ تنفيذ البروتوكول العسكري المصري الصومالي الذي تم توقيعه في أغسطس/آب الماضي بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي وحسن شيخ محمود. وتضمنت هذه التحركات وصول قطع بحرية عسكرية تركية إلى السواحل المصرية، تمهيداً للتوجه نحو السواحل الصومالية برفقة قطع بحرية مصرية مقاتلة، في إطار التنسيق العسكري بين القاهرة وأنقرة. وتعتبر هذه الخطوة أول تنسيق عسكري بين مصر وتركيا منذ استعادة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة استمرت 10 سنوات. ومن المتوقع أن يتوجه الرئيس السيسي إلى أنقرة في سبتمبر/أيلول المقبل لعقد قمة مصرية تركية مع الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث سيتناول الجانبان القضايا الاستراتيجية المشتركة، بما في ذلك تطورات الأوضاع في القرن الأفريقي. يحمل هذا التحرك العسكري المصري نحو القرن الأفريقي رسائل متعددة، أولها إلى إثيوبيا التي تتبنى موقفاً متعنتاً في قضية سد النهضة، مشددة على رفضها توقيع اتفاق قانوني ملزم مع مصر والسودان بشأن تشغيل وإدارة السد. كما تتضمن هذه التحركات رسالة إلى الإمارات التي أبرمت اتفاقاً مع إثيوبيا، يمكن بموجبه أن تصل الأخيرة، المحرومة من منافذ بحرية، إلى البحر الأحمر. في هذا الإطار، قال الدكتور عمار فايد، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، إن التنسيق المصري التركي في القرن الأفريقي لا يزال في مراحله الأولية، مشيراً إلى أن تركيا تميل إلى دور الوساطة بين إثيوبيا والصومال، بينما مصر تركز على تعزيز قدرات مقديشو لمقاومة خطط إثيوبيا التوسعية. وأضاف أن مصر وتركيا تشتركان في مصلحة دعم جهود الصومال لمكافحة جماعة الشباب. من جهته، أشار الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى أن الأزمة بين مصر وإثيوبيا مرتبطة بشكل رئيسي بمشروع سد النهضة، وأن إثيوبيا تعتبر أن موضوع السد محسوم بالكامل من جانبها. وأكد أن تركيا لن تتدخل بشكل مباشر في الأزمة بين مصر وإثيوبيا، بل ستركز على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. ا

