طور الباحثون مجهرا استشعاعيا (فلوريا) جديدا ثنائي الفوتون، يلتقط صورا عالية السرعة للنشاط العصبي بدقة على مستوى الخلية، من خلال التصوير بشكل أسرع بكثير وبأقل ضرر لأنسجة الدماغ من المجهر ثنائي الفوتون التقليدي.

بحسب تقرير نشره موقع "scitechdaily" ، فإنه يمكن أن يوفر النهج الجديد رؤية أوضح لكيفية تواصل الخلايا العصبية في الوقت الفعلي، مما يؤدي إلى رؤى جديدة حول وظيفة الدماغ والأمراض العصبية. 

قال قائد فريق البحث ويجيان يانغ من جامعة كاليفورنيا، ديفيس؛ إن "مجهرنا الجديد مناسب بشكل مثالي لدراسة ديناميكيات الشبكات العصبية في الوقت الفعلي، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم وظائف الدماغ الأساسية مثل التعلم والذاكرة واتخاذ القرار. على سبيل المثال، يمكن للباحثين استخدامه لمراقبة النشاط العصبي في أثناء التعلم لفهم أفضل للتواصل والتفاعل بين الخلايا العصبية المختلفة في أثناء هذه العملية". 
يصف الباحثون المجهر الفلوري الجديد ثنائي الفوتون، في مجلة "Optica" العلمية، الذي يتضمن أسلوب اختيار عينات تكيفي جديد، ويستبدل الإضاءة النُقطية التقليدية بإضاءة خطّية. ويظهرون أن الطريقة الجديدة تمكن من التصوير الحيوي للنشاط العصبي في غشاء مخ الفأر، ويمكنها التصوير بسرعات أسرع بعشر مرات من المجهر ثنائي الفوتون التقليدي، مع تقليل قوة الليزر على الدماغ بأكثر من عشرة أضعاف. 

قال يونيانغ لي، المؤلف الأول للورقة البحثية: "من خلال توفير أداة يمكنها مراقبة النشاط العصبي في الوقت الفعلي، يمكن استخدام تقنيتنا لدراسة الأمراض في المراحل المبكرة. يمكن أن يساعد هذا الباحثين على فهم أفضل، وعلاج أكثر فعالية للأمراض العصبية مثل الزهايمر وباركنسون والصرع".

يمكن للمجهر ثنائي الفوتون التقليدي تصوير الأنسجة المتناثرة بعمق، مثل دماغ الفأر عن طريق مسح نقطة صغيرة من الضوء عبر منطقة العينة بأكملها لإثارة الاستشعاع، ثم جمع الإشارة الناتجة نقطة بنقطة. ثم تتكرر هذه العملية لالتقاط كل صورة. على الرغم من أن المجهر ثنائي الفوتون التقليدي يوفر صورا مفصلة، إلا أنه بطيء ويمكن أن يتلف أنسجة المخ. 

في العمل الجديد، هدف الباحثون إلى التغلب على هذه القيود، من خلال استراتيجية أخذ عينات جديدة، فبدلا من استخدام نقطة ضوء، استخدموا خطا قصيرا من الضوء لإضاءة أجزاء معينة من الدماغ، حيث تكون الخلايا العصبية نشطة، وهذا يتيح إثارة منطقة أكبر وتصويرها في وقت واحد، ومن ثم تسريع عملية التصوير بشكل كبير. أيضا، نظرا لأنه يصور الخلايا العصبية ذات الأهمية فقط -وليس الخلفية أو المناطق غير النشطة-، يتم تقليل إجمالي طاقة الضوء المودعة في أنسجة المخ، مما يقلل من خطر التلف المحتمل. أطلقوا على هذا الأسلوب أخذ العينات التكيفي. 

حقق الباحثون ذلك باستخدام جهاز مرآة رقمية دقيقة (DMD) -شريحة إلكترونية تحتوي على آلاف المرايا الصغيرة التي يمكن التحكم فيها بشكل فردي-، لتشكيل وتوجيه شعاع الضوء بشكل ديناميكي، مما يتيح استهدافا دقيقا للخلايا العصبية النشطة. لقد حققوا أسلوب أخذ عينات تكيفي، من خلال تشغيل وإيقاف تشغيل نقاط (بكسلات) DMD فردية، بطريقة تتكيف مع البنية العصبية لأنسجة المخ التي يتم تصويرها. 

كما طور الباحثون تقنية لاستخدام DMD لمحاكاة المسح النقطي عالي الدقة. وهذا يسمح بإعادة بناء صورة عالية الدقة من عمليات المسح السريعة، مما يوفر طريقة سريعة لتحديد المناطق العصبية ذات الاهتمام. وهذا أمر بالغ الأهمية للتصوير عالي السرعة اللاحق باستخدام إثارة خطوط قصيرة وأسلوب اختيار العينات التكيفي. 

وقال يانغ: "تتجمع هذه التطورات -كل منها حاسمة في حد ذاتها-، لإنشاء أداة تصوير قوية تعمل على تعزيز القدرة على دراسة العمليات العصبية الديناميكية في الوقت الفعلي بشكل كبير، مع تقليل المخاطر على الأنسجة الحية. والأمر المهم، هو أنه يمكن دمج تقنيتنا مع تقنيات أخرى، مثل إرسال الحزم والتركيز عن بعد لزيادة سرعة التصوير، أو تحقيق التصوير ثلاثي الأبعاد الحجمي". 


عرض الباحثون المجهر الجديد باستخدامه لتصوير إشارات الكالسيوم -مؤشرات النشاط العصبي- في أنسجة دماغ فأر حي. وقد تمكن النظام من التقاط هذه الإشارات بسرعة 198 ذبذبة في الثانية، وهي سرعة أسرع بشكل ملحوظ من المجاهر التقليدية ثنائية الفوتون، كما أنها تظهر القدرة على مراقبة الأحداث العصبية السريعة التي قد تفوتها طرق التصوير الأبطأ. 

كما أظهروا أن تقنية الإثارة الخطية التكيفية إلى جانب الخوارزميات الحسابية المتقدمة، تجعل من الممكن عزل نشاط الخلايا العصبية الفردية، وهذا مهم لتفسير التفاعلات العصبية المعقدة بدقة، وفهم البنية الوظيفية للدماغ.
بعد ذلك، يعمل الباحثون على دمج قدرات التصوير بالجهد (الفولتية) في المجهر، لالتقاط قراءة مباشرة وسريعة للغاية للنشاط العصبي. كما يخططون لاستخدام الطريقة الجديدة لتطبيقات علم الأعصاب الحقيقية، مثل مراقبة النشاط العصبي في أثناء التعلم، ودراسة نشاط الدماغ في حالات المرض. بالإضافة إلى ذلك، يهدفون إلى تحسين سهولة استخدام المجهر وتقليل حجمه، لتعزيز فائدته في أبحاث علم الأعصاب.