تترقب مصر، اليوم إتمام المراجعة الثالثة لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي، التي يعد الحفاظ على مرونة سعر الصرف أحد أبرز شروطها، في وقت يرى خبراء أن الضغوط التضخمية الناتجة عن الإجراءات الإصلاحية المطلوبة بمقتضى الاتفاق تمثل ضغطًا على قيمة الجنيه، في وقت تعكس فيه حركة التجارة استمرار ندرة الدولار، وإن كان بوتيرة أقل حدة من الأزمة السابقة.

مؤشرات على مصاعب توفير العملة الصعبة
رغم تحول صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي إلى الفائض في مايو/أيار الماضي، منذ يناير/كانون الثاني 2022، فإن حركة استيراد السيارات شهدت عثرات خلال الأشهر الأخيرة، وأشارت تقارير صحفية إلى صدور توجيهات غير معلنة بالحد من الاستيراد، وهو ما تنفيه مصلحة الجمارك.

من جهة أخرى، قالت شعبة المستلزمات الطبية إن تعليمات شفهية من البنك المركزي أخرت دخول بعض واردات الشعبة.

تأتي مصاعب الاستيراد بعد شهور قليلة من إعلان صفقة الاستثمار الإماراتية الضخمة في مدينة رأس الحكمة، التي حفزت من تفاؤل المراقبين بانفراج أزمة شح النقد الأجنبي المتصاعدة منذ 2022، خصوصًا مع إعلان صندوق النقد الدولي في مارس/آذار الماضي عن زيادة قيمة قرضه لمصر من ثلاثة مليارات دولار إلى ثمانية مليارات دولار.

"من الملاحظ وجود قيود في الوقت الراهن على استيراد عدد من السلع ومدخلات الإنتاج من أجل تخفيف الطلب على العملة الصعبة، والتركيز على توجيه رصيد البلاد من النقد الأجنبي لاستيراد المواد البترولية والسلع الاستراتيجية مثل القمح"، كما تقول محللة الاقتصاد الكلي منى بدير لـ المنصة.

وكان ميزان المدفوعات عن تسعة أشهر من العام المالي 2023-2024 أظهر تراجعًا قويًا في الصادرات البترولية، وإيرادات قناة السويس، حيث سجلت إيرادات القناة انخفاضًا بـ57.2% خلال الربع الأول من العام الجاري بسبب اضطرابات البحر الأحمر.

وتضيف بدير "نواجه فجوة تمويلية بالنقد الأجنبي وعجزًا متزايدًا في الميزان التجاري بسبب تراجع صادرات الغاز، واللجوء إلى استيراد شحنات بقيمة 1.2 مليار دولار لتغذية محطات الكهرباء ما يؤثر على الميزان البترولي بشكل واضح".

وتشير إلى أن القطاع الصناعي في الوقت الراهن بات "يواجه صعوبات بسبب عدم قدرته على توفير مكونات الإنتاج التي يستورد 37% منها من الخارج، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تراجع سعر العملة المصرية".

"لا نستطيع أن ننكر أحد أبعاد سياسات البنك المركزي، التي تنصب على تخفيف الضغط على النقد الأجنبي بفرض قيود على بعض السلع مثل السيارات، وهو أمر يجب أن يستمر لتفادي تجدد مشكلة عدم وفرة الدولار"، وفقًا لحديث خبير الاقتصاد والاستثمار الدكتور مدحت نافع لـ المنصة.

وقال تجار سيارات في تصريحات سابقة لـ المنصة إن مصاعب الاستيراد تسببت في عودة ظاهرة الأوفر برايس، التي كانت شائعة قبل إعلان صفقة رأس الحكمة.

كم سيتحرك الجنيه؟
وبينما تجري الحكومة اتصالات مكثفة مع صندوق النقد الدولي للحيلولة دون تعثر المراجعة الثالثة للاتفاق، مثلما جرى للمراجعتين الأولى والثانية، يرى خبراء أن توصيات الصندوق ستتسبب في ضغوط تضخمية قد تؤدي لانخفاض جديد للجنيه.

ويصل سعر الصرف الرسمي للدولار في البنوك في الوقت الراهن إلى 48.28 جنيه.

"الضغوط التضخمية الناجمة عن رفع أسعار الوقود الخميس الماضي، والزيادة المرتقبة في أسعار بيع الكهرباء والأدوية ستُفقد الجنيه أكثر من 10% من قيمته وتدفعه للهبوط حتى 53 جنيهًا مقابل الدولار العام المقبل، ومن المرجح أن يواصل التراجع إلى مستوى 58-59 جنيهًا في عام 2026"، كما يقول رئيس وحدة البحوث في شركة أسطول لتداول الأوراق المالية محمد عبد الحكيم لـ المنصة.

وهو ما تتفق معه بدير بأن القيود المفروضة على استيراد السلع تنبئ بأن سعر الجنيه لن يظل ثابتًا قرب المستوى الحالي، متوقعة "أن يتراجع سعر العملة المصرية مقابل نظيرتها الأمريكية إلى حدود 52-53 جنيهًا في عام 2025".

وتقول بدير "توجد ضغوط كبيرة ناجمة عن مدفوعات الدين التي تؤثر بشكل واضح على العملة، وبالرغم من أن تحويلات المصريين بالخارج بدأت في التعافي، ما زالت معدلات نموها أقل مما كانت عليه قبل عام 2022".

وكان مصدر بارز في وزارة المالية قال لـالمنصة في تصريحات سابقة إن الحكومة تسعى لتطبيق زيادات في سعر الطاقة، وتخفيضات تدريجية للجنيه أمام الدولار خلال الفترة المقبلة للالتزام بتعهداتها الإصلاحية أمام صندوق النقد الدولي.

ورفعت مصر أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود قبل أيام من إتمام صندوق النقد الدولي للمراجعة الثالثة المقررة في 29 يوليو/تموز الجاري.

وقدّر صندوق النقد في أبريل/نيسان الماضي أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه في العام المالي 2023-2024 إلى 245 مليار جنيه في 2024-2025.
وتقول سهر الدماطي، النائب السابق لرئيس بنك مصر إن "متطلبات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن المواطنين ستؤثر على الأسعار وتساهم في زيادة معدلات التضخم، التي بدورها ستؤثر في سعر الجنيه".

وأكدت الدماطي أن سعر الجنيه المصري في الوقت الراهن عادل أمام كل العملات الأجنبية، ولن يتحرك بمستويات بارزة قبل نهاية العام الجاري. متوقعة أن تستقر العملة المصرية في منطقة 48 لـ50 جنيهًا مقابل الدولار العام المقبل "بدعم من توقعات سداد الدولة ديونًا تصل لأكثر من 30 مليار دولار خلال العام الجاري، وانخفاض مبالغ خدمة الدين خلال الأعوام المقبلة، ما يقلل الضغط على عجز الموازنة والنقد الأجنبي في آنٍ واحد".

وكشف البنك المركزي الأسبوع الماضي عن تراجع الدين الخارجي لمصر إلى 153.86 مليار دولار أمريكي في نهاية مايو/أيار 2024 بانخفاض 14.17 مليار دولار خلال خمسة أشهر.

وعلى الجانب الآخر يرجح نافع أن "يتقهقر سعر صرف الجنيه الفترة المقبلة على فترات، نتيجة الضغوط المستمرة التي يشهدها الاقتصاد، ولكن من المستبعد لجوء البنك المركزي إلى تعويم جديد لسعر الصرف خلال العامين المقبلين، انطلاقًا من انتهاجه سياسة التحرك المرن للجنيه أمام العملات الأجنبية في حدود يقبلها وضع الدولة الدولاري".

هل تعود السوق الموازية؟
وتطرح الضغوط المتزايدة على سعر صرف الجنيه والقيود المفروضة على الواردات تساؤلًا حول احتمالية ظهور السوق الموازية للجنيه مجددًا، التي اختفت عقب اتخاذ البنك المركزي في مارس الماضي قرارًا برفع السعر الرسمي للدولار إلى مستويات قريبة من السوق الموازية، ورفع الفائدة بمقدار 6%.

ويقول نافع "في حالة سحب الدولار بشكل كبير لسداد الديون وتغطية الواردات دون مراجعة وتدقيق ستظهر من جديد السوق الموازية، وسيتجاوز سعر الدولار المستويات القياسية التي حققها قبل مارس الماضي". 

وكان سعر الدولار قد سجل أكثر من 70 جنيهًا بالسوق الموازية هذا العام.

أما عبد الحكيم فيستبعد عودة السوق الموازية للدولار في الفترة القريبة المقبلة، ويرجع ذلك إلى "تبني البنك المركزي سياسة العرض والطلب في تدبير الدولار والسماح بتحرك سعر الصرف وفق مقتضيات السوق".

وهو الرأي الذي تؤيده النائبة السابقة لرئيس بنك مصر، قائلةً "السلطات المصرية تعمل منذ قرارات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة على بناء احتياطي نقدي جيد بالتوازي مع إنفاقه على السلع الأساسية والإنفاق التدريجي على القطاعات الأخرى، ما يضمن بشكل كبير وفرة النقد الأجنبي في المصارف".