قبل 5 سنوات وفي 17 حزيران/ يونيو 2019، توفي الرئيس المصري الد كتور محمد مرسي، داخل قفص محاكمته، وسط اتهامات لرئيس النظام الحالي وقائد الانقلاب العسكري عام 2013، عبدالفتاح السيسي، بقتله. المثير أنه رغم أن ملف وفاة مرسي جرى تجميده وصار من القضايا المنسية محليا ودوليا حقوقيا وإنسانيا لدى معارضة الداخل والخارج، إلا أن أزمات نظام السيسي (2013- 2024) السياسية والاقتصادية والمالية والداخلية والخارجية والإقليمية، كان لها أثر كبير في نفي ما طال مرسي من اتهامات بعام حكمه (2012- 2013). وتتغول على حياة أكثر من 106 ملايين مصري، آثار ديون خارجية تعدت الـ168 مليار دولار في نهاية العام الماضي، مع ما استجد الشهور الماضية من ديون، بالإضافة إلى خدمة دين تتعاظم ما بين أقساط ومتأخرات وفوائد تسجل نحو 42.3 مليار دولار العام الجاري، بجانب ديون داخلية بلغت نحو 81.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من 2024. وإزاء وضع يصفه مراقبون وخبراء اقتصاد بالكارثي، يواصل نظام السيسي، بيع الأصول العامة، والشركات الحكومية، والتفريط بالممتلكات الاستراتيجية، بين موانئ وأراضي كمنطقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي، للإمارات، و"رأس جميلة" بالبحر الأحمر للسعودية، وذلك قبل أن يتنازل في نيسان/ أبريل 2016، عن جزيرتي "تيران وصنافير" للرياض. المثير أن كل ذلك يقابله تضييق وزيادة معاناة الشعب مع الغلاء، والفقر، وقرارات رفع الدعم عن الطاقة ورغيف الخبز والتي كانت آخرها الشهر الماضي برفع سعر الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشا، مع عجز حكومي عن توفير الخدمات مع رفع أسعارها، مثال أزمة انقطاع الكهرباء. هذه وتلك وغيرها من المنغصات اليومية التي يواجهها المصريون جعلت كثيرين يؤكدون أن الرئيس مرسي، تعرض للظلم من الدولة العميقة وتآمر عليه العسكر، بمساعدة الإعلام والشرطة والقضاء، وأن أزماته عام حكمه كانت مفتعله، أما أزمات نظام السيسي، فحقيقية ونتيجة أخطاء سياساته، وأن ذلك الوضع يرد بعض حقوق الرئيس الراحل. مقارنة لن يمحوها الزمن وفي تعليقه، قال المستشار الإعلامي للرئيس الراحل، الإعلامي أحمد عبد العزيز: "كان الهدف الأول والأساسي من الانقلاب على أول رئيس منتخب بتاريخ مصر، الخلاص منه، ومن أيديولوجيته الإسلامية الحركية، ومن برنامجه النهضوي الطموح". وبحديثه أكد أن "صناعة الأزمات التي أحالت حياة المصريين لجحيم أول بند ببرنامج السيسي، أي أن هذه الأزمات ليست بسبب الفشل الإداري كما يعتقد الكثيرون". ويرى أن "البند الثاني ببرنامج السيسي، تجريد مصر من مظاهر القوة، وتبديد مقدراتها الاقتصادية، ورهن وبيع أرضها وسيادتها ومستقبلها لأعدائها". ويعتقد عبد العزيز، أن "المسألة ليست حق الرئيس مرسي، الذي رده السيسي، إليه دون قصد، وإنما تلك المقارنة التي لن يمحوها الزمن بين رئيس منتخب يحمل الفكرة الإسلامية، كان همه النهوض بوطنه، وتحقيق الرفاهيه لمواطنيه، وبين منقلب يضمر عداوة لا نظير لها لمصر وشعبها، فأحال حياتهم إلى جحيم، وهوى بمصر إلى ذيل الأمم، عن سابق قصد وتصميم". رئيس استثنائي بزمن استثنائي وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، إن "الرئيس مرسي، رئيس استثنائي بزمن استثنائي لحالة استثنائية، استلم السلطة وأجهزة الدولة تعمل ضده، ولم يحصل على السلطة التشريعية من المجلس العسكري إلا بعد شهور من استلامه السلطة، فكانت سنة حكمه ما بين سلطة منزوعة أو معاكسة له". "وأضاف المنير: ورغم ذلك فإنه استطاع المضي قدما بالبلاد خارجيا وداخليا بأشهر قليلة؛ فأعاد مكانتها الإقليمية بموقفه من حرب غزة 2012، وداخليا بإطلاق الحريات، فألغى الحبس بقضايا الرأي، ورأينا إصلاحا كبيرا في منظومة الدعم قادها الوزير الأسير باسم عودة". وتابع: "جاء انقلاب السيسي، العسكري، ليقلب المعادلات بمصر والمنطقة، ويعيد البلاد عشرات السنين إلى الخلف أكثر من عهد مبارك". وأكد أنه من المفارقة أن "الأزمات التي تم استخدامها لإسقاط مرسي، وتأليب الناس عليه، تحدث مع السيسي الآن، بفعل الفشل الإداري والسياسي". لكن الباحث المصري، يرى أن "ما يحدث بمصر إفشال متعمد للدولة، وليس سوء إدارة وسلطوية سياسية فقط، إنها سياسات متعمدة لإنهاك وتمزيق الدولة التاريخية، ولهدف إبقاء الكيان الصهيوني بمحيط دول فاشلة لا تملك إرادتها وقوتها". وتابع: "لبنان شمالا، والأردن وسوريا شرقا، ومصر غربا، والقاهرة هي الجائزة الكبرى لإخراج الوطن العربي بأكمله من دوائر التأثير الإقليمي والدولي". وأضاف: "وعليه فقد كان الرئيس مرسي عقبة كؤودا أمام تمرير هذا المخطط وكان السيسي، جوكر تمرير المخطط ولا يزال"، موضحا أنه "لذلك من يريد إنقاذ غزة وسوريا والسودان واليمن؛ فعليه إنهاء النظام السلطوي بمصر أولا، وأي محاولات تتجاوز هذه العقدة ستكون حلول جزئية وقتية".
وختم بالقول: "قدر الرئيس مرسي أن يكون كاشفا وفاضحا لهذا المخطط الصهيوأمريكي؛ ويجب على الفاعلين في الأمة إدراك دورهم باستكمال مسيرة الرئيس الشهيد، نصرة لغزة وللأمة". يشرب من كأس الرئيس من جانبه، قال السياسي المصري الدكتور محمد عماد صابر: "بدون شك أن تصدير الأزمات المفتعلة نمط غير أخلاقي ولا وطني، استخدمته الثورة المضادة بقيادة السيسي وعساكره ضد الدكتور مرسي، لإظهاره عاجزا أمام المطالب الأساسية للمواطن، بالكهرباء والوقود والأمن بصفة خاصة". وفي حديثه , أضاف: "وتدور الأيام دورتها لتكون الأزمات حقيقية غير مفتعلة، وتهدد نظام السيسي وحياته وحياة المصريين معه، ليتجرع كأس السم وليس كأس العجز الذي أراده للرئيس مرسي". البرلماني المصري السابق، تابع: "ما زال الهجوم على الرئيس مرسي، مستمرا عبر مسلسل التلفيق والكذب والافتراءات، بل والإصرار بالزور والبهتان من السيسي، وإعلامه، وسبحان الله القائل: (إن ربك لبالمرصاد)". وتوقع صابر، أن "يسترد الرئيس مرسي، حقه عندما يخرج الأحرار من السجون ويسقط الانقلاب العسكري، مثل رئيس وزراء تركيا عدنان مندريس، الذي قتله عسكر تركيا، واسترد حقه وتم تكريمه عندما وصل الرئيس رجب طيب أردوغان، للحكم وأطاح بدولة العسكر". وأكد أن "الجزاء من جنس العمل، فنقص الوقود، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، وغيرها من أزمات مصطنعة كانت الأكثر حضورا وتأثيرا بتأجيج غضب الشارع ضد الرئيس مرسي". صابر، أوضح أن "النظام العسكري ومناهضي ثورة 25 يناير 2011، عملوا على تأجيج هذه الأزمات، وسلط الإعلام الضوء عليها بهدف حشد تظاهرات شعبية كغطاء للانقلاب على الرئيس". وتابع: "الآن نفس الأزمات يعيشها الشارع بل أكثر من عام مرسي، كما أن الأسعار تضخمت أكثر، لكن الإعلام الذي يمتلكه رجال الأعمال ويهيمن عليه جهاز المخابرات، لا يسلط الضوء عليها". ولفت إلى "الظروف المعيشية للفقراء، التي ازدادت سوءا، وتبخر وعود السيسي، بالنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبدولة جديدة في 30 حزيران/ يونيو 2020، بل لم ير المصريون إلا الفقر وانحسار التأثير الإقليمي والدولي". وختم صابر: "والآن يدرك الشعب أنه تعرض لخدعة حين شوه النظام العسكري ومناهضي ثورة يناير صورة الرئيس مرسي، وبذلك ردت أزمات السيسي المتلاحقة والمستعصية بعضا من حقوق الرئيس المفترى عليه".