حملة انتقادات واسعة شنها خبراء اقتصاديون، رافقهم فيها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب القرار الذي أعلنه رئيس مجلس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشًا، اعتبارا من أول يونيو القادم.

وقال مدبولي خلال مؤتمر صحفي، إن “مجلس الوزراء، ناقش منظومة الخبز المدعم، الذي لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 عاما، وأن تكلفة رغيف الخبز جنيه وربع”.

وأشار مدبولي إلى الدولة “ملتزمة بوجود الدعم خاصة في السلع الأساسية التي تمس المواطن”، مضيفا ”نوجه الدعوة للحوار الوطني والخبراء لوضع خطة لكيفية التحول لمنظومة الدعم النقدي بدل العيني”.

لكن الدعم النقدي الذي تحدث عنه رئيس مجلس الوزراء، مازالت تحيط به الكثير من علامات الاستفهام، حول جدوى وآليات تطبيقه.. إذ يقول الدكتور نادر نور الدين، الأستاذ بجامعة القاهرة، إن “درسنا الدعم النقدي وعيوبه باستفاضة في وزارة التموين، وكانت النتيجة عدة معوقات واجهت تفاصيل العملية”.

وأوضح نور الدين “لمن نصرف الدعم للزوج أم للزوجة المسئولة عن إطعام الأسرة؟! وإذا صرفناه للزوج ماذا نفعل في الزوج في المناطق الشعبية والريفية والعشوائية إذا صرف مبلغ الدعم النقدي وصرفها في غير محلها؟ وإذا صرفناه للزوجة فماذا لو تركت الأسرة أو طُلقت أو تزوجت وتوقفت عن إنفاق الدعم النقدي على اولادها من زواجها السابق؟!”.

وأضاف “في الدعم النقدي هل يحق للزوج أو الزوجة استخدامه مثلا في دفع مصاريف الدراسة وفي شراء ملابس المدرسة أو الجامعة لأولادهم وفي هذه الحال مامصير تغذية الأبناء؟! وهل نعطى لرب الأسرة أو ربة الأسرة بطاقة بالمبلغ ويشترى بها أغذية من اي سوبر ماركت او بقاله، ولكن ماذا لو اشترى بها ادوات تجميل أو حلويات او اي سلعة غير غذائية؟! وهل سنصدر أوامر للسوبر ماركت بصرف سلعا غذائية فقط على كارت الدعم؟! هنا نكون قد ألغينا الدعم النقدي وعدنا إلى الدعم العيني!”.

واستكمل “إن الدعم النقدي لصالح الحكومات فقط بينما الدعم العيني لصالح الفقراء فمثلا الدولة وضعت خمسين جنيها للفرد سلعا تموينية كانت تشترى وقتها زيت وسكر و أرز وفول وعدس وشاي، واليوم مع ارتفاع الاسعار لا تشترى نصف زجاجة زيت! إذن الدعم العيني يجعل الحكومة توفر ولا تزيد أعباء دعم الغذاء سنويا ودوريا وتدعي أنها تصرف دعما غذائيا!، ولو كان دعما غذائيا لصرفت كما أيام مبارك كيسين سكر وكيسين ارز وزجاجة زيت وباكو شاي وكيس مكرونة وكيس فول ويتم تنقية للصرف للفقراء فقط”.

واسترسل “الدعم العيني لصالح الفقراء، لأنه يصرف به سلعا تموينية للأسرة فقط حتى لو التموين أضافت عليه سلعا كمالية مثل مساحيق غسيل وحلويات وغيرها”.

وشدد نادر نور الدين على أن “صرف مليارات الجنيهات للأسر كدعم نفدي سيؤدي إلى زيادة السيولة المالية في الأسواق وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وبالتالي لن يمكن الأسر من شراء الغذاء الرخيص”.

في السياق، يؤكد نادر نور الدين أن رغيف الخبز المدعم شهد عدة تخفيضات على وزنه خلال السنوات الماضية ما مثل تخفيضًا في الدعم.

وقال نور الدين إنه تم “خفض وزن الرغيف من ١٦٠ جراما إلى ١٢٠ جراما، وهو نوع من تخفيض الدعم بنسبة ٢٥٪؜، وخفض وزن الرغيف مره أخرى من ١٢٠ جراما إلى ٩٠ جراما حاليا، وهو نوع من تخفيض الدعم بنسبة ٢٥٪؜ مرة أخرى، كما تم تخفيض نوعية دقيق الخبز من دقيق استخلاص ٨٢٪؜ إلى دقيق ٨٦٪؜ يعني دقيق أقل و (ردّة) أكثر أيضا، وهو كذلك نوع ثالث من تخفيض الدعم.. يعنى بلاش نتكلم عن سعر الرغيف فقط ولكن نتكلم عن دعم الرغيف وتدرجه وتخفيضه عدة مرات خلال السنوات العشر الماضية”.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، زهدي الشامي، إن قرار الحكومة بزيادة سعر رغيف خبز التموين من ٥ قروش إلى ٢٠ قرشا مرة واحدة هو قرار جائر ويحمل الفقراء أعباء كبيرة جديدة، مشددًا على أنه يأتي في ظل السياسات الاقتصادية الفاشلة التي تنتهجها الحكومة الحالية.

وأضاف الشامي أن “الحكومة ألغت العدالة الاجتماعية المنصوص عليها في الدستور، وبالفعل حتى لا تتحدث عنها مطلقا، واستبدلتها هي وشريكها صندوق النقد الدولي بما يسمونه (الحماية الاجتماعية). وتلك الحماية الاجتماعية المزعومة هي بعض الإجراءات والبرامج لتخفيف أثر برامج الإصلاح الاقتصادي التي هي برامج مدمرة على الفئات الاجتماعية الفقيرة والضعيفة والمهمشة والتي هي في الواقع غالبية شرائح المجتمع المصري، ثم تعود وتتراجع حتى عن برامج الحماية الاجتماعية ذاتها، لأن رقم الدعم فى الموازنة يتضخم ويصير فلكيا”.

واستدرك الشامي “ولكن تضخم رقم الدعم راجع بالدرجة الأولى للإجراءات الاقتصادية شديدة الخطأ والضرر التى ينتهجونها.
وبالذات منذ القرار الكارثى قبل نحو ثلاثة أشهر بالتعويم أو بالأحرى تخفيض سعر صرف الجنيه المصري من نحو ثلاثين جنيه للدولار إلى نحو ٥٠ جنيها، فأحد الآثار المتوقعة بشكل مؤكد هو ارتفاع فاتورة الدعم بنفس النسبة تقريبا لارتفاع سعر القمح والغاز والبترول مقوما بالعملة الأجنبية بعد التعويم.. وبالتالي فإن شكوى الحكومة اليوم مما اقترفته يدها هي من عبث اقتصادي واستخدام ذلك ذريعة لذبح المواطن المذبوح أصلا إنما هو نوع من السفه والبله و عدم الإحساس بالمسؤولية بشكل مطلق، ضمن آثار كارثية أخرى لاتقل خطورة عما يحدث في ملف الدعم”.

واستكمل “ومن ضمن مسلسل العبث والتهريج السياسي إلى جانب التهريج الإقتصادي، أن هذه الحكومة تدعو ما تسميه الحوار الوطني للانعقاد من جديد بدءًا من يوم الأحد القادم ٢ يونيو ٢٠٢٤ ، من أجل استغلاله للدعوة ليس لصالح المواطن، ولكن في مخططها العبثي للإجهاز على مصالح وحقوق المواطن البسيط ومن ضمن ذلك الترويج لمزيد من إلغاء الدعم بتحويل ماتبقى من دعم عينى إلى ماتسميه دعم نقدي”.

الانتقادات الواسعة من جانب الخبراء والمواطنين، دفعت المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم رئاسة مجلس وزراء الانقلاب، إلى الخروج بتصريحات أكد فيها أنَّ قرار رفع سعر الخبز المدعم من خمسة قروش إلى 20 قرشًا جاء نظرا للحاجة الماسة لترشيد الدعم وضمان وصوله لمستحقيه.

وأضاف خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “90 دقيقة” عبر شاشة “المحور”، أن الخطوة تهدف أيضًا لضمان استدامة قدرة الدولة على تقديم الخدمات المختلفة وعلى رأسها رغيف الخبز المدعم.

وذكر أنه كان من الضروري تحريك السعر ولو بشكل بسيط يغطي جزءًا من التكلفة الفعلية للرغيف وليس كل التكلفة.

ولفت إلى أن الحكومة مستمرة في دعم محدودي الدخل من خلال التزام الدولة بدعم الجزء الأكبر من تكلفة رغيف الخبز، مشيرا إلى رفع سعر الرغيف إلى 20 قرشا يرافقه التزام الدولة بدعم بقية التكلفة والتي تصل إلى 105 قروش.

وأوضح أن هذا يعني أن الدولة لا تزال تدعم المواطن وتتحمل الجزء الأكبر من التكلفة، مؤكدا أن رفع السعر بقيمة 15 قرشًا هي زيادة بقدر بسيط لتغطية جزء من هذه التكلفة.

لكن الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، انتقد القرارات الأخيرة الصادرة عن الحكومة برفع سعر الخبز المدعم من خمسة قروش إلى عشرين قرشًا للرغيف.

وقال الميرغني إنه “في بلد يعيش فيه أكثر من ٣٥% تحت خط الفقر يعد دعم الخبز ضرورة وفرض عين ويصبح التحول من الدعم العيني الي الدعم النقدي جريمة واعتداء علي حق أكثر من نصف السكان في الغذاء الكافي”.

وأضاف الباحث الاقتصادي أن “رفع سعر رغيف الخبز ٤٠٠% مرة واحدة يضر بقدرة المصريين علي الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من العيش الحاف، وقد جاء استجابة لشروط صندوق النقد الدولي الذي أغرق مصر في مستنقع الديون”.

وأشار الميرغني إلى أنه “يوجد ٤٤ مليون مواطن لا يستفيدون من منظومة دعم الخبز التي تطبق على ٦٢ مليون مواطن، إضافة إلى أن نسبة لا يستهان بها تستكمل احتياجها من الخبز الحر، وقد تم تخفيض وزن رغيف الخبز المدعم من ١٣٠ جراما إلى ٩٠ جراما وبذلك أصبحت كمية الخبز لا تكفي استهلاك الفرد اليومي من (العيش الحاف) بدون أي طعام آخر”.

ونبه الميرغني إلى أن “سياسات الحكومة الفاشلة جعلت مصر تنفق ٦٢% من الاستخدامات على سداد الفوائد وأقساط الديون، إضافة إلى أن ما يقرب من نصف مستحقات الدعم أرقام مختلف عليها سواء دعم المنتجات البترولية أو دعم التأمين الاجتماعي والذي هو جزء من قسط أموال المعاشات التي استولت عليها وزارة المالية”.

واختتم الباحث الاقتصادي بالتحذير من القرارات التي تمس الفقراء، قائلا “ابتعدوا عن اللعب بالدعم ولا تكرروا أخطاء الماضي في ظل مخاطر سياسية كبري تحيط بمصر”.