تعلقت الآمال بصفقة رأس الحكمة، على ساحل البحر المتوسط، أن تكون منقذًا لمصر من أزمتها الاقتصادية الطاحنة في توفير الدولار، في أعقاب الاتفاق مع دولة الإمارات على ضخ 35 مليار دولار استثمارات مباشرة، لتنمية هذه المنطقة.

كما أعلنت حكومة الانقلاب وصندوق النقد الدولي، توصلهما إلى اتفاق لزيادة حجم التمويل ضمن البرنامج الذي اُتفق عليه في ديسمبر 2022، ليزيد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.

 

الأزمة لم تنته

ويعلق خبراء أن الأزمة الاقتصادية بالنسبة لمصر "لم تنته بعد"، وأن هناك المزيد من التحديات والمتغيرات التي قد تؤثر على آفاق الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة.

يقول الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إن "ما حدث بعد الاتفاق على صفقة رأس الحكمة يشبه ذوبان قمة جبل الثلج. لكن الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة".

ويضيف: "الحكومة حتى الآن في مرحلة تمهيدية.. صحيح البعض يتحدث عن نوع من الاستقرار في سوق الصرف، واختفاء المضاربة في السوق السوداء على الدولار، لكن هذه ليس المرة الأولى، فقد حدث هذا الأمر عام 2016 حينما تم تنفيذ إصلاحات مشابهة لسعر الصرف، ثم تجددت الأزمة مرة أخرى قبل عامين"، وفقًا لموقع "الحرة".

ويرى عبد المطلب أن "من المبكر الحديث عن انتهاء الأزمة، خصوصًا في ظل تعهد الحكومة بالمزيد من التدابير الاقتصادية لإصلاح الخلل في ميزان المدفوعات المصري، ومنظومة الدعم".

ويؤكد هذا أيضًا الخبير الاقتصادي، السيد خضر، الذي يقول إن "التحول الاقتصادي يستغرق وقتًا وجهودًا مستمرة لتحقيق نتائج إيجابية قابلة للقياس"، مشيرًا إلى أن "مصر تواجه منذ عقود تحديات كبيرة فيما يتعلق بارتفاع التضخم والبطالة، وتصاعد مستويات الدين العام".

ويتابع "الحكومة تنفذ برامج إصلاح اقتصادي شامل بهدف تحسين الوضع وتعزيز النمو المستدام، ومع ذلك فإن هذه الإصلاحات قد تواجه العديد من العوائق".

 

المزيد من الإصلاحات "الصعبة"

ويشدد صندوق النقد الدولي على أن دعم أسعار البنزين في مصر "تصب بشكل رئيس في صالح الأغنياء على حساب الفقراء" الذين لا يملك معظمهم سيارات، وفق وكالة رويترز.

وفي مؤتمر صحفي قبل أسبوعين تقريبًا، تحدثت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، عن ضرورة تنفيذ السلطات إصلاحات فيما يتعلق بدعم الوقود، واستبداله بالإنفاق الاجتماعي الموجه للأسر الأكثر احتياجًا.

وتظهر بيانات موازنة العام المالي الحالي 2023/2024 أن مصر رفعت الدعم المخصص للطاقة والمواد البترولية والكهرباء بنسبة 150 بالمئة تقريبًا، من 48 مليار جنيه (1.01 مليار دولار) إلى 119.4 مليار جنيه (2.52 مليار دولار).

 

معاناة المواطن

ويتوقع الخبراء إقدام الحكومة على المزيد من التدابير الاقتصادية خلال سنوات الاتفاق مع صندوق النقد، من أجل ترشيد الدعم، خاصة فيما يتعلق بالبنزين والكهرباء وبعض الخدمات الحكومية، مما يؤثر على الأوضاع المعيشية في البلاد.

ويقول عبد المطلب إن "ما تعهدت به مصر من إجراءات صعبة يتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي، خصوصًا فيما يتعلق بإلغاء الدعم كليًا، بما في ذلك دعم الوقود والكهرباء".

ويتابع: "إلغاء الدعم أو رفع أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة أو تحتكرها، من مترو الأنفاق والسكك الحديدية والكهرباء والغاز والمياه، سيزيد بالتبعية من معاناة المواطن".

ويرى عبد المطلب أن "المواطن حاليًا يحاسب طبقًا للأسعار العالمية ولا يمكن زيادة الأسعار بأي شكل؛ لأنه عند حساب الأسعار التي يدفعها المواطن مقابل الكهرباء أو الوقود أو المواصلات يجب مراعاة القوة الشرائية للجنيه، وما يستطيع أن يدفعه مقابل حصوله على السلع والخدمات".

ويستطرد عبد المطلب: "يتراوح متوسط الأجور في مصر بين 100 و120 دولارًا شهريًا، لذلك لا يمكن أن يحاسب بالأسعار التي يحاسب بها المواطن في أوروبا، الذي يتقاضى هذا الأجر خلال يوم عمل أو أقل من ذلك".

وبلغ معدل التضخم في مصر، التي يعاني ثلث سكانها تقريبًا من الفقر، نحو 33.7 بالمئة في مارس الماضي، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي قبل أيام. فيما يقول البنك الدولي إن مصر من بين البلدان العشر الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء في العالم.

ورفعت حكومة الانقلاب مؤخرًا الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص إلى 6000 جنيه شهريا (126.49 دولار)، فيما يشتكي مواطنون يعملون بالقطاع الخاص من رفض بعض الشركات زيادة الحد الأدنى من المستوى السابق عند 3500 جنيه شهريًا (73.78 دولار).

وفي مطلع العام الحالي، قررت مصر رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح ما بين 16و 26 بالمئة اعتبارًا من بداية يناير وحتى نهاية يونيو المقبل.

كما قررت وزارة البترول قبل نهاية مارس الماضي، زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز للمرة التاسعة في 3 أعوام، حيث رفعت أسعار البنزين بمختلف أنواعه بنسبة 10 بالمئة، وسعر السولار بنسبة 21 بالمئة إلى 10 جنيهات من 8.25 جنيه، وسعر أسطوانة غاز الطهي بنسبة 33 بالمئة إلى 100 جنيه من 75 جنيهًا.

وفي كل الأحوال يعاني المواطن سواء كان هناك تحرير لأسعار الطاقة أم لا، حسب عبد المطلب، الذي يقول: "الدخل في مصر منخفض للغاية ومهما حاولت الدولة إصلاحه في الوقت الحالي، فإنه سيتراجع مع أول انخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار، وسيفقد كل ما تم من إجراءات زيادة الأجور. وبالتالي يستمر عدد الفقراء في التزايد".

ويتابع: "صحيح أن هناك مؤشرات على تراجع معدلات الفقراء، لكن أعدادهم تتزايد مقارنة بأعداد السكان، لأن معدل الفقر حاليًا تقريبًا 30 بالمئة، ونحن نتحدث عن 30 مليون فقير مقارنة بنحو 28 مليونًا في عام 2017 حينما كان عدد السكان 80 مليون نسمة ونسبة الفقر 35 بالمئة تقريبًا".

ومنذ 4 أعوام، لم تنشر حكومة الانقلاب بيانات الفقر في البلاد. وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير "بحث الدخل والإنفاق" في عام 2020، والذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة من أعلى مستوى في نحو 18 عامًا عند 32.5 بالمئة والمسجل في عام 2018.

وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق "بحث الدخل والإنفاق"، نحو 857 جنيهًا للفرد شهريًا (55 دولارًا بأسعار الصرف في نهاية 2020، و18 دولارًا بأسعار الصرف الحالية).

 

شبكة الحماية الاجتماعية

يؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تقوم مصر بتحويل الدعم العيني للبنزين والكهرباء إلى دعم نقدي من خلال برامج شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل برنامج تكافل وكرامة وتوسيع نظام التأمين الصحي الشامل، إلى جانب التوسع في السجل الاجتماعي لتوجيه برامج الحماية الاجتماعية لمستحقيها على نحو أدق.

وتعليقا على ذلك يقول عبد المطلب: "هذه الخطوة تهدف إلى تقليل الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل. لكن التحول إلى الدعم النقدي يجب أن يرافقه دراسات حقيقية وموسعة للتعرف على دخل الأسر، ووجود بيانات متكاملة بشأن معدلات الفقر والفقراء".

ويستطرد: "إذا كان هناك رؤية حقيقة لتحويل الدعم العيني إلى نقدي، يجب أن تكون هناك قاعدة بيانات متكاملة حول الفقراء في مصر، والتي ستسهم بدورها في القضاء على الفساد فيما يتعلق بمنظومة الدعم، فمثلًا الأموال المخصصة لدعم السلع التموينية لا يصل منها إلا 20 بالمئة فقط للمستحقين".

 

التراجع عن الإصلاحات

اتفق الخبراء خلال حديثهم على صعوبة أن تتراجع الحكومة عن الإصلاحات والتعهدات التي اتفقت عليها مع صندوق النقد، حيث سيكون لذلك تأثيرات عكسية على الظروف الاقتصادية في البلاد. ويقول عبد المطلب: "إذا لم تتمكن مصر من الوفاء بتعهداتها، فسنعود إلى المشاكل السابقة نفسها".

ويضيف: "برنامج مصر مع صندوق النقد يشترط إجراءات تنفذ على الأرض مقابل الإفراج عن الشرائح. وبالتالي مسألة الاكتفاء بالتعهدات لم تعد كافية حتى يقوم صندوق النقد الدولي بتوفير التمويل والإفراج عن الشرائح التمويلية المتفق عليها".

وتسلمت مصر في نهاية مارس الماضي، شريحة من صندوق النقد الدولي بنحو 820 مليون دولار، ومن المقرر أن تتم المراجعة ربع السنوية المقبلة بحلول نهاية يونيو 2024، التي ستحصل بموجبها مصر على شريحة جديدة بنحو 820 مليون دولار.

ويقول خضر: "التراجع عن أي إصلاحات يمكن أن يؤثر سلبًا على وضع الاقتصاد، حيث إن عكس الإصلاحات بشكل غير مدروس، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الديون العامة وتفاقم الصعوبات الاقتصادية بالبلاد".

ومن المقرر أن يجري صندوق النقد الدولي، مراجعات كل 6 أشهر مع حكومة الانقلاب لتقييم التقدم المحرز فيما يتعلق بالإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في البرنامج، على أن تتم المراجعة الأخيرة في خريف عام 2026.