لم تستطع مصر الحفاظ على نشوة الفرح بزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي، إذ سرعان ما تبخرت هذه النشوة بسبب الديون من جهة، وسطوة الدولار على الجنيه من جهة أخرى.

 

ارتفاع الدين الخارجي لمصر

ارتفع الدين الخارجي لمصر 3.5 مليار دولار تقريبًا في الربع الرابع والأخير من عام 2023، بحسب ما أفادت بيانات حكومية الأربعاء.

وأفاد موقع وزارة التخطيط بناء على معلومات من البنك المركزي أن الدين الخارجي للبلاد وصل إلى 168.034 مليار دولار ارتفاعًا من 164.522 مليار دولار في الربع السابق، والذي كان يعادل 42.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتمثل الديون الطويلة الأجل نحو 81.6 بالمئة من الإجمالي.

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو أربعة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية بالتزامن مع إنفاق الدولة على مشروعات حكومية.

بينما أشارت البيانات إلى ارتفاع في احتياطي مصر الكلي من النقد الأجنبي إلى 40,363 مليار دولار في مارس الماضي ارتفاعا من 35,313 مليار دولار، وفقًا لموقع "الحرة".

وكان وزير المالية محمد معيط، قد قال الثلاثاء، إن الأولوية الرئيسة للحكومة هي خفض التضخم إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي، متوقعًا ارتفاع النمو في السنة المالية التي تبدأ في يوليو إلى 4.2 بالمئة من 2.8 بالمئة هذا العام.

ويتوقع صندوق النقد نمو الناتج المحلي ثلاثة بالمئة في العام الميلادي الحالي.

وانخفض التضخم إلى 33.3 بالمئة في مارس من مستوى قياسي بلغ 38 بالمئة في سبتمبر، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي طويل الأمد الذي يتراوح بين خمسة وتسعة بالمئة.

وتضرر الاقتصاد بسبب الحرب المستمرة في غزة منذ ستة أشهر والتي أبطأت نمو السياحة وقلصت إيرادات قناة السويس، وهما من أكبر مصادر العملة الأجنبية في البلاد.

وقال معيط إن إيرادات القناة تراجعت بأكثر من 60 بالمئة.

وفي السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي طالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبًا.

وجاءت خطوة البنك المركزي لتخفيض العملة المحلية إلى نحو 49.5 جنيه للدولار الواحد من مستوى 30.85 الذي أبقاه عنده في الشهور السابقة، في أعقاب الاتفاق مع دولة الإمارات على ضخ 35 مليار دولار استثمارات مباشرة، لتنمية منطقة "رأس الحكمة" على البحر المتوسط بشمال غرب البلاد، وهي الأموال التي اعتبرت القاهرة أنها ستساعد في حل أزمة نقص العملات الأجنبية التي انتعشت بفضلها السوق الموازية في الأشهر الماضية.

ونتيجة لذلك، أعلنت الحكومة وصندوق النقد الدولي، توصلهما إلى اتفاق لزيادة حجم التمويل ضمن البرنامج الذي اُتفق عليه في ديسمبر 2022، ليزيد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.

 

زيادة سطوة الدولار على الجنيه

ومن جهة أخرى، يتوقع اقتصاديون أن يواصل الجنيه تراجعه أمام الدولار والعملات الرئيسة خلال الفترة القادمة، مع عدم وجود رؤية للمستويات التي سيتوقف عند حدودها، مع وجود حالة عدم اليقين التي تسيطر على الوضع الجيوسياسي في المنطقة.

وتؤكد حنان رمسيس خبيرة أسواق المال أن ارتفاع الدولار والعملات الرئيسة مقابل الجنيه خلال الأيام الماضية، جاء مرتبطًا بصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، الذي دفع إلى زيادة أسعار النفط خلال الأيام الماضية ورفع من قيمة الواردات في دولة تعتمد على استيراد المحروقات وأغلب سلعها الرئيسية.

تشير خبيرة أسواق المال والاستثمار إلى أنه رغم توقيع الحكومة اتفاقيات مالية بقيم كبيرة، لبيع أرض رأس الحكمة على البحر المتوسط شمال البلاد بقيمة 35 مليار دولار، والحصول على قروض جديدة من صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، بمبالغ إجمالية تزيد عن 55 مليار دولار، فإن هذه التدفقات مازال معظمها قيد الإعداد، ولم تصل إلى مرحلة التنفيذ إلا الدفعة الأولى من بيع رأس الحكمة للجانب الإماراتي، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وأوضحت أن المتحصلات بالدولار متأخرة وتحتاج إلى مزيد من الوقت لدخولها في أرصدة البنك المركزي، والمؤسسات المصرية، بينما الحكومة تواجه زيادة كبيرة في حاجتها إلى الدولار لدفع مستحقات الدائنين والإفراج عن السلع الموجودة في الموانئ، واستيراد الأدوية ومستلزمات الإنتاج، بما يزيد الضغوط على طلب الدولار، في وقت تعهدت به الحكومة الالتزام بمرونة سعر الصرف، الأمر الذي يجبر البنوك على رفع سعر العملة الأمريكية، وفقًا لضغوط الطلب مع قلة العرض.

وعاود الدولار ارتفاعه في البنوك والسوق الموازية، منذ أول أمس الاثنين، بعد رحلة هبوط أمام الجنيه، استمرت 4 أسابيع. وبلغ سعر الدولار في البنك المركزي 47.52 جنيهًا للشراء 47.65 جنيهًا للبيع. بينما صعد في البنوك بما يقارب الجنيه إلى 48.5 جنيه للشراء في المتوسط، بينما يتجاوز هذه المستويات في السوق الموازية ليلامس 50 جنيهًا.

وتبدي خبيرة المال والاستثمار خشيتها من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما يدفع شركات الشحن الرئيسة في العالم، إلى استمرار مقاطعة مرور سفنها في البحر الأحمر، الأمر الذي يزيد من خسائر قناة السويس من عوائد المرور بالعملة الصعبة. وتؤكد أهمية بحث الحكومة عن مسارات بديلة، للحصول على العملة الصعبة، عبر ضغط المصروفات بالدولار، وتنمية المشروعات الزراعية والإنتاجية، لخفض اعتماد الأسواق على الاستيراد من الخارج، محذرة من استمرار الحرب مع تزايد حاجة الحكومة للاستيراد، بما يبقي الضغط قويًا على طلب الدولار.