بينما يترقب المصريون ظهور أسماء التشكيل الوزاري الجديد لحكومة مصطفى مدبولي، بعد تكليف رئيس النظام عبد الفتاح السيسي له مجددا، الاثنين الماضي، أعرب مصريون عن أمنيتهم باختفاء بعض الأسماء، وبينهما وزير الخارجية سامح شكري، الذي جرى تعيينه بمنصبه قبل 10 أعوام كاملة، وفي مثل هذا الشهر من العام 2014.

خلال تلك السنوات ظل شكري، في مخيّلة بعض المحللين والمراقبين والمعارضين "شخصية مغرورة وفارغة، وضاعت خلال ولايته هيبة مصر، وانتهت أدوارها، وفقدت الكثير من تأثيرها الدولي والإقليمي والقاري والعربي، وأصبح قرارها مرتبطا بتوجيهات عواصم أخرى، وقرارات قادة غير مصريين".

ووسط آمال البعض بمغادرته المنصب الرفيع، يبرز بشكل متزامن اسم سامح شكري في قضية رشوة السيناتور الأمريكي بوب مينينديز، ورجل الأعمال المصري الأمريكي وائل حنا، في ملف تصدير اللحوم الأمريكية (حلال) إلى مصر، والتي ينظر فيها القضاء الأمريكي، في الأسابيع الأخيرة، وسط شهادات شهود وصور موثقة لشكري وزوجته، تؤكد حصوله على رشوة عبارة عن (سبيكة ذهبية) من وائل حنا.

"رشوة شكري ورشوة السيناتور"
حصلت "عربي21" على نسخة من لائحة الاتهام باللغة الإنجليزية، ومن بين 44 صفحة تعرض الاتهامات الكاملة وأدلة إدانة المتهمين، تظهر في الصفحة 22 منها صورة لسامح شكري وزوجته، خلال لقائه السيناتور مينينديز وزوجته نادين، ووائل حنا في واشنطن.

وفي 15 أيار/ مايو الجاري، بدأت محكمة مانهاتن الاتحادية، بمحاكمة السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز (70 عاما)، بعد اعتقاله في أيلول/ سبتمبر الماضي، بتهمة الرشوة وتلقي أموال وسبائك ذهبية وسيارة هو وزوجته، وذلك مقابل استخدام نفوذه لمساعدة ثلاثة رجال أعمال في نيوجيرزي، وتقديم خدمات لصالح حكومة مصر.

ومن خلال أوراق القضية يُكشفُ تورّط سامح شكري، باتهام وائل حنا بإهدائه وزوجته سبيكة ذهبية، مثبت شراء حنا رسميا لها، غير أن الشرطة الأمريكية لم تعثر عليها من بين ما عثرت عليه من سبائك، وقت تفتيش بيت السيناتور، ما يرجّح إهداؤها لزوجة سامح شكري.

وفي حديث سابق لـ"عربي21"، أكد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية وعضو تكنوقراط مصر، سعيد عفيفي، الذي يواصل حضور جلسات المحاكمة، أن "وقائعها أثبتت تورط وزير الخارجية المصري، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ووكيلي وزارة الزراعة المصرية، منى محرز وأحمد عبد الكريم، وغيرهما ممّن ذكرت أسماؤهم في القضية أثناء المحاكمة ولم ترد في لائحة الاتهام".

ومن خلال تسجيله وقائع المحاكمة، لفت عفيفي إلى أن الشاهد الأول وهو الملحق الزراعي الأمريكي بالسفارة الأمريكية في القاهرة جون تت، كشف عن لقاء شكري في أيلول/ سبتمبر 2018، بوائل حنا، في واشنطن بفندق فورسيزون، وأنه سلم عليه بحرارة، في حضور وفد من وزارة الزراعة الأمريكية.

وأوضح أنه وفق لائحة الاتهام، تبين أن "هناك سبيكة ذهبية اشتراها وائل حنا، قبل حضور سامح شكري بأسبوعين إلى نيويورك ثم واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2018، وأن "السبيكة لم توجد ضمن السبائك المضبوطة لدى السيناتور الأمريكي روبرت مينينديز، فيما يرجّح أن حنا سلمها كهدية لسامح شكري الذي كانت بصحبته زوجته سوزي شكري".
وألمح إلى أن الشاهد، أماط اللثام أمام المحكمة عن مصير تلك السبيكة بقوله إن "حنا خلال اللقاء بشكري سلم الهدية علنا لزوجة شكري، ولتمرير الموقف قال حنا للمرافقين الأمريكيين من وزارة الزراعة إن المصريين تعودوا على الهدايا وليسوا جامدين مثلنا نحن الأمريكيين، فضحك الجميع".

وأكد عفيفي، أنه "خلال المحاكمة تم ترديد كلمة (Official) وتعني ’مسؤول’ أو ’رسمي’"، مشيرا إلى أنه "خلال الحديث عن الجزء الخاص برشا السيناتور الأمريكي مينينديز تم ذكر Official 1 وOfficial 2 وOfficial 3، وقيل إن زوجة السيناتور نادين مينينديز كانت تأخذ المعلومة منه وتوصلها إلى وائل حنا، الذي يرسلها بدوره إلى Official 1 و2 Official و3 Official، ولاحقا تم ذكر Official 4 و5 Official".

وأوضح عفيفي، أن "هناك اعتقادا واسعا داخل المحاكمة أنهما عباس كامل وسامح شكري، وأن لهما علاقة مباشرة مع وائل حنا، وسألت من هما Official 4 و5": فقيل لي إنهما على ما يبدو عباس وشكري، وأن Official 1 و2 و3 قد يكونوا مسؤولين في السفارة المصرية بواشنطن أو القنصلية في نيويورك"، مبينا أن "إجراءات المحاكمة سوف تكشف عنهما لاحقا".

وقائع المحاكمة التي لم تنته إجراءاتها بعد وذكر اسم شكري يدفع لطرح السؤال: هل يطيح تورط شكري، بقضية مينينديز، ووائل حنا، به من الخارجية المصرية، أم إن النظام سيظل متمسكا به، ولن يترك رجله الذي نفذ سياساته طيلة 10 سنوات؟.
"بقدر رضا السيسي"
في إجابته قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير: "معروف تاريخيا أن الوزراء في الحكومة المصرية هم طاقم سكرتارية للرئيس، ينفذون سياساته ودائما ما يبدأون أي تصريح لهم بجملة (وفق توجيهات سيادة الرئيس)، وللأسف ليس لهم شخصية مستقلة عن الرئيس أو مساحة مرنة للحركة كما يحدث بالدول الديمقراطية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى أن "هناك عرفا مستقرا يعرفه معظم المصريين أن حسنات الحكومة تنسب لحكمة الرئيس، وأخطائها تُنسب للوزراء وسياساتهم في العمل".

ويرى الباحث المصري أنه "لذلك فإنه في الحقيقة كل خطايا أو أخطاء سامح شكري هي بتعليمات من السيسي مباشرة، والرجل لا يُخفي ذلك".

وأضاف: "أيضا في دولة مثل مصر لا يمكن استقراء مستقبل الحكومة بسهولة لعدم وجود قواعد منطقية أو علمية يمكن البناء عليها، فعادة ما يتم تعيين أو إقالة الوزير وفقا للمزاج الشخصي للرئيس، وليس وفقا لمعايير الكفاءة والجدارة".

ويرى المنير، أنه "لذلك ذُكر اسم شكري بقضايا الرشوة المتهم بها السيناتور الأمريكي ووائل حنا، لن تكون عاملا مؤثرا في بقائه أو رحيله بقدر رضا السيسي عنه، والحالة الوحيدة التي قد يتخلى السيسي عنه هي أن يشعر أنه تحول إلى ورقة محروقة تمثل عبئا عليه أكثر منها فائدة له".

وختم بالقول: "بالتالي، فإن بقاء أو رحيل سامح شكري هو (قرار عاطفي) من السيسي، قبل أن يكون قرار مؤسسات دولة، والتي قد ترفع توصيات للرئيس ولكنها غير ملزمة له".

"باق.. ويتفاخرون بقضية السيناتور"
قال السياسي المصري وعضو "حزب الوسط" المعارض، والمقيم في الولايات المتحدة، وليد مصطفى، إن "المشكلة الحقيقية عندما نتحدث عن ما لا قيمة له"، موضحا أن "تغيير الوزارة أو بقاءها وتغيير وجوه الوزراء أو الإبقاء عليهم لا قيمة له بدولة مثل مصر".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "وجودهم مثل عدمهم، ولا يوجد وزير أو رئيس وزارة له رأي ولا دور سياسي ولا تكنوقراط ولا تأثير بمجال عمله، ولكنه ينفذ الأوامر حتى ولو في تخصصه"، مشيرا إلى أنه "يتم تجاهل آرائهم عند إقامة أية مشروعات وكلها تنفذ بالأمر المباشر وتذهب أموال البلاد بمهب الريح مثل مدينة دمياط الجديدة".

لذا يعتقد مصطفى، أن "التغيير الوزاري لا قيمة له في ظل وجود نظام لا يعترف إلا برأي شخص واحد، والباقون ليس عليهم سوى التنفيذ، دون إضافة أو تطوير لفكرته، أو تنفيذها بشكل علمي، أو سياسي واقتصادي سليم، يراعي مصلحة البلاد".

وأضاف: "هناك نقطتين تتعلق ببقاء سامح شكري أو الإطاحة به هو ومدبولي وأي وزير آخر، أولها أن "النظام يحتقر المصريين، ولا يعطي رأيهم أو غضبهم قيمة، وهذا أمر واقع، رغم أن مضمون خطاباته العاطفية، وثانيها أن الإبقاء عليهم يأتي في إطار أنه لا يفعل شيئا من رأسه، ورغم أن الفترة الماضية حمًلت وسائل الاعلام الحكومي الفشل لمدبولي، ومع ذلك يتم التجديد له والإبقاء عليه".
وأكد أن "الأمر ينطبق على سامح شكري، لأن ذكر اسمه كمسؤول مصري كبير في ملف رشوة السيناتور يعتبره النظام نجاحا، ووفق ما يتم تسويقه انتصارا لهم، بأنهم تمكنوا من التوغل في عضد الإدارة الأمريكية، وصار لديهم عملاء بها، وبالمجالس التشريعية الأمريكية".

وخلص للتأكيد على أن "الإطاحة بشكري نتيجة لعلاج خطأ أو غيره لن يحدث، كونه مهم في بعض الملفات الخاصة بالعلاقات الأمريكية، بجانب فترة عمله بديوان رئاسة الجمهورية قبل ذلك ما لديه من خبرة يراها النظام جيدة، بالإضافة لتعامله مع كيان الاحتلال".

وتوقّع السياسي المصري، أن "شكري مستمر موجود يستكمل أدواره، إلا إذا أراد النظام مثلا التغيير لأي سبب آخر ليس منه نهائيا فشله أو ما حدث في قضية السيناتور أو أن دور مصر تقزم بالصورة الحالية، ولكن قد يكون السبب الوحيد أنه لم يعد يعجبه".

وألمح إلى أن "مدبولي، مثلا مهما أحدث من فشل سيتم التجديد له؛ لأن النظام يبحث عن شخصيات لرئاسة الوزراء والدفاع والداخلية والخارجية أو الوزارات السيادية لا وجود لها فقط يبحث عن تابعين لا يتحدثون وبلا كارزما ولا قدرة على اتخاذ القرار، ولذا فهؤلاء مستمرون".

وختم حديثه بالقول: "الوضع سيئ جدا لا يصلح الحديث فيه عن معايير ديمقراطية أو سياسية أو إدارة نظام حكم، نحن بمرحلة من أسوأ ما يمكن".

"شكري وسياسة الركوع"
شكري (72 عاما)، مواليد 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1952، وليس له من المقومات الأكاديمية سوى أنه حاصل على ليسانس حقوق من جامعة عين شمس عام 1975، ولكن السيسي، ولاّه منصب وزير الخارجية في حزيران/ يونيو 2014، قبلها كان سفيرا لمصر بواشنطن من 2008 وحتى 2012، بعد أن كان مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف بين 2005 و2008.

تولّى شكري منصبه الدبلوماسي، وعلاقات مصر متوترة مع العديد من الدول بينها تركيا وقطر، وأيضا مع الاتحاد الإفريقي الذي جمد عضوية مصر، وذلك على خلفية الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، في تموز/ يوليو 2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي.
لكنه على الجانب الآخر، تقاربت القاهرة بشكل كبير مع داعمي النظام الجديد في الخليج العربي السعودية والإمارات والبحرين والكويت، ومع داعميها الدوليين في أمريكا وأوروبا بجانب دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى مراقبون أن فترة السنوات العشرة التي تولّى شكري خلالها وزارة الخارجية فقدت القاهرة أدوارها الإقليمية وباتت عاجزة أمام ملفات تمس الأمن القومي المصري، وبينها ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، الذي فشلت الدبلوماسية المصرية في فك رموزه.

بل يوجه خبراء اللوم على أساطين الخارجية المصرية وأصحاب الخبرات فيها بعد توقيع السيسي اتفاقية مبادئ وثيقة سد النهضة مع إثيوبيا والسودان في الخرطوم في آذار/ مارس 2015، وهي الاتفاقية التي اعتبرها البعض تفريطا في حصة مصر التاريخية من مياه النيل (55 مليار متر مكعب مياه سنويا)، ومنحة لإثيوبيا حصلت بموجبها على الدعم المالي الدولي اللازم لبناء السد.

أيضا، وخلال فترة ولاية شكري، تفجّرت على حدود مصر الغربية والجنوبية والشرقية أزمات وحروب عجزت وزارته وحكومة السيسي، عن حلّها بل تورطت في بعضها، ما يعد خطرا على الأمن القومي لبلد يقطنه أكثر من 106 ملايين نسمة في الداخل ونحو 10 ملايين بالخارج وحوالي 10 ملايين أخرى من المهاجرين واللاجئين.

وفي الجارة الغربية لمصر، ليبيا، تفجّرت الحرب الأهلية (2014- 2020)، بين قوات قائد الانقلاب الليبي خليفة حفتر مدعوما من برلمان طبرق، ومن الإمارات والسعودية ومصر، وبعض دول أوروبا، بمواجهة حكومة فائز السراج الشرعية والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي في العاصمة طرابلس، وهي الأزمة التي شهدت تطورات كبيرة وتقف فيها الخارجية المصرية مع طرف دون آخر.

وفي الحدود الجنوبية لمصر، شهدت الشقيقة السودان، أشد أزماتها في التاريخ الحديث، باندلاع حرب أهلية في نيسان/ أبريل 2023، بين الجيش السوداني وبين قوات الحشد السريع بقيادة حمدان دقلو، ما تسبب في تهجير ونزوح أكثر من 10 ملايين سوداني وفقا لرصد المنظمة الدولية للهجرة في كانون الثاني/ يناير الماضي، ما اعتبره البعض خطرا على مصر وملف مياه النيل وعلى زيادة عدد اللاجئين بها.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومع تفجر حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة والتي تكمل شهرها الثامن، وأدّت إلى استشهاد نحو 36 ألف فلسطيني، وتهديد حياة 2.3 مليون آخرين، وتثار الاتهامات لمصر ووزارة خارجيتها بالتواطؤ مع الاحتلال بغلق معبر رفح، والصمت على احتلال دولة الاحتلال الإسرائيلي لمحور صلاح الدين ومعبر رفح البري، وقتل جنود مصريين.

بل إن شكري وفي 17 شباط/ فبراير الماضي، كالَ الاتهامات لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مؤكدا استحالة حدوث سلام مع وجودها، زاعما أنها ترفض "التنازل عن دعم العنف والاعتراف بإسرائيل"، ومطالبا بأن يكون هناك "محاسبة حول تمكين حماس في غزة، وتمويلها في القطاع لتعزيز الانقسام مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، أو ما وصفها بالقوى صانعة السلام".