طالبت منظمة العفو الدولية في معرض إعلانها توقيعها على البيان المشترك عن بناء نظم حماية اجتماعية شاملة في المنطقة العربية – الحكومات في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العمل على تطوير وتوسيع وتمويل نظم حماية اجتماعية شاملة تكفل الحق في الضمان الاجتماعي للجميع. ووفق بيان للمنظمة، يواجه المواطنون في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أزمات متعددة ومستمرة، من ضمنها الصراعات المدّمرة، والصدمات الشديدة الاقتصادية وتلك المتعلقة بالديون، والتكلفة المتزايدة لحالة الطوارئ المناخية. ومع ذلك تفتقر الأغلبية إلى درجة كافية من الحماية الاجتماعية. ويهدف البيان، الذي نظّم إعداده ملتقى المنطقة العربية للحماية الاجتماعية الذي يقوده المجتمع المدني، إلى بناء الدعم لإنشاء وتطوير نظم حماية اجتماعية شاملة في كافة أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تضمن بأن يتلقّى جميع الناس ضمانات الضمان الاجتماعي. وقالت كريستين بيكرلي، مستشارة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن “الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يخسرون حياتهم، وأحباءهم، وسبل عيشهم في الوقت الذي يتلقون فيه الضربات جراء أزمة تلو أخرى. إلا أن نظم الحماية الاجتماعية في عموم المنطقة أثبتت بأنها قاصرة وغير كافية، تاركةً شرائح كبيرة من السكان تواجه مصيرها بنفسها، مع أدنى حد من الدعم الحكومي أو حتى بدونه”، “ويتعين على الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدعم من المانحين والمؤسسات المالية الدولية عند الضرورة، العمل بصورة عاجلة لتطوير وتوسيع وتمويل نظم حماية اجتماعية شاملة قادرة على ضمان تمكُّن جميع الناس من العيش بكرامة، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي – الاقتصادي”. والضمان الاجتماعي حق إنساني تعترف به العديد من المعاهدات الدولية والمواثيق التأسيسية لحقوق الإنسان، ومن ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويكفل الوفاء بالحق الإنساني في الضمان الاجتماعي تمكّن الأفراد والأسر من الحصول على الخدمات الأساسية ودعم الدخل خلال أوقات الحاجة مثل فترات البطالة، أو المرض، أو الإعاقة. وتكتسي نظم الحماية الاجتماعية أهمية حاسمة فيما يتعلّق بضمان تمكُّن الناس من الحصول على مجموعة من حقوق الإنسان الأخرى والتمتع بها، ومن ضمنها حقهم في الصحة، وفي مستوى معيشي كاف، وفي الغذاء، والماء، والسكن. لا يستطيع ملايين الناس الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الحصول على حقوقهم الاجتماعية – الاقتصادية أو التمتع بها. ففي مصر، زادت السلطات من حدة قمعها للأشخاص الذين احتجوا سلميًا على أوضاعهم المعيشية المتدهورة، والعمال المضربين، والأشخاص الذي يعبّرون عن انتقادهم لتعامل السلطات مع الأزمة الاقتصادية. وفي مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن أزمة المناخ، مصحوبة بالإخفاقات المزمنة للحكومات في إدارة المياه المتوفرة بشكل سليم، وضمان توزيعها بشكل صحيح، وضمان استخدامها شكل مستدام، تُعرّض حق الناس في المياه لخطر شديد الآن وفي المستقبل. تقدم نظم الحماية الاجتماعية الفعالة الدعم الضروري الذي يمكن أن يحمي الأفراد والأسر ويساعدهم عندما يتعرضون للصدمات بسبب تقلبات بالحياة. وإن حماية الناس من الخسائر التي تسبّبها الصدمات، الناجمة عن الكوارث أو النكسات الاقتصادية، تُمكّن الأطفال من متابعة تحصيلهم العلمي، وتُحسّن الرعاية الصحية، وتقلل من الفقر وانعدام المساواة في الدخل، وفي النهاية تعود بالفائدة الاقتصادية على المجتمعات. ولكن بحسب منظمة العمل الدولية في عام 2021، فإن نسبة تقارب 40% فقط من الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت تحظى بتغطية فعلية في مجال واحد على الأقل من مجالات الحماية الاجتماعية، وهو معدل أدنى من المتوسط العالمي وأدنى بكثير منه في مناطق أخرى مثل أوروبا وآسيا الوسطى. ويهدف بيان الحماية الاجتماعية الشاملة في المنطقة العربية إلى معالجة بعض هذه الثغرات بإنشاء مجموعة من المنظمات التي تدعو لوضع نظم حماية اجتماعية شاملة تكفل الضمان الاجتماعي الأساسي لجميع الناس بصرف النظر عن وضعهم الوظيفي أو قدرتهم على الإسهام المالي في برامج معينة. وينبغي للحكومات إنشاء نظام حماية اجتماعية يغطي مجموعة من الحالات المحتملة والمخاطر، ويتضمّن إمكانية حصول الأطفال، وكبار السن، وأولئك الذين هم في سن العمل غير القادرين على العمل أو كسب دخل كاف، على الرعاية الصحية الضرورية والأمن الأساسي للدخل. وينبغي أن تكون مزايا الضمان الاجتماعي وافية للسماح للناس بإحقاق حقوقهم، من ناحيتي حجم المزية المقدمة والفترة الزمنية التي تُقدَّم خلالها. كذلك ينبغي أن يكون الضمان الاجتماعي متاحًا للجميع، ومن ضمنهم أولئك الذين ينتمون إلى الجماعات الأكثر حرمانًا وتهميشًا.
يمكن للحماية الاجتماعية أن تشكل عامل استقرار حاسم في أوقات الأزمات. وتُقدم الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان التي أدت إلى فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها، مثالاً على الحاجة إلى نظم حماية اجتماعية قوية وشاملة. وقد خفّضت هذه الأزمة الاقتصادية – التي أطلق عليها البنك الدولي تسمية “حالة كساد متعمد” – القوة الشرائية للأسر المعيشية انخفاضًا هائلًا، وزادت الفقر بنسبة كبيرة، وزادت ترسيخ انعدام المساواة الصارخ السائد أصلًا في لبنان. وقد عجز نظام الحماية الاجتماعية في لبنان، الذي كان مشرذمًا، ومحدودًا، وغير عادل قبل الأزمة، عجزًا تامًا عن التكيف مع الاحتياجات المتنامية وتلبيتها. وفي وقت احتاج فيه الناس للدعم حاجة ماسة، تركت الحكومة اللبنانية الدعم القليل المتوفر ينهار. وحتى خلال الأزمات، ينبغي للحكومات أن تعمل على ضمان تمكّن الناس من التمتع بالمستويات الضرورية الدنيا على الأقل لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن ضمنها الحق في الضمان الاجتماعي. وتستطيع الحكومات في الكثير من الأحيان تحويل مواردها لتمويل المستويات الضرورية الدنيا من الحماية الاجتماعية للجميع في البلاد أو جمع الأموال عبر الإصلاحات الضريبية، والتصدي للتهرب الضريبي أو التحايل الضريبي، علاوة على العثور على الموارد من خلال مصادر أخرى مثل التماس الدعم الدولي. وقالت كريستين بيكرلي إن “الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والحكومات المانحة، والمؤسسات المالية الدولية يجب أن تعير اهتمامًا لدعوات منظمات المجتمع المدني إلى العمل بصورة ملحة من أجل إنشاء نظم حماية اجتماعية شاملة وجامعة في جميع أنحاء المنطقة، وتحسين مستواها، وتمويلها. ويمكن لوضع تدابير للحماية الاجتماعية الشاملة أن يساعد على ضمان تمكّن جميع الناس، ومن ضمنهم المهمشون، أو الذين يعيشون في الفقر، أو المعرّضون للفقر، من الحصول على مستوى معيشي لائق ورعاية صحية وافية، وغير ذلك من حقوق الإنسان”.