أعلنت وكالة موديز الدولية للتصنيف الائتماني، خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى المستوى A2 وهو خمس درجات فوق درجة الاستثمار (من المستوى A1)، للمرة الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، السبت الماضي، فإن الشركة أضافت "نظرة مستقبلية سلبية" قد تؤدي إلى خفض آخر للتصنيف، في حال تدهور الوضع الأمني والجيوسياسي والاقتصادي لإسرائيل قريبا بسبب الحرب في قطاع غزة أو جراء فتح جبهة أخرى في لبنان.

وأشارت وكالة موديز إلى المخاطر السياسية والمالية المادية الناجمة عن الحرب، وأضافت أن "عجز ميزانية إسرائيل سيكون أكبر بكثير مما كان متوقعًا قبل الصراع".

يأتي قرار الخفض، وهو أول خفض لإسرائيل منذ أكثر من 50 عامًا، على وقع حرب تشنها ضد قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر، وتوترات في الشمال مع حزب الله، وهجمات جنوبي البحر الأحمر ضد سفن إسرائيلية وأمريكية وبريطانية.

والجمعة، قالت الوكالة إنها خفضت تصنيف مصدري العملات الأجنبية والعملة المحلية لحكومة إسرائيل إلى A2 من A1؛ كما خفضت تصنيفات إسرائيل غير المضمونة بالعملة الأجنبية والعملة المحلية إلى A2 من A1، وسط توقعات سلبية.

وبذلك، تكون إسرائيل قد تلقت ضربتين اثنتين في قرار وكالة موديز، الأول تمثل في خفض تصنيفها الائتماني، والثاني التوقعات السلبية، ما يعني أن خفضًا آخر قد تعلنه الوكالة خلال 2024.

 

ماذا يعني الخفض؟

وعلى الرغم من أن التصنيف "A2" يعد جيدًا للدولة الحاملة له، إلا أنه يذكي بعض المخاطر على المقرضين الحاليين والمحتملين لإسرائيل، وبالتالي تصبح تل أبيب أمام قرار رفع سعر الفائدة على القروض الجديدة التي ستطلبها، حتى تجد مقرضين لماليتها العامة.

وتخشى إسرائيل من سير وكالتي التصنيف "فيتش" و"ستارندرد آند بورز" بنفس اتجاه وكالة موديز وتعلنان عن خفض تصنيفهما للاقتصاد الإسرائيلي وماليته العامة.

وبينما تعد الحرب على غزة وتوترات الشمال دافعًا رئيسًا لخفض التصنيف، إلا أن إضعاف المؤسسات التنفيذية الإسرائيلية والتشريعية وتراجع قوتها المالية بسبب خطط إصلاح القضاء كانت سببًا آخر في الخفض.

بذلك، سيكون أمام إسرائيل تحدي إقناع الدائنين بصلابة اقتصادها، وإقناع المستثمرين الأجانب بجدوى ضخ السيولة في الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل التحديات القائمة.

 

لا استقرار بالأفق

وفي حين أن الحرب على غزة قد تتضاءل أو تتوقف مؤقتًا خلال الفترة المقبلة، إلا أنه لا يوجد حاليًا أي اتفاق لإنهاء الحرب بشكل دائم، ولا يوجد اتفاق على خطة طويلة المدى من شأنها تحقيق الهدوء، وإنهاء المخاطر الأمنية.

وتعني البيئة الأمنية الضعيفة مخاطر اجتماعية أعلى، وتشير إلى وجود مؤسسات تنفيذية وتشريعية أضعف من تلك التي قيمتها وكالة موديز في السابق.

وفي الوقت نفسه، يتزامن خفض تصنيف إسرائيل مع ما تشهده المالية العامة من تدهور، إذ تغيرت توقعات الوكالة السابقة باحتمالية خفض الدين العام.. إذ تتوقع الوكالة أن يكون عبء ديون إسرائيل أعلى بكثير مما كان متوقعًا قبل الحرب.

 

حزب الله

وتعكس التوقعات السلبية للوكالة، بأن المخاطر الهبوطية ما تزال عند مستوى التصنيف A2، لكن التصنيف قد يتراجع أكثر مع تصاعد خطر حزب الله في شمال إسرائيل والذي ما يزال قائمًا.

تقول موديز في تفاصيل قرارها: "فرضية حرب مع حزب الله، سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد أكثر بكثير مما يفترض حاليًا في ظل السيناريو الأساسي لوكالة موديز".

وبينما تتعرض الموارد المالية الحكومية لضغوط أكبر في مثل هذا السيناريو؛ وبشكل أكثر عمومية، فإن عواقب حرب غزة على الوضع الائتماني لإسرائيل ستتكشف على مدى فترة طويلة من الزمن؛ وقد يكون التأثير السلبي على مؤسسات البلاد و/أو الموارد المالية العامة المبين أعلاه أكثر خطورة من تقديرات موديز الحالية.

وفي حين أن المفاوضات جارية حاليًا لتأمين هدنة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، إلا أنه ليس هناك وضوح بشأن احتمالية هذا الاتفاق أو إطاره الزمني أو مدى استمراريته.

 

عجز مالي

وأمام هذا التقييم المتراجع لإسرائيل، فإن السنوات المقبلة قد تشهد ارتفاع العجز في ميزانية إسرائيل بشكل أكبر بكثير مما كان متوقعًا قبل الحرب.

إذ يقدر بنك إسرائيل تكلفة الحرب للأعوام 2023-2025 بنحو 255 مليار شيكل (69.2 مليار دولار) أو حوالي 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في السيناريو الأساسي، تتوقع وكالة موديز أن يصل الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي إلى ضعف مستوى عام 2022 تقريبًا بحلول نهاية هذا العام، دون تقديم أرقام دقيقة.

 

"مخاطر"

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، والمحلل لشؤون الشرق الأوسط، سامي نادر، إن تخفيض موديز لتصنيف إسرائيل "يعني أن المخاطر المتعلقة بإسرائيل زادت" وإن ذلك يعني ارتفاع الكلفة الاقتصادية عمومًا.

وأشار نادر، إلى أن قرار موديز "سيحد حتمًا  من قدرة إسرائيل على الاستدانة ما يؤثر أيضًا على الاستثمارات في البلاد"، وفقًا لموقع "الحرة".

في ذات السياق، لفت تحليل نشر على موقع صحيفة "هآرتس" إلى أن وكالة موديز قالت إن "الصراع العسكري المستمر مع حماس، وتداعياته والعواقب الأوسع نطاقًا تزيد بشكل ملموس من المخاطر السياسية على إسرائيل، فضلًا عن إضعاف مؤسساتها التنفيذية والتشريعية وقوتها المالية، في المستقبل المنظور.

التحليل علق على ذلك بالقول "بعبارة أخرى، لا يتعلق الأمر بالحرب فحسب، بل بالمؤسسات التنفيذية والتشريعية الضعيفة، أي حكومة نتانياهو والكنيست التي يهيمن عليها ائتلاف اليمين المتطرف والديني المتطرف الذي يهدد اقتصاد إسرائيل".

ورد التحليل الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل لما وصفه بـ"رفض الحكومة للخطط التي قدمتها الولايات المتحدة والدول العربية التي تشمل إطارًا جديدًا للحكم والقيادة السياسية في غزة، والذي يمكن أن يساهم بدوره في تحسين الأمن لإسرائيل".

 

حرب غزة ترهق اقتصاد إسرائيل

وفي مقال رأي للكاتبة المختصة بالشؤون المالية شوشانا تيتا نشرته في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، تقول إن الصراع الحالي يتطلب إعادة تقييم الأولويات بسبب الزيادة الكبيرة في النفقات العسكرية.

ويستمد المقال رؤى من مؤتمر عقد في تل أبيب بعنوان "التوقعات الاقتصادية لعام 2024" حيث اتفق كبار الخبراء بالإجماع على أن إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في العمل كالمعتاد بعد 7 أكتوبر، وفقًا لـ"الجزيرة".

وبالمقارنة مع الفترة الحرجة لعام 1974، تؤكد الكاتبة على أهمية تجنب تكرار العقد الضائع الذي أعقب حرب أكتوبر 1973.

وبرأي الكاتبة فإن غزة منزوعة السلاح عام 2024 ستتطلب "خطة مارشال" تمولها أوروبا والولايات المتحدة، مما يفيد إسرائيل نهاية المطاف.

وتشير إلى الضغوط المالية التي سببتها الحرب، وأن تكلفة كل صاروخ اعتراضي من طراز "القبة الحديدية" تتراوح بين 50 ألف دولار و70 ألفًا. وقد وصل الإنفاق العسكري بالفعل 75 مليار شيكل (20.4 مليار دولار) منذ بداية الحرب، مع توقعات بأنه قد يصل 125 مليار شيكل (34 مليار دولار) هذا العام، باستثناء حرب واسعة النطاق محتملة مع حزب الله في الشمال.

وينقل المقال تحذير إيال بن سيمون (الرئيس التنفيذي لشركة فينيكس القابضة) من أن إسرائيل دخلت عام 2024 بأوضاع اقتصادية ضعيفة بسبب أولويات اقتصادية مضللة، مشددًا على ضرورة اتخاذ خيارات صعبة في مفترق الطرق الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل.

وفي إبريل الماضي، خفضت وكالة موديز توقعاتها لتصنيف إسرائيل من "إيجابي" إلى "مستقر" بسبب مخاوف من خطة إصلاح القضاء التي سعت حكومة نتنياهو إلى تنفيذها والاحتجاجات التي أعقبت ذلك، قبل أن تعلن مساء الجمعة خفض التصنيف من المستوى A1 إلى A2.