قال تقرير نشره موقع مدى إن التضييق الأمني الذي يتعرض له المصابون القادمون من غزة (وعددهم نحو 5.5 ألف فلسطيني) على أشده، حيث "يمنع الأمن داخل المستشفى المرضى من الخروج حتى لشراء الطعام أو المستلزمات الشخصية".

ونقلت عن حالات من المصابين وأطباء من مصر وغزة أن التشديد الأمني عليهم في ذروته وأن "الزيارات كانت ممنوعة تمامًا داخل المستشفى للفلسطينيين، وذلك دون سبب منطقي".


تقرير "مستشفيات مصر لموطني غزة "سجن" بلا علاج" قال إن المرضى لا يجدون علاجا في أحيان كثيرة وأنه كمثال فإن "مرضى السرطان المحولين لمصر ينقلون إلى مستشفيات بعيدة عن القاهرة وغير متخصصة في السرطان من الأساس". 
  
إننا في سجن

وافتتح التقرير بعبارة متداولة من المصابين من غزة وهي "نشعر بأننا في السجن" ممن يتلقون العلاج في مستشفيات مصرية، وهم يصفون ظروف "احتجازهم" بعد خروجهم من وطأة العدوان الإسرائيلي على غزة. 

وأن حالة محمد المصاب من غز وعمره 45 عاما سمح لهم بالعبور إلى مصر للعلاج، وأثناء الرحلة إلى رفح للعبور، تعرض للإصابة مرة أخرى عندما استهدف قصف إسرائيلي سيارة الإسعاف التي كانت تقله. وفي مصر، أجرى محمد أول عملية جراحية له في مستشفى الشيخ زويد في شمال سيناء في نوفمبر الماضي، ونقل بعدها إلى مستشفى التل الكبير بالإسماعيلية لاستكمال علاجه، لتبدأ مأساة جديدة.

وأضاف "المستشفى عبارة عن سجن. لا يوجد علاج. فقط مسكنات". 

وأوضح أنه خلال فترة الأشهر الأربعة داخل المستشفى، وأنه حتى الحلاق أتوا به للمستشفى. "استمريت أربع شهور كأنني بالسجن. لم أخرج ليوم واحد. شعرت باكتئاب".


وأضاف "إذا حاولنا التعرف على أي شخص مصري داخل المستشفى، يمنع أمن المستشفى ذلك تمامًا. هناك فرد من الأمن بالمستشفى كان سيتم فصله من العمل بسبب التصوير معي".


وأضح التقرير أنه "بسؤال العديد ممن حضروا إلى مصر لتلقي العلاج، حكى الكثيرون عن غياب الخدمة الصحية من ناحية، والتضييق الأمني على المرضى وأسرهم من ناحية أخرى".


مدير مستشفى التل الكبير بالإسماعيلية، أحمد موسى رفض الرد على أي استفسارات بخصوص أوضاع الفلسطينيين لديه.


وقال: "هناك تعليمات تصل إلينا مشددة بعدم الحديث عن مصابين ومرضى غزة، سواء عن وضع الرعاية الصحية أو وضعهم الأمني، لكنهم بالتأكيد يحصلون على خدماتهم الطبية".

مريضة سرطان
وعن حالة "أم محمد"، مريضة بسرطان في الغدد، قالت إنها خرجت من غزة عبر معبر رفح في مارس الماضي، وأدخلت مستشفى حميات دمياط، حيث تصف الوضع بـ"شديد الصعوبة"، كما أنها لم تحصل على أي علاج حتى الآن. 

وعن حديث السلطات الفسطينية معهم فإن "أم محمد"أخبرتهم أنهم سيتلقون العلاج في الإمارات أو تركيا بعدما قدموا طلباتهم إلى السلطة الفلسطينية وذلك في إطار تعاون  طبي، ولكنهم جاءوا إلى مصر، وحتى الآن هم محتجزون في مستشفى حميات دمياط دون تلقي العلاج.


وأوضحت، "المفترض أن التحويل كان إلى الإمارات لأخذ جرعات الكيماوي واستكمال العلاج، ولكن حتى الآن لا نعرف سنبقى هنا أم سنذهب؟".

وأشارت إلى منع الأمن بالمستشفى المرضى من الخروج حتى لشراء الطعام أو المستلزمات الشخصية، "يجب أن يكون أحد أفراد الأمن مرافقًا لنا إذا خرجنا، وحتى الطعام يجب أن نطلبه حتى لا نخرج من المستشفى. نشتري الطعام بأضعاف السعر في السوق".


"الساعة 9 مساءً يجب أن ندخل الغرف. ممنوع حد ينزل أو أطفال تلعب، وأولادنا بحاجة للتنفس. الجرس يدق 6 لـ9  لكي ندخل الغرف الخاصة بنا كأننا في مدرسة. نشعر بأننا في السجن"، بحسب أم محمد.

وفي ظروف شبيهة قالت انشراح من البريج بغزة، وحضرت إلى مصر مع طفلتها حلا (15 سنة) المصابة باللوكيميا. "وصلت من غزة خلال شهر رمضان الماضي، وظلت في مستشفى حميات دمياط.. ممنوع الخروج من المستشفى..انتظرت تلات أيام حتى أشتري طعام وملابس لابنتي.. الخروج لا يكون يوميًا ويكون من ساعة إلى ساعتين.. يتم تحديد ساعة معينة للرجوع ويكون معنا أمن. حاولت أخرج آخر مرة قيل لي: أنتِ خرجتي مرتين مفيش خروج تاني.. المستشفى سجن..


ونقلت عن طبيب سابق في مستشفى التضامن ببورسعيد، أن الزيارات كانت ممنوعة تمامًا داخل المستشفى للفلسطينيين، وذلك دون سبب منطقي، "لدرجة أنني دخلت في شجار مع إدارة المستشفى للسماح بدخول الزيارات للمرضى، ولكن تعرضت لإهانة من الإدارة. كنت حابب اساعدهم معرفتش".


وأضاف الطبيب، (قدم استقالته منذ شهر)، أن التعنت الأمني وصل إلى أن امرأة أرادت التبرع بمجموعة من الكراسي المتحركة للمصابين، والأمن رفض، فدفعت رشاوي للسماح لها بدخول الكراسي. 

وأوضح الطبيب للموقع أن هناك أسبابًا لمنع المرضى والمصابين من الخروج من المستشفى، وهي الخوف من خروجهم وعدم عودتهم، فيما تتحمل إدارة المستشفى مسؤولية عن هذه الحالات بعد خروجها من غزة. 

وقال "مدى مصر" إنه بحسب وصف القادمين للعلاج في مصر عن طريق آلية التحويل الطبي، تسلم أوراق المرضى والمصابين للمستشفى كـ"عهدة"، ولا يمكن للمستشفى قبول خروج المرضى الفلسطينيين دون تسليم تلك "العهدة" للسفارة الفلسطينية.  

وبجانب التضييق الأمني، يحكى محمد، الجريح، وأم محمد، المصابة بسرطان الغدة، عن عدم الحصول على العلاج، وهو ما أكده أيضًا أشرف مهنا عن حال زوجته المصابة بسرطان الغدة الدرقية ولم تحصل على العلاج الإشعاعي اللازم لها في مستشفى دمياط للحميات، وذلك بعد إجراء عملية استئصال الغدة بغزة في بداية الحرب. 

كذلك تشكو انشراح من عدم استكمال علاج نجلتها. "شهر ونص بلا علاج. يقال لنا في المستشفى: يفترض السفارة هي التي تعالج وتجد لكم حل".

سامي الجوجو، مدير عام مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان بغزة، يوضح من جانبه، أن مرضى السرطان المحولين لمصر ينقلون إلى مستشفيات بعيدة عن القاهرة وغير متخصصة في السرطان من الأساس. "إذا كان مريض السرطان عنده بروتوكول علاج، حالته تنتكس. أتوقع وجود حالات وفاة خلال الفترة المقبلة بسبب عدم تلقي العلاج اللازم"، يقول الجوجو.

كذلك يشرح محمد المغربي، المرافق مع شقيقه أحمد المصاب بتهتك في مفصل اليد اليمنى نتيجة غارة إسرائيلية، أنه تم تحويله إلى مصر في 6 ديسمبر الماضي لإجراء عملية جراحية، لتبدأ رحلة طويلة من الانتقال من مستشفى لآخر في مصر. "تم التحويل لمستشفى التضامن ببورسعيد. ولكن للأسف لم يجر العملية هناك، ليتم نقلنا إلى مستشفى الحميات بالإسماعيلية. بقينا هناك 45 يومًا دون علاج ولا إجراء عملية، مجرد تغيير على الجرح، ليتم تحويلنا مجددًا إلى مستشفى دار الشفاء في القاهرة، ولم نحصل على العلاج أيضًا". 

من مستشفى دار الشفاء، نقلت السفارة الفلسطينية محمد وشقيقه أحمد إلى فندق للمسنين بالقاهرة. "لم يتم إجراء عملية. حاولنا التواصل مع السفارة ليتم إخبارنا أن تلك هي التعليمات، وأنتم بالفعل تم علاجكم والعلاج خلص وخرجتم".

يتوزع معظم المصابين والمرضى على 160 مستشفى على مستوى الجمهورية، حسب تصريحات وزير الصحة الشهر الماضي، ومنها مستشفيات التل الكبير وأبو خليفة بالإسماعيلية، والحياة والشفاء والتضامن والصدر في بورسعيد، ومستشفى الحميات بدمياط، ومستشفيات العريش والشيخ زويد وبئر العبد في شمال سيناء، والسلام وناصر الطبي في القاهرة.

ويشرح الطبيب السابق في مستشفى التضامن وضع الرعاية الصحية للفلسطينيين بالمستشفيات بشكل عام، موضحًا أن المريض أو المصاب يتم تسكينه في مستشفيات ليس بها رعاية صحية، هي مجرد مكان للانتظار إلى حين اتاحة مكان داخل مستشفى جاهزة لاستقباله، "لذلك يضطر بعض المرضى لشراء العلاج على حسابهم الخاص والعلاج يكون مكلف للغاية".

ويضيف الطبيب أن الوضع سيء بالفعل في هذه المستشفيات لمتلقي الخدمة بشكل عام، مفسرًا أنه على سبيل المثال في مستشفى الصدر في بورسعيد، هناك مرضى لم يتلقوا أي علاج منذ ستة أشهر رغم خطورة حالاتهم الصحية.  

واشتكت "أم محمد" للسفارة الفلسطينية في مصر من عدم تلقيها العلاج أو الحصول على دعم مالي: "المفترض أن هناك مبالغ تأتي على أسمائنا وتبرعات ولكن لا نحصّل منها شيئًا".  

وعن عدد من القادمين للعلاج في مصر يفترض أن تغطي السفارة مصروفات علاجهم بالكامل، لكن ذلك لم يحدث، ومعظمهم ينفقون على علاجهم من أموالهم الخاصة.

الطبيب السابق في مستشفى التضامن أوضح أيضًا أنهم تواصلوا مع السفارة الفلسطينية لتغطية تكاليف العلاج  للمرضى والمصابين، لكن السفارة لم تدعمهم ماديًا، "مجرد زيارات رسمية لهم فقط". 

وعن رد السفير الفلسطيني، دياب اللوح، بخصوص الدعم المالي الذي تقدمه السفارة الفلسطينية للمرضى والمصابين زعم "اللوح"، "أنه لا يوجد أي تضييق أمني على المرضى في المستشفيات، ويصف ذلك بـ"مجرد شائعات"، مضيفًا أنه هناك نظامًا جيدًا للغاية في المستشفيات، ومصر تقدم لهم الرعاية الصحية الكاملة". 

قال التقرير إنه في ظل الحرب التي تخللها انهيار للمنظومة الصحية في القطاع، بدأت عمليات تحويل المصابين والمرضى للعلاج في الخارج. صبحي سكيك، مدير مستشفى الصداقة التركي بغزة، الخاص بعلاج مرضى السرطان، يوضح أن هناك ما يزيد عن 45 ألف طلب تحويل لمرضى ومصابين للعلاج بالخارج، بينهم عشرة آلاف مريض سرطان، إضافة إلى 11 ألف مصاب، فيما كان من يسمح لهم بالسفر قبل 8 مايو الماضي (قبل إغلاق معبر رفح في ظل العملية العسكرية الأخيرة في رفح) يتراوح عددهم بين 40 و43 مريضًا. 

وأضاف "سكيك" أنه لا يوجد تنسيق حقيقي للمرضى حسب حالاتهم، حيث لا توجد آلية ليناقش من خلالها أطباء غزة الشخص المسؤول عن السماح للمرضى والمصابين بالسفر. كما أشار إلى أن مصطلح حالة طارئة لا وجود له على القوائم، وهذا "لا يتماشى مع العرف الطبي والإنساني". بحسب سكيك، اللجنة المسؤولة عن إعداد قائمة السفر النهائية، "لا نعرف عنها شيئًا، لا طريقة عملها ولا أعضائها لأنها من خارج غزة، ولا توجد آلية نناقشهم من خلالها". 

وأشار إلى أن "أعدادًا كبيرة من المرضى لا يوافق على سفرها، وبعضهم ينتظر من قبل بداية الحرب". 


https://mada38.appspot.com/www.madamasr.com/ar/2024/06/06/feature/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC/