ربما لم ينج إنسان من التعامل مع الشخصية المتسلطة التي تُريد دائمًا فرض سيطرتها وتحريك كل الأمور على حسب رغبتها، وهي تُقسّم الجميع إلى فئتين؛ إما معها أو ضدها، لذا يكون التعامل معها مُرهقًا، وحين يجد الآخرون فُرصة للفرار لا يتأخرُّون مطلقًا.

والشخص المُتسلّط ليس لديه مُرونة في التعامل مع الآخرين، بل يتعامل معهم وكأنهم مُسخّرين لتلبية رغباته، وفي الوقت ذاته لا يعترف هو بحاجاتهم ورغباتهم ولا يحترم إنسانيتهم. إنه لا يرى ما هو صحيح وما هو خاطئ إلا من خلال منظوره ومنطقه الخاص، من دون الأخذ في الاعتبار وجهات نظر الآخرين.

مفهوم الشخصية المتسلطة وخطورتها
وتعرف الشخصية المتسلطة بأنها هي التي تُريد فرض سيطرتها على كل مَن حولها، بحيث تكون هي الشخصية الوحيدة التي تعرف كل شيء وتستطيع إصدار القرارات السليمة دائمًا.

والشّخص المتسلط يرغب دائما في الهيمنة على من حوله وتضيق الأمر عليهم بحيث يكون له الحكم والسيطرة واتخاذ القرار، ليلغِي شخصية الآخرين ويَسلبهم حرياتهم في اتخاذ القرار، وهو بالطبع شخص يشكل ازعاجا للغير، حيث يشعرون بعدم الحرية وبأنهم مقيدون وتحت ضغط كبير، ولديهم شعور بأن هناك مَن يتحكم بهم ولا يريد أن يترك لهم أي مساحة لاتخاذ قرار، بل يشعرون بالإهانة والدونية وبأنهم دائما مخطئين.

وصاحب هذه الشخصية يميل الى إلشكّ والاستهزاء بالآخرين وممارسة القوة والسيطرة والقيادة، ويسعى إلى الحصول على متطلّباته عبر طرق لطيفة ومقبولة أو عنيفة ومرفوضة، وهو لا يميّز بين الصحّ والخطأ إلا من خلال منطقه الخاص، ويريد تشكيل العالم على هواه وغير مستعدّ للتنازل عن أفكاره حتى لو لم تناسب المنطق والواقع.

ويتسبب هذه صاحب هذه الشخصية في إلحاق الضرر بالعلاقات مع العائلة والأصدقاء والزملاء، والشعور بالخوف والقلق، وكبت المشاعر مما قد يؤدي إلى مشكلات نفسية في المستقبل.

صفات الشخصية المتسلطة
وتتمثل أبرز صفات الشخصية المتسلطة في النقاط التالية:

إلقاء اللوم على الآخرين: فيأخذ الشخص المتسلط دور الضحية دومًا، فيلوم الآخرين على أتفه الأشياء التي لا علاقة لهم بها أصلًا.

انتقاد الآخرين باستمرار: يحاول الشخص المُتَسلط أن يضعف ثقة الآخرين بتوجيه النقد الدائم لهم على انفراد أو أمام الآخرين.

يكره رؤية الأحباب: فهو يحاول أن يجعل الناس تهتم به وحده طوال الوقت، بأن يبعدهم تدريجيًا عن بعضهم وعائلتهم.
كثير المن على الغير: فهو يتوقع مقابل أي معروف يصنعه، ويجعل الآخرين يشعرون بالذنب إن لم تنفذ له ما يريد فهو 

يحتفظ بسجل لكل معروف صغير يؤديه.

يثير الشك في نفوس الآخرين: حيث ينتقص من مشاعرهم بالكذب أو اتهامهم بالحساسية المفرطة، وعندما يلام على شيء قاله ينكره.

يختلق المشكلات: فعندما تحاول الحديث عن نجاح حققتَه في العمل يغيّر الشخص المتسلط الموضوع، ويتحدث عن شيء أزعجه في ذلك اليوم في محاولة لاستعادة انتباهك.
يخيف الغير: فهو يتصرف بفوقية طوال الوقت، ومن أمثلة ذلك في العمل أن يقاطع زميله أثناء الاجتماعات لإعطاء رأيه.

المزاجية: تظهر على الشخص المتسلط تغيرات شديدة في المزاج، فهو في لحظة يشتري الهدايا للغير، وفي اللحظة التي تليها يعامله بتنمر.

لا يتواضع: فهو شخصية متكبرة ويشعر أنه أعلى من الناس طبقيّا، ويظهر ذلك في المواقف البسيطة، ويتعالى عن التعامل مع الناس، وإن حدث واضطر للتعامل سيتعامل بطريقة سيئة. 

غير متسامح: في أي خطأ صدر في حقه وإن صغر، ويحتاج الآخرين إلى مدة طويلة لإصلاح المواقف بينه ويتمتع بالعناد والابتعاد عنه الراحة النفسية، بسبب كثرة ما يتعرض الناس من علاقته معه من قهر وتسلط في البيت أو العمل. 

متهور: ومن أكثر صفات المتسلط وضوحا هو التهور، وعدم الأخذ بالأمور بعقلانية، ولا بعين الاعتبار عواقب الأمور المتهورة، وهدفه إرضاء غروره وتحقيق مطالبه بصورة فورية. 

يتلفظ ببذاءة: فهو يسب ويشتم ويلعن الآخرين بصورة مبالغ فيها، لتجريح مشاعرهم بخبث، ولا يعطي لأحد الفرصة في الرد أو تبرير موقفه. 
لا يتقبّل الرفض: فهو يرفض كلمة لا، ويحاول إقناع الآخرين ويضغط عليهم لتغيير رأيهم.

يعاني الغيرة غير المنطقية: فالمتسلط يريد أن يستحوذ دومًا على كامل اهتمام الغير، وينزعج كثيرًا عندما ينوي أحد قضاء الوقت مع غيره.

يحاول تغيير غيره: فيحاول وضعه في إطار يناسب اهتماماته بالضغط عليه لتغيير مظهره أو طريقة ملبسه، كأن يحاول رمي ثيابه المفضلة في غيابه أو أن يرفض الخروج معه إن لم يلبس ثيابًا بعينها.

صاحب شخصية درامية: ويرجع ذلك لأن شخصيته ماكرة عند شعوره بأن هناك أي أمر يخالف رغبته فيتصنع أفكار درامية لإعادة سيطرته وهيمنته على من حوله.

يلفت الانتباه: فعادة ما يحب أن يلفت انتباه الغير ويجعل جميع الأنظار تلتفت إليه، فهو ماهر في اختلاق المواضيع والقصص المثيرة للشفقة أو الإعجاب أو الفروسية.
كيفية التعامل مع الشخص المتسلط
وتتطلب الشخصية المتسلطة استراتيجية معينة للتعامل معها وتجنب ردود فعلها التي تتسبب في أذى الغير، ومن ذلك:


وضع حدود للتعامل: فعلى كل شخص أن يحتفظ بمساحاته الشخصية ولا يسمح لأي فرد أن يتخطى تلك الحدود، ولا يفرض أي شيء عليه فلا داعي للمزايدة على الأفكار ولا أن يستبيح أحد حياتنا الخاصة.

التجاهل: فالشخص المتسلط يحتاج لمزيد من التجاهل حتى يشعر بأن ما يفعله دون جدوى والتجاهل يفسد له جميع مخططاته، ويجعله يعي جيدًا أن ما يقوم به من تصرفات غير مقبولة بالنسبة لك.

المواجهة إذا تطلب الأمر: فكثيرًا ما يقوم الشخص المتسلط بإحراج من حوله والتهكم عليه والسخرية منه، وقد يكون ذلك من المؤذي نفسيًا للعديد من الأشخاص، لذا يجب أخذ موقف ومواجهة هذا الشخص وطلب منه التوقف عن ذلك.
الابتعاد قدر الإمكان: الشخص المتسلط يشكل ثقلًا على مَن حولها، ويدفعهم في كثير من الأحيان للتصرف بشكل غير لائق، لذا يجب الابتعاد عنه قدر المستطاع.

الاحتفاظ بالهدوء دائمًا: فأمر طبيعي أن يشعر الأفراد بالضيق حيال التعامل مع شخص متسلط لديه قيود يرغب في فرضها على مَن حوله، وقد يسبب ذلك توترا وضغطا عصبيا ينتج عنه غضب واشتباك، لكن الاحتفاظ بالهدوء قد يعود بالأمور إلى وضعها الطبيعي.

لا للاستسلام: ففي حالة عدم الاستسلام للشّخص المتسلط ربما يساعد ذلك في التخلص من سيطرته.
لا للمجاملة: الشخصية المتسلطة دائما ما تنتظر الثناء والشكر، وفي حالة عدم الثناء الدائم عليها، ربما يتسبب ذلك في إحباطها وجعلها تشعر بأنها غير مرغوب فيها، وغير مرحب بقرارتها.

الشخصية المتسلطة مزعجة لمن حولها، ولا بد من تجنبها أو التعامل معها بحذر شديد، حتى لا تقع فريسة لها فتُفرض عليك قرارات على غير رغبتك، لأنّ الإنسان المتسلط يعيش على سلب فرحة وحقوق الغير، ويحاول دائما الانتفاع بحقه ولا يتمتع بالمرونة في تعامله.