يرى كبير إستراتيجي الأسواق في شركة "أوربكس" في مصر عاصم منصور، أن ما حدث أمس الأربعاء هو تحريك لسعر الصرف إلى نطاقات محددة وليس تعويمًا كاملًا (ترك سعر الصرف ليحدده العرض والطلب).

وكانت مصر قد اتفقت مع صندوق النقد الدولي يوم الأربعاء على برنامج دعم موسع بقيمة 8 مليارات دولار، وتركت الجنيه ينخفض بشكل حاد، وأعلنت أنها ستسمح بتحديد سعر الصرف وفقًا لآليات السوق، في محاولة لتحقيق استقرار اقتصادي.

 

زيادة كلفة الاقتراض

وقبل هذه الخطوة، توصلت مصر لصفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع الشركة القابضة (إيه.دي.كيو)، وهي صندوق سيادي إماراتي، لتطوير شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط ​​ومشاريع أخرى مما خفف من أزمة العملة الأجنبية المستمرة منذ فترة طويلة.

يقول منصور "إن الحكومة تموّل استيراد المواد الأساسية بالدولار الأمريكي، ومع ارتفاعه ستزيد الكلفة التي تتحملها الحكومة، كما ستزيد كلفة ما ستسدده لخدمة ديونها.

ويضيف أن رفع الفائدة بنسبة 6% دفعة واحدة سيزيد كلفة اقتراض الحكومة، إذ يرفع كل 1% كلفة الاقتراض 70 مليار جنيه (1.41 مليار دولار).

وقال قائد الانقلاب السيسي، في وقت سابق من السنة الحالية، "إن الحاجات الأساسية التي تستوردها مصر تكلفها مليار دولار شهريًا، بالإضافة إلى نحو مليار دولار أخرى للمواد البترولية، زيادة على مليار دولار شهريًا لاستيراد الغاز لتوفير الكهرباء".

 

سبب المشاكل الاقتصادية في مصر

تعود بعض الأسباب إلى عقود مضت، مثل تعثر التنمية الصناعية بسبب سوء التخطيط والبيروقراطية، وسياسات التصدير التي خلّفت عجزًا تجاريًا مستمرًا.

كما أدى تقييم العملة بأعلى من قيمتها وهيمنة الدولة والجيش إلى عزوف المستثمرين وتقويض المنافسة.

وتسبب الإقبال على الاقتراض في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في تراكم الديون الخارجية. كما صار الدائنون الأجانب يحجمون عن الاستثمار مما دفع الحكومة إلى الاقتراض محليًا رغم ارتفاع أسعار الفائدة، بما يفاقم العجز.

وقاد هذا، بالإضافة إلى نمو المعروض النقدي، إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم، وفقًا لـ"BBC".

وأصبح الاستثمار الأجنبي خارج قطاع النفط والغاز ضئيلًا. وانخفضت التحويلات خلال 2022-2023 بواقع 30% إلى 22 مليار دولار مع إحجام العاملين في الخارج عن التحويل بسعر الصرف الرسمي.

كما ألقت الحرب في قطاع غزة المتاخم للحدود الشمالية الشرقية لمصر بثقلها على السياحة وعائدات قناة السويس. وانخفضت إيرادات الممر الملاحي بنحو 50% في وقت سابق من هذا العام.

وأرجع السيسي مرارًا التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر إلى الاضطرابات التي أعقبت ثورة 2011، فضلًا عن النمو السكاني السنوي الذي يقول البنك الدولي إنه كان عند 1.7% في 2021. كما تُرجع السلطات التحديات إلى صدمات خارجية بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.

 

تزايد سوء الأوضاع في مصر

على مدار العامين الماضيين، ضغط الشح الحاد في الدولار على الواردات وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ مما كان له تأثيره على الصناعة المحلية. وارتفعت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بوتيرة أسرع بكثير من معدل التضخم الذي تسارع لمستوى غير مسبوق بلغ 38% في سبتمبر الماضي.

وتباطأ النمو الاقتصادي، ويشكو كثير من المواطنين من تراجع مستوى معيشتهم.

وهوى الجنيه بأكثر من الثلثين مقابل الدولار منذ مارس آذار 2022 خلال مراحل من تخفيضات قيمته، وتزايد الضغط على العملة خلال العام الماضي في وقت ظل فيه سعر الصرف ثابتا دون 31 جنيهًا للدولار.

ويثقل جدول سداد الديون الخارجية كاهل البلاد، وأدى ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة إلى زيادة تكاليف خدمة الديون. والتهمت مدفوعات الفوائد أكثر من 45% من إجمالي الإيرادات في السنة المالية المنتهية في يونيو 2023.

وصنفت البيانات الرسمية حوالي 30% من السكان على أنهم فقراء قبل جائحة كورونا، ويقول المحللون إن الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين. وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 60% من مواطني مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو قريبون منه.

وانخفضت البطالة إلى حوالي 7%، لكن المشاركة في سوق العمل هبطت أيضًا بشكل مطرد في العقد المنتهي في 2020. وتعاني بعض جوانب التعليم العام من حالة من التدهور. ويسعى كثير من الخريجين الذين تتاح لهم الفرصة إلى البحث عن عمل في الخارج.

وتساءل بعض المواطنين عما إذا كان انخفاض الجنيه سيوفر لهم الراحة بعد سنوات من الصعاب؛ وقالت طبيبة تدعى إيمان حسين إن التعويم "هيزود المعاناة على المواطنين. كان يفضل إن الخطوة دي تتأخر شوية، الدولة لو ماوفرتش دولار هتفضل نفس المشكلة، ده مسكن مؤقت وهنرجع لسعرين للدولار تاني".

وتابعت: "التعويم ممكن يكون مفيد لتحسن الاقتصاد بس هيأثر بالسلب على المواطنين المصريين، انخفاض مستوى الجنيه تاني وارتفاع أسعار جميع السلع في ظل تدني الأجور هيزود المعاناة عالمواطنين".

وعانى قطاع كبير من المواطنين من صعوبات اقتصادية لسنوات بينما أنفق السيسي مليارات الدولارات على عاصمة جديدة وجسور وبنية تحتية أخرى.

والمشروع الرئيسي هو العاصمة الإدارية الجديدة التي تتكلف 58 مليار دولار وتقع شرقي القاهرة ويقول السيسي إنها ستمثل ميلاد جمهورية جديدة، وفقًا لـ"إنفستنج".

وانخفض مستوى معيشة كثيرين وعانوا من زيادات حادة في أسعار السلع والخدمات اليومية. وتشير تقديرات إلى أن 60 بالمئة من السكان البالغ عددهم 106 ملايين نسمة يعيشون تحت أو حول خط الفقر. وارتفعت أسعار السلع الأساسية.

وفي وقت عانى فيه قطاع كبير من المواطنين من ضيق ذات اليد، طلب السيسي منهم تحمل مزيد من الألم الاقتصادي وقال إن مشروعاته الضخمة ستوفر فرص العمل.

وقال السيسي "كل حاجة تهون إلا بلدنا، يعني مش هناكل؟ ما حنا بناكل، مش هنشرب؟ ما احنا بنشرب وكل حاجة ماشية، طب غالية أو بعضها مش متوفر؟".

ورغم أن تدفق الأموال من الإمارات قد يخفف الضغط عن البلاد لكن الشكوك تساور كثيرين من المواطنين.

وتهكم البعض في تدوينة له على منصة "إكس" تتهكم على الأوضاع وتقول "جالنا (حصلنا على) 35 مليار أهو، رخصّلنا البامبرز (الحفاضات) بقا".

 

مصر السادسة عالميًا في أعلى سعر للفائدة

ومن السلبيات التي ستلازم مصر خلال الفترة القادمة بعد التعويم الرابع الجنيه، أنها أصبحت في المرتبة السادسة في تصنيف دول العالم بناء على أعلى سعر فائدة، وجاء ذلك بعد أن قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة بواقع 600 نقطة أساس لمواجهة التضخم.

وتضمنت قائمة أعلى 10 دول بمعدلات الفائدة، والتي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وفقًا لموقع "روسيا اليوم"، الدول الآتية:

1 – زيمبابوي 130%.

2 – الأرجنتين 100%.

3 – فنزويلا 57.84%.

4 – تركيا 45%.

5 – غانا 29%.

6 – مصر 27.25%.

7 – ملاوي 26%.

8 - كونغو 26%.

9 – إيران 23%.

10 – نيجيريا 23.75%.

وبالنسبة للدول ذات أدنى معدلات الفائدة، شملت القائمة اليابان (-0.1%) وفيجي، التي هي عبارة عن دول جزرية في جنوب المحيط الهادئ (0.25%) وكمبوديا (0.83%).

وفيما يتعلق بروسيا، تحتل الدولة المرتبة الـ18 في التصنيف، حيث يبلغ سعر الفائدة الرئيس مستوى 16%، وكان المركزي الروسي قد رفع سعر الفائدة عدة مرات منذ يوليو الماضي لكبح التضخم ليصل إلى 16% على أساس سنوي.

 

 إلى أين ذهبت الأموال؟

إلى جانب النفقات الاعتيادية، تنفق مصر مبالغ طائلة على البنية التحتية في عهد قائد الانقلاب بما يشمل مشاريع الإسكان والمدن الجديدة ومد الطرق السريعة. وأبرز هذه المشروعات الضخمة هو بناء عاصمة جديدة بتكلفة 58 مليار دولار في الصحراء إلى الشرق من القاهرة.

كما ارتفعت واردات مصر من الأسلحة خلال العقد الماضي بما جعلها ثالث أكبر مستورد على مستوى العالم، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وفقًا لـ"BBC"، بينما تظل الحالة الاقتصادية لعموم الشعب المصري في أدنى درجاتها؛ إذ يرزح 60% منهم تحت خط مستوى الفقر وفقًا للبنك الدولي.