وسط ركام الحرب في شمال غزة الذي تخنقه المجاعة وفي غرفة تخلو من أدنى مقومات الحياة، انتشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي صور للشاب الفلسطيني أنس القانوع، أثناء مناقشة رسالة الدكتوراة الخاصة به في واحد من أهم المجالات العلمية وهي فيزياء النانو تكنولوجي. أنس يكشف كثيرا من التفاصيل حول كواليس الوصول إلى مناقشة رسالة الدكتوراة والتي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي علي مدار الأيام الماضية. يقول القانوع: ولدت في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، التحقت بالجامعة الإسلامية وتخرجت فيها عام 2009، حيث تم تعييني كمعيد فيها، حتى عام 2011 حين حصلت على الماجستير وبدأ الحديث يدور عن الدكتوراة. وتابع القانوع في حديثه: كان من الصعب علىّ وسط الظروف التي يعيشها القطاع أن التحق ببرنامج للدكتوراة، حيث أعد أبحاثي ولكن لضخامة التكاليف لم يحالفني الحظ في إكمال برنامج الحصول على شهادة الدكتوراة في تخصصه في غزة. واستكمل: حصلت على منحة دراسية في ماليزيا تمكنت من خلالها مواصلة أبحاثي للحصول على شهادة الدكتوراة، حيث اخترت مع مشرفي موضوع أسلاك الفضة النانوية وانتهت سنة المنحة الأولى بإعداد الأسلاك المطلوبة. ومن ماليزيا إلى غزة، كان قلب القانوع معلقا بزوجته وأطفاله الأربعة، وبين الألم والأمل، يقول: اضطررت للعودة إلى غزة، وتوقفت عن استكمال الدكتوراة، وعدت لمواصلة عملي، لخمسة أشهر، حتى تمكنت من توفير نفقات أسرتي، وبعد فترة عدت إلى ماليزيا لاستكمال المنحة. أنس القانوع: أثبتنا للاحتلال أننا لسنا حيوانات بشرية وعن موضوع البحث والدراسة التي تطرق لها القانوع في الدكتوراة، أوضح أن عمل الأسلاك النانوية التي هي أساس الدراسة، على وجود محبس يقوم بالتقاط وكشف الأشعة فوق البنفسجية وربطها بتطبيق إلى جانب المسخنات الكهربائية التي تعمل بالجهد المنخفض وبعد الانتهاء من تصنيعها جرى نشر أبحاثي في مجلات بحثية، وبعد انتهاء الجزء العملي قررت العودة إلى غزة إلي عائلتي الذين تركتهم من غير معيل في شهر يونيو 2023. حلم تحت القصف ويتابع القانوع: مع تصاعد الحرب في غزة على خلفية أحداث 7 أكتوبر كنت قد أتممت كتابة نصف بحث الدكتوراة، ثم توقفت محطة الكهرباء في غزة، وعشنا أياما صعبة، قصف مستمر ننتظر الموت في كل لحظه، مجاعة شديدة حتي اضطررنا إلي تناول علف الدواب، ولهذه الأسباب لم أستطع كتابة الرسالة فتوقفت من وقتها حتي يناير 2024. وقال: في ذات الشهر انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة بعد 5 شهور من الحرب والمعاناة والإبادة، ورغم لوعة الفقد ورؤية جثث الشهداء في الشوارع، وقررت أن الحياة لابد أن تستمر وبالعلم وحده نستطيع أن نبني غزة من جديد، وقمت بشراء بطارية وانفريتور، لاستطاعة شحن اللاب توب وكتابة الرسالة مع عدم وجود إنترنت لمدة 5 شهور لم أستطع فيها مواصلة البحث بجانب تدهور الحالة الإنسانية والصحية لسكان القطاع. وأوضح: بمساعدة الأقارب استطعت أن أوفر اتصال إنترنت، وأقمت مع ابن خالي بعد أن دمر جيش الاحتلال منزلي، حيث استطعت خلال شهرين ونصف كتابة رسالة الدكتوراة وفي شهر مارس، انتهيت من الكتابة وقمت بتسليم الأطروحة للجامعة. وأكد: كان موعد المناقشة شكل مفاجأة بالنسبة لي، حينما تم إبلاغي بعقدها في العاشر من يوليو الجاري، فلم تتمكن من النوم ليلتها، ولكن سرعان ما تداركت الأمر وقمت بشحن البطارية مع توفير تدابير ومساعدات مع الأصدقاء في محاولة لاستكمال المناقشة بدون قطع إنترنت أو كهرباء. وأوضح: استمرت المناقشة حوالي 5 ساعات انتهت بالتوفيق، حيث أهدى العمل إلى البروفيسور الشهيد سفيان تايه رئيس الجامعة الإسلامية الذي اغتيل وهو وعائلته فكان من أكثر الداعمين، وقمت بنشر أكثر من 20 بحثا في مجلات دولية حتى في أثناء الحرب نشرت 3 أبحاث. ولفت القانوع إلى أن موضوع البحث، له أهمية كبرى في مجال النانو، حيث إن الأسلاك تمتاز بكونها شفافة وموصلة في آن واحد ويمكن استخدامها في الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الحمراء وكذلك مضاد للبكتيريا وكذلك في شاشات اللمس مثلًا شاشة الجوال، والتي تستخدم فيها شاشة بها مادة باهظة الثمن فكان هدفنا إيجاد بديل أقل تكلفة فكانت أسلاك النانو. وأشار القانوع إلى أنه نشر هذه الجهود في الدكتوراة في مجالات ذات معامل تأثير عالية ومحكمة ودولية، لازال هناك بحث والمزيد من الجهود ولكنها تحتاج إلى إمكانيات ليست متوفرة في قطاع غزة حيث أنه الآن مدمر لا يوجد بها أدني مقومات الحياة لذلك قد نضطر إذا انتهت الحرب إلى الذهاب في زيارات إلي بعض الدول لنكمل الأبحاث ومن ثم العودة إلى غزة. وبصوت يملؤه الحزن والأسي، يقول القانوع: لي زوجة وأربعة أطفال ولكن ففدت أبناء عمومتي، وجيراني وأصدقائي وزملاء كثر في الجامعة عائلات بأكملها نسفت لم يبق منهم أحد نسال الله أن يجعلهم في الجنات، ونحن متواجدون في شمال غزة في جباليا وباقون في أرضنا حتي آخر نفس.
وكلمتي للعالم أجمع أن ينظروا إلي فلسطين؛ نحن نذبح ونقتل، أطفالنا جوعى عراة، فندعو الأمة والعالم أن يقفوا معنا وألا يتركونا وأن يوقفوا آلة البطش الصهيونية ضد النساء والأطفال والشيوخ والمباني الجامعات والمدارس، وأن ينظروا لنا نحن كباحثين ومحاضرين أننا نحتاج إلى دعم، ونحن لن نترك غزة أبدا فهي بحاجتنا أكثر من أي وقت مضي وسنبني جامعاتنا ومدارسنا، وكل ما دمره الاحتلال في الحرب الهمجية علي القطاع، أما عن الخروج من غزة فسيكون فقط لرحلات بحثية، ولكن لن أترك غزة مطلقا. واختتم: سنظل فيها صامدون في الشمال، نستكمل أبحاث ودراسات نخدم فيها الأمة الإسلامية والعالم لأنه بالتعليم تحيا الأمم، ولكي نؤكد للاحتلال الذي وصفنا بأننا حيوانات بشرية في أول الحرب، أننا لسنا حيوانات نحن باحثين نناقش أعلي درجة علمية من وسط الركام، ونسأل الله أن يستعملها لخدمة الأمة ونكون قدوة للطلبة ليستكملوا طريقهم والله سوف ينصرنا ولن يخذلنا.