توسع أمريكا بهدوء حربها علي الإرهاب نحو الجبهة الأفريقية. فقبل عامين، أنشأت الولايات المتحدة الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب، مع تسعة بلدان في وسط أفريقيا وغربها. ليس هناك وجود دائم، لكن الأمل هو في توليد الدعم والقضاء علي التطرف عبر تشاطر الأسلحة والتكتيكات الأمريكية مع الأنظمة الصديقة وكسب الأصدقاء من خلال نظام إنساني واسع النطاق من إعداد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لاسيما بناء الآبار والتدريب المهني. ففي بلدان مثل تشاد، تدرب القوات الخاصة الأمريكية الشرطة أو حرس الحدود وتسلحهم مستخدمة ما تسميه مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب . يقول السيرجنت كريس رورك، وهو من جنود الاحتياط في الجيش الأمريكي في وحدة الشؤون المدنية الأمريكية المؤلفة من 12 عنصرا، ويعيش في دير داوا في شرق أثيوبيا إن المسألة تُختصَر بما يأتي: إنه فيلق السلام مع سلاح .
وفي وقت ما في الأشهر المقبلة، وبعد عملية دقيقة لاختيار دولة شريكة جيدة، تنوي الولايات المتحدة إنشاء مقر جديد في أفريقيا ليتولي قيادة هذه المعركة المسلحة للفوز بالقلوب والعقول والقبض علي المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية. يقول البنتاغون إن القيادة الأفريقية أفريكوم أول قيادة استراتيجية أمريكية جديدة يتم إنشاؤها منذ عام 2002 ستدمج البرامج الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية القائمة في رؤية استراتيجية موحدة لأفريقيا، وتحفًّز اهتماما أكبر بالمشاغل الأمريكية المتعلقة بالطاقة وجمع المعلومات الاستخباراتية في القارة التي يتم تجاهلها منذ وقت طويل، وترفع مصالح الولايات المتحدة في أفريقيا إلي مستوي الأهمية نفسه الذي تتمتع به مصالحها في آسيا والشرق الأوسط. وتنضم أفريكوم إلي 10 قيادات أخري لاسيما القيادة المركزية سنتكوم في ولاية فلوريدا التي أصبحت الآن مركز التوجيه الشهير للعمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق. وليس مفاجئا أن إنشاء قاعدة أمريكية أساسية في أفريقيا يثير انتقادات جديدة من الأوروبيين والأفارقة الذين ينتقدون الامبريالية الأمريكية المفرطة.
يقول البنتاغون إن القيادة الأفريقية ستجعل حملته للفوز بالقلوب والعقول أقرب إلي الناس بينما يقول النقاد إنها تجسد عسكرة السياسة الأفريقية للولايات المتحدة. وقد حددت الأخيرة أن الساحل، الذي يمتد غربا من أريتريا عبر الجزء الأكبر من أفريقيا، هو المنطقة الحساسة المقبلة في الحرب علي الإرهاب، وباشرت العمل مع الحكومات القمعية لاسيما في تشاد والجزائر من أجل تعزيز مصالحها هناك. ويعتبر حلفاء أمريكا القلقون أن القيادة الأفريقية لن تفعل سوي تعزيز الروابط الأمريكية مع الأنظمة البغيضة لاسيما الإثيوبيين، الذين أصبحوا وكلاء الولايات المتحدة في حرب أهلية متوسعة في الصومال من خلال إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب علي حساب التنمية والدبلوماسية.
ومن بين الدول التي غالبا ما تُذكَر أسماؤها كمرشحة لاستضافة مقر القيادة الأفريقية: غانا وليبيريا وتنزانيا وأثيوبيا، التي تملك الآن واحدا من أسوأ السجلات في مجال حقوق الإنسان في أفريقيا. يقول مسؤول أوروبي تحدث مع نيوزويك شرط عدم الكشف عن هويته: إذا كان هناك جنود يعانقون الأشجار ويدهنون المستشفيات في الوقت نفسه الذي يقتلون فيه الأشخاص، ستتغير كثيرا نظرة السكان المحليين .
في الواقع، توسعت آثار الأقدام العسكرية الأمريكية في أفريقيا إلي حد كبير في الأعوام الأخيرة، حيث لم يكن للقوات المسلحة وجود دائم في أي مكان في القارة عام 2001. ولكن بعد عامين، بدأ نحو 1800عنصر مدني وعسكري في قوة خاصة مشتركة يعملون انطلاقا من معسكر لومونيي في جيبوتي. وهم مسؤولون عن 10 بلدان في شرق أفريقيا. ويتطلعون الآن إلي التوسع أكثر. فقد علمت نيوزويك أن فرق الشؤون المدنية في جيبوتي تفاوض من أجل دخول السودان.
من شأن القيادة الأفريقية أن تلتقط هذه الجهود المجزّأة وتوسّعها إلي حد كبير. والخطوط العريضة باتت واضحة للعيان. في ديرداوا، يعيش 12 جنديا من جنود الاحتياط والحرس الوطني في الجيش الأمريكي يقومون بمهمة تمتد علي مدار السنة، في منزل من أربعة طوابق يُستعمَل قاعدة ومنزلا في الوقت نفسه. وفي كل صباح يرفعون علمَين: الأثيوبي والأمريكي. وبميزانية تبلغ مليون دولار، يأملون بناء ما يكفي من المدارس والآبار والجسور لجعل القادة المحليين الأساسيين وشيوخ العشائر والشبان العاطلين عن العمل، يؤيدون رؤيتهم عن مستقبل أثيوبيا. فيصبح عندئذي بإمكان القيادة الأفريقية مع ضباطها وخبرتها المدنية، أن تدمج تلك الجهود الأصغر نطاقا مع أهداف استراتجية أوسع عبر القارة، فتتشاطر المعلومات الاستخباراتية وتسرًّع الاتصالات. المثير للدهشة هو أن الصين تملك الآن عددا من السفارات والقنصليات وبالتالي من مراكز التنصت في أفريقيا أكبر من ذاك الذي تملكه الولايات المتحدة.
لكنه عمل محبط ويصطدم بعراقيل. ففي بلدة هورسو، معظم السكان محرومون من مياه الشرب، وهكذا أنفق الفريق 98000 دولار لبناء بئر في موقع اختاره عالم هيدرولوجي مقره واشنطن. (فشل البئر، ويتفاوض الفريق علي عقد آخر). وفي ميليكاجبدو المجاورة، يبني الفريق مدرسة تضم 19 قاعة للدراسة لكن البناء توقف لأن لا أحد يستطيع إيجاد طريقة لربط المدرسة التي تبلغ كلفتها 463000 دولار إلكترونيا بأثيوبيا. وفي عيادة في واحيل، وهي قرية ذات غالبية مسلمة، نجد كمبيوترا تغطيه ملصقات كُتب عليها هبة من الشعب الأمريكي ، لكنه لا يُستعمَل لأن المولًّد ضعيف جدا. يقول قائد المجموعة، اللفتنانت كولونيل جوزيف غامبل، البالغ من العمر 57 عاما، وهو احتياطي في الجيش الأمريكي: يندرج هذا كله في إطار الحرب العالمية علي الإرهاب .
يعتبر بعض المحللين أنه من شأن القيادة الأفريقية أن تعزز صورة أمريكا عبر ممارسة سلطة أكبر انطلاقا من موقع مركزي. فهي لن تنسق مكافحة الإرهاب والمساعدات وحسب، بل ستؤمن سيطرة مركزية علي العمليات العسكرية الأمريكية في أفريقيا، التي تتولاها الآن ثلاث قيادات منفصلة: أوروبا والقيادة المركزية والهادئ. يقول روبرت روتبيرغ، وهو متخصص في الشؤون الأفريقية في جامعة هارفارد: يجب أن ترحّب أفريقيا بهذا الأمر. فمن شأن القيادة الأفريقية أن تتيح مزيدا من التدريب وعمليات صنع السلام وتسوية النزاعات إلي جانب الجيوش الأفريقية .
المشكلة هي أنه يبدو، أكثر فأكثر، أن القادة الأفارقة لا يريدون أفريكوم. فهم يعتبرونها المرحلة المقبلة في الحرب علي الإرهاب طريقة لمطاردة الجهاديين داخل الدول الأفريقية الضعيفة أو المتعثرة، التي وصفها الكثير من المسؤولين الأمريكيين بأنها أراض خصبة للإرهاب.
ويقلقون من أن يتفوق تدفق السلاح علي تدفق المساعدات، وأن تزعزع مكافحة الإرهاب الأمريكية أكثر فأكثر استقرار منطقة معرضة أصلا للحروب الأهلية. قبل أسبوعين، دعا وزير الدفاع في جنوب أفريقيا، موسيوا ليكوتا، إلي حظر قاري لأفريكوم وقال إن 14 دولة في أفريقيا الجنوبية لاسيما جنوب أفريقيا وزامبيا وتنزانيا سوف ترفض وجود قوات أجنبية .
ورفض مسؤولون كبار في جنوب أفريقيا لقاء الجنرال ويليام (كيب) وورد، الذي عيّنه الرئيس جورج دبليو بوش أخيرا رئيسا للقيادة الأفريقية المزمع إنشاؤها. أقرت جندايي فريزر، مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية، لنيوزويك: أظن أن البلدان متوترة جدا بشأن ما تعنيه أفريكوم .
علي الأرجح فإن مصدر القلق الأكبر هو سجل الولايات المتحدة الأخير في القرن الأفريقي، حيث تطبق واشنطن سياسة تزداد عسكرة منذ أكثر من عام وتعود بنتائج كارثية. فقد تدخلت الولايات المتحدة مرتين في الصومال العام الماضي أولا عبر دعم أمراء الحرب المحليين ثم دعم اجتياح أثيوبي بهدف تقويض نظام اتحاد المحاكم الإسلامية الأصولي الذي تتهمه واشنطن بإقامة روابط مع تنظيم القاعدة.
وقد اندلع قتال عنيف في مقديشو منذ ذلك الوقت، وهو ما أدي إلي مقتل مئات المدنيين الأبرياء وتشريد نحو 400000 شخص من منازلهم من دون إطاحة الإسلاميين في شكل نهائي. ومنيت المحاولات الأمريكية والأوروبية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بفشل ذريع.
والآن يمتد النزاع غربا في اتجاه أثيوبيا حيث تبلغ التشنجات بين السكان من أصل صومالي والإثيوبيين ذروتها وشمالا نحو أريتريا، التي تتهمها الولايات المتحدة بإيواء عملاء لتنظيم القاعدة تجمعهم صلات باتحاد المحاكم الإسلامية.
وإدارة بوش الآن علي وشك تصنيف أريتريا، التي كانت في السابق حليفة للولايات المتحدة، دولة راعية للإرهاب. لا يساعد أي من هذا واشنطن علي تسويق فكرة أن أفريكوم ستكون قوة للسلام. يقول مسؤول أمريكي رفيع المستوي في أثيوبيا علّق علي المسألة شرط عدم ذكر اسمه: قمنا بعمل مروًّع ونحن نحاول إيصال رسالتنا في الحرب علي الإرهاب. لقد تركنا ساحة المعركة لهذه العناصر المتطرفة 
أحد الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن ومن شأن إنشاء القيادة الأفريقية أن يجعل الخطأ مضاعفا هو الاعتماد بقوة علي أثيوبيا.
فرئيس الوزراء ميليس زيناوي، الذي وصفه الرئيس بيل كلنتون قبل 10 أعوام بأنه ينتمي إلي الجيل الجديد من القادة الأفارقة ، يملك الآن واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في أفريقيا. فالشرطة السرية تقمع المعارضين بينما تلجأ حكومة ميليس إلي الترهيب لإبعاد منظمات المساعدات الدولية، حيث عمدت الأسبوع الماضي إلي طرد منظمة أطباء بلا حدود الخيرية من منطقة الحدود الشرقية المتنازع عليها.
ومن شأن مخاوف مماثلة في أماكن أخري أن تجعل من الصعب علي أفريكوم أن تجد قاعدة دائمة في أفريقيا. لكن علي الأرجح أنه ستكون هناك دائما بلدان مستعدة لاستضافتها. فقد عرضت الرئيسة الليبيرية إيلين جونسون سيرليف، أن تكون بلادها مقرا للقيادة الأفريقية. وتقول فريزر إنها واثقة من أن أفريكوم ستجد مقرا لها في مكان ما في القارة الأفريقية. لكن مع كل هذه العداوة، قد لا تشعر أبدا بأنه مرحَّب بها.