رصد تقرير حقوقي يوثق جرائم حرب محتملة، تورطت فيها قوات الحكومة  وتنظيم داعش خلال عقد من النزاع المسلح في شمال سيناء، تسببت في تقويض حق جيل كامل من الطلاب في التعليم.

وقال تقرير "ألغام المستقبل" الذي أعدتىه مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أن لديه أدلة دامغة تثبت قيام السلطات المصرية بتدمير 73 مدرسة، واستخدام 49 مدرسة لأغراض عسكرية، من بينها 10 مدارس لا تزال تعمل كقواعد عسكرية للجيش.

ونشرت المؤسسة مع التقرير، خريطة تفاعلية تتضمن مواقع دقيقة ل 135 منشأة تعليمية منتهكة مدعمة بصور حصرية من الأرض، تمثل قاعدة بيانات مفتوحة المصدر للصحفيين والباحثين وصناع القرار.

وأشار التقرير إلى أنه "في نهاية عام 2013 احتدمت العمليات العسكرية بين القوات الحكومية المصرية، وخاصة الجيش، وبين عناصر إسلامية مسلحة متطرفة أعلنت لاحقا - في 2014 - مُوالاتها لتنظيم "داعش" وتسمية نفسها باسم "ولاية سيناء".


و قدمت مؤسسة سيناء منذ نشأتها تقارير دامغة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقواعد الحرب التي ارتكبت من طرفي المعركة. لكن أحد الأنماط الخطيرة للانتهاكات التي لم تنل الحظ الكافي من التغطية كانت الانتهاكات المتعلقة بالحق في التعليم. يسعى هذا التقرير إلى جبر ذلك النقص المعلوماتي خاصة وأنه يصدر في عام 2024 بعد أن تم القضاء بشكل كبير على تنظيم "ولاية سيناء" وبعد تصريحات متعددة لمسؤولين مصريين، على رأسهم عبد الفتاح السيسي، عن عودة الحياة إلى طبيعتها في شمال سيناء!
تدمير المدارس
وبين الانتهاكات الخطيرة التي رصدها التقرير  وكانت الأكثر شيوعا في توثيق التقرير، تورط قوات "إنفاذ القانون" المصرية، المشتركة من الجيش والشرطة، وبخاصة الجيش، في تدمير عددٍ كبير من المدارس، دون توفير بديل حقيقي لتلاميذ تلك المدارس، كما تورطت قوات الجيش والشرطة، في استهداف بعض المدارس في عمليات القصف المدفعي والجوي. وقد وثقت المؤسسة تدمير 73 مدرسة في مدن شمال سيناء خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

وأضافت أنه في بعض الأحيان حينما قامت قوات الجيش بتهجير الأهالي قسريا في بعض القرى لكن أبقت على المدارس فيها مغلقة دون هدمها، ولكن أيضا دون توفير بديل مناسب لطلاب تلك المدارس المغلقة.  وقد وثقت المؤسسة إغلاق 7 مدارس في مدن شمال سيناء لمدد زمنية مختلفة خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

وأشارت إلى تورط قوات الجيش والشرطة أيضا في استخدام المدارس لأغراض عسكرية؛ مثل التمركز فيها كَنِقاط تفتيش ومراقبة، وتحويلها إلى مخيمات ومعسكرات للإمداد والتموين، أو كمرْتكزات عسكرية في العمليات. في بعض الحالات تم إخلاء تلك المدارس من الطلاب وتوقفت فيها العملية التعليمية، لكن في أحيان أخرى كان الانتهاك أكثر خطورة حينما استخدمت قوات الجيش بعض المدارس برغم بقاء الطلاب والمعلمين فيها، مما عرضهم للخطر الجسيم. وقد وثقت المؤسسة استخدام  49مدرسة لأغراض عسكرية في مدن شمال سيناء لمدد زمنية طويلة مختلفة، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، بعضها ما يزال مستخدما كـ ثكنات عسكرية حتى وقت نشر التقرير.

تورط داعش
واتهمت المؤسسة ايضا تنظيم "ولاية سيناء" بالتورط بشكل منهجي متكرر في استخدام بعض المدارس في أنشطة عسكرية، تبدأ من المراقبة حتى التفخيخ والتدمير. كما قاموا بالاعتداءات المختلفة على الطلاب والطالبات والمعلمات. كما تورطت عناصر التنظيم في سرقة ممتلكات المدارس من مبالغ نقدية وأجهزة كمبيوتر وغير ذلك من المقتنيات. حيث وثقت المؤسسة قيام التنظيم بتدمير 4 مدارس، إضافة الى استخدام مدرستين لأغراض عسكرية، حيث احتلتها عناصر تنظيم داعش لفترات زمنية أكثر من دقائق أو ساعات قليلة، وذلك تحسبا لاستهدافهم الجوي بواسطة الجيش.

تأثير مشهود

ورصد التقرير القيود الشديدة والتعسفية على حرية حركة الأفراد والمركبات التي فرضتها القوات الحكومية طوال سنوات الحرب بشكل متزايد، وبخاصة منذ نهاية 2017 مع بدأ ما أطلقت عليها السلطات "العملية الشاملة".
وأوضحت أن القيود التعسفية، المصحوبة بحظر مسائي للتجوال امتد لسنوات، على قدرة الأهالي على إيصال أطفالهم للمدارس، وكذلك قدرة المعلمين والمعلمات على الحركة بأمان. كما اشتملت على قطع حركة النقل بين شمال سيناء وباقي المحافظات في بر مصر مما أدى لتخلف طلاب الجامعات المدرجين في صفوف الدراسة الجامعية خارج سيناء عن دراستهم لأشهر.

ولفتت إلى أنه مع بدء العملية العسكرية "سيناء 2018"، قررت وزارة التربية والتعليم تأجيل الدراسة في جميع مدارس شمال سيناء لأجل غير مسمى، وفقًا لمصادر صحفية محلية. على إثر هذه العملية، تم إلغاء الفصل الدراسي الثاني بالكامل لجميع مراحل النقل والشهادة الإعدادية في مدارس شمال سيناء، وقررت مديرية التربية والتعليم بالمحافظة إلغاء الامتحانات لتلك المراحل، على أن تحتسب درجات الفصل الدراسي الأول كدرجات اعتبارية للفصل الدراسي الثاني، بحسب بيان رسمي للمديرية في أبريل 2018.

تجنيد القبائل
وأكدت المنظمة إلى انتهاك جسيم آخر أثر على الحق في التعليم، هو السماح لمجموعات القبائل المساندة للجيش بتجنيد الأطفال دون الــ 18 عامًا في النزاع المسلح، سواءً في مهام قتالية أم لوجستية. تصاعدت تلك الظاهرة منذ عام 2020 وحتى عام 2023، وقد وثقت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ذلك الانتهاك الخطير في تقرير مفصل نشر في أغسطس 2023.  قامت الحكومة الأمريكية بتاريخ 15 سبتمبر 2023 بإدراج الحكومة المصرية لأول مرة في قائمة الحكومات التي تستخدم الجنود الأطفال في العمليات العسكرية في التقرير السنوي للاتجار بالبشر الصادر عن الحكومة الأمريكية، وهو ما يعد خطوة هامة نحو توثيق ومحاسبة الانتهاكات التي تقع في شمال سيناء منذ سنوات بلا رادع. وقالت الحكومة الأمريكية في الفصل الخاص بمصر في التقرير إنه "خلال الفترة التي يغطيها التقرير، أصدرت منظمة غير حكومية تقريرا إن الحكومة (المصرية) نسقت وقامت بعمليات مشتركة مع مليشيا في شبه جزيرة سيناء والتي قامت – زعما – بتجنيد واستخدام الأطفال، بما يشمل انخراط بعضهم في شن الهجمات مباشرة".

https://sinaifhr.org//show/364