بعد أكثر من 200 يوم من العدوان على الفلسطينيين في قطاع غزة، وحرب إبادة لا هوادة فيها ضد الناس والمباني والنباتات والحياة البرية، هل وجدت إسرائيل ما تبحث عنه؟ شنت دولة الاحتلال هجومها على أساس أن كل همجيتها في ساحة المعركة يجب أن تؤدي إلى هزيمة المقاومة الفلسطينية، حتى على حساب ذبح كبار السن والنساء والأطفال وتدمير البنية التحتية المدنية. ولم يتحقق ذلك على الرغم من إراقة الدماء الهائلة خلال الأشهر السبعة الماضية.
وينظر الإسرائيليون إلى الثمن الذي سيتم دفعه نتيجة فشل الحكومة والقوات المسلحة في تحقيق أهداف بنيامين نتنياهو المعلنة في حربه. يتم إنفاق مليارات الشواكل – مئات الملايين من الدولارات – يوميًا، وموجات العداء تغمر الدعاية الصهيونية، ويتلاشى الدعم الدولي وسط تحولات تغير قواعد اللعبة في الرأي العام الأميركي والأوروبي وتعطلن اتفاقيات التطبيع في العالم العربي ومن المحتمل أن يكون مكانة إسرائيل السياسية وعامل الردع الإقليمي قد تعرضا لأضرار لا يمكن إصلاحها وهناك ضغوط قانونية وأخلاقية وسياسية غير مسبوقة على دولة الاحتلال ومستوطنيها غير الشرعيين.
هناك اعتقاد قوي في إسرائيل بأن الحرب في غزة إذا انتهت كما هي، ستكون لها عواقب كارثية على الاحتلال.
لقد خلقت واقعًا جديدًا يشكل حافزًا لكل القوى المناهضة للاحتلال في المنطقة. ونتيجة لذلك، فإن إسرائيل ستكون أمام ضرر استراتيجي يفوق ما يسمى بإنجازاتها التكتيكية، ويمهد الطريق لمواجهة المزيد من الضغوط بمختلف أنواعها.
لقد فشلت أكثر من 200 يوم من الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة في القضاء على قدرات المقاومة لدى حماس - التي مع ذلك، لا تزال تعاني بشكل كبير بلا شك - ولا تزال الحركة هي حكومة الأمر الواقع في القطاع، وتبذل قصارى جهدها من أجل مساعدة الناس في أصعب الظروف. ويعتقد الإسرائيليون أن حماس ستكون قادرة على إعادة تأهيل ما تم تدميره، ويشيرون إلى أنها تمكنت في غضون أيام قليلة خلال هدنة نوفمبر من إحياء قدراتها القتالية في مناطق معينة. ويتساءلون: ما الذي ستتمكن من فعله إذا تم الاتفاق على وقف طويل الأمد لإطلاق النار، أو انتهت الحرب تماماً؟
ومن ثم، فمن غير المرجح أن تؤدي الخطط العملياتية غير الواضحة التي يعمل في ظلها جيش الاحتلال، دون أن يكون لها هدف واضح ومحدد، إلى النتيجة المرجوة.
وفي الوقت نفسه، لخصت حماس 200 يوم من الحرب في بيان صدر مؤخرًا عن المتحدث العسكري باسمها. وذكر الإنجازات الاستراتيجية، بما في ذلك الخسائر التي تتكبدها قوات الاحتلال يوميًا من حيث القتلى والجرحى من الجنود، على الرغم من الإمدادات التي لا نهاية لها على ما يبدو من الأسلحة والذخائر الموجودة تحت تصرفها (بفضل الولايات المتحدة وألمانيا وحلفاء آخرين، وجميعهم متواطئ في هذه الإبادة الجماعية). إذا تحول الصراع إلى حرب استنزاف، سيكون من المثير للاهتمام معرفة أي جانب سينهار ويستسلم أولاً. وعلى أية حال، فإن الحرب الطويلة الأمد ليست في مصلحة دولة الاحتلال.
ولعل أوضح دليل على ذلك هو أعمال المقاومة الأخيرة شرق خان يونس وفي بيت حانون. وتستخدم هاتان المنطقتان كمناطق عازلة إسرائيلية. لكن الواقع على الأرض هو أن عشرات المقاتلين كانوا يراقبون تحركات جيش الاحتلال. وفي الوقت نفسه، تواصل الحركة إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية من هذه المناطق بالذات، مما يرسل رسالة قوية إلى دولة الفصل العنصري مفادها أنه على الرغم من التدمير شبه الكامل للبنية التحتية المدنية وقتل الفلسطينيين – معظمهم من الأطفال والنساء – إلا أنها لم تحقق أهدافها.
والنتيجة هي أن هناك قلقًا متزايدًا في إسرائيل من أن هذه الحرب ستستمر لعدة أشهر أخرى، وربما لفترة أطول، مع غرق قواتها في مستنقع غزة، جسديًا ومجازيًا. ويبدو أن الجيش لم يكن مستعدًا لحرب العصابات التي تستخدمها جماعات المقاومة.
علاوة على ذلك، تمت إعادة معايرة الأهداف العملياتية وفقًا للتطورات على الأرض والقيود السياسية، وهي الآن في الواقع أقل تحديدًا من ذي قبل. وبدلاً من التدمير الكامل لقدرات حماس العسكرية والحكومية، نرى الآن أن جيش الاحتلال يريد ببساطة التأكد من أن حماس غير قادرة على تنفيذ هجوم آخر على غرار هجوم 7 أكتوبر في السنوات القادمة.
ومهما حدث فإن إسرائيل ارتكبت خطأً في مواءمة خطتها العملياتية مع أهداف الحرب المعلنة لرئيس وزراء يواجه اتهامات جنائية (وربما الآن اتهامات بارتكاب جرائم حرب) والذي تعتبر الحرب بمثابة بطاقة مؤقتة "للخروج من السجن".
لا يمكنك قصف أيديولوجية ما لإجبارها على الخضوع. قتل أفراد رئيسيين من حماس في الماضي، ودخل بدلاء جاهزون ببساطة إلى الثغرة، وبالتالي فإن التحدي الذي تمثله حركة المقاومة الإسلامية لن يختفي. وما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والقمع الذي يتعرض له شعبها، فإن الإسرائيليين سيشعرون بالخوف في كل مرة يلوح فيها السابع من أي شهر.
إنهاء الحرب يعني إنهاء الاحتلال.
