تمر اليوم 10 فبراير، ذكرى وفاة الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي رحل في فبراير 2011 عن عمر ناهز 89 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.
كان قائدا للجيش المصري ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ويعدّ من القادة العسكريين الكبار الذين خاضوا حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، وكان الرأس المدبر للهجوم المصري على خط الدفاع الإسرائيلي "بارليف".
اختلف مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وانتقد اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها السادات مع إسرائيل عام 1978؛ واشتد الخلاف إلى حد حذف اسم الشاذلي وصوره من القائمة الرسمية لحرب 6 أكتوبر.
كما تعرضت سمعة الشاذلي للتشويه والهجوم، وحُظرت مذكراته في مصر، إذ كانت سببا في سجنه عامين بعدما قضى 14 سنة لاجئا سياسيا في الجزائر.
المولد والنشأة
ولد سعد الدين الشاذلي في قرية شبراتنا مركز بسيون في محافظة الغربية بدلتا النيل في الأول من أبريل/نيسان 1922، لأسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. كان والده الحاج الحسيني الشاذلي كاتبا عدلا وكان أحد الأعيان الذين يمتلكون أراضي زراعية، ووالدته هي السيدة تفيدة الجوهري، وهي الزوجة الثانية لأبيه.
لسعد الدين الشاذلي 9 إخوة من أبيه و4 إخوة أشقاء، وسمي الشاذلي على اسم الزعيم المصري سعد زغلول قائد ثورة 1919.
عشق الشاذلي المجال العسكري منذ صغره، لا سيما عندما كان يستمع للحكايات البطولية لجده لأبيه الذي كان ضابطا في الجيش المصري وشارك في عدة معارك، أبرزها معركة التل الكبير عام 1882.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى الشاذلي تعليمه الأولي في المدرسة الابتدائية بسيون والتي كانت تبعد عن منزل أسرته حوالي 6 كيلومترات، وبعدما أتم تعليمه الابتدائي انتقل مع أسرته للعيش في العاصمة المصرية القاهرة وعمره لا يتجاوز 11 عاما، حيث أكمل تعليمه الإعدادي والثانوي في مدارسها.
التحق بالكلية الحربية في فبراير 1939 وعمره لا يتجاوز 17 عاما، فكان أصغر طالب في فصله، تخرج منها في يوليو 1940 برتبة ملازم في المشاة. وفي عام 1943، تم اختياره للخدمة في الحرس الملكي. إضافة إلى ذلك شارك في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يشارك في حرب فلسطين عام 1948.
شارك في الولايات المتحدة الأميركية عام 1953 في تدريب للضباط المظليين لمدة سنة واحدة، وقضى عاما آخر في تدريب عسكري آخر في الاتحاد السوفايتي عام 1958، كما كان ملحقا عسكريا في لندن، وساعدته هذه التجارب على تعلم اللغتين الروسية والإنجليزية.
التجربة العسكرية والعملية
التحق الشاذلي بحركة الضباط الأحرار التي قادت انقلابا عسكريا في مصر في يوليو 1952، لكنه لم يكن مشاركا مباشرا في الانقلاب لأنه كان في إحدى الدورات التدريبية العسكرية.
وبعد سنة من الانقلاب الذي أنهى فترة حكم الملك فاروق في مصر، سافر الشاذلي إلى الولايات المتحدة الأميركية في مهمة تدريبية متقدمة، وكان من أوائل الضباط الذين تلقوا تدريبات في مدرسة رينغرز العسكرية الأميركية.
وأصبح بعدها قائد كتيبة المظلات 75 خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تولى قيادة قوة المظلات خلال الفترة الممتدة من 1954 إلى 1959.
وفي عام 1960 أرسلت جمهورية مصر تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر كتيبة مظلات إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية بقيادة العقيد الشاذلي، ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، بناء على طلب رئيس وزراء الكونغو باتريس إيمري لومومبا وبالتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة حينها السويدي داغ همرشولد، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد والحؤول دون عودة بلجيكا لاحتلال الكونغو، التي كانت حصلت للتو على استقلالها يوم 30 يونيو 1960.
وفي يونيو 1967 خلال ما تعرف بحرب الأيام الستة، أظهر الشاذلي كفاءة عالية ووعيا تكتيكيا عسكريا كبيرا، بعد الفوضى التي عاشتها القوات المصرية على خلفية انسحابها العشوائي من صحراء سيناء امتثالا لأوامر القيادة المصرية، بعدما اجتاحت القوات الجوية الإسرائيلية سماء المنطقة.
لكن الشاذلي وضع خطة أخرى، واتجه شرق سيناء ناحية صحراء النقب الفلسطينية عبر ممرات ضيقة، في وقت كانت تتجه فيه باقي القوات المصرية غربا، حيث تمركز بين جبلين خلف معظم خطوط دفاع العدو لحماية قواته من الطيران الإسرائيلي، ومكث هناك يومي 6 و7 يونيو 1967 إلى أن تواصل مع القيادة المصرية التي أمرته بالانسحاب فورا غرب قناة السويس.
وقام بمناورة من أصعب المناورات العسكرية التي عرفها تاريخ الصراع المصري الإسرائيلي، إذ أمر قواته بالانسحاب ليلا من دون أي دعم جوي أو استخباراتي.
ومع بزوغ فجر اليوم الموالي، رصد الطيران الحربي الإسرائيلي القوات المصرية التي يقودها الشاذلي وهاجمها. ونظرا لافتقارها إلى الأسلحة المضادة للطائرات، لم يكن بمقدور قوات الشاذلي الرد إلا بالمدفع الرشاش والأسلحة الخفيفة.
وهكذا تكبدت قواته خسائر بنسبة 10% إلى 20%، لكنها تمكنت في الوقت نفسه من تجنب القوات البرية الإسرائيلية إلى أن وصلت إلى قناة السويس. وأصبح الشاذلي آخر قائد عسكري عربي يمر من شرق القناة إلى غربها.
بعد هذا الإنجاز، ظل الشاذلي يحظى باحترام كبير داخل الجيش المصري، وتدرج فيه حتى أصبح رئيسا للأركان. وفي عام 1970 عينه الرئيس المصري جمال عبد الناصر قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية بعد الغارات والاختطافات اليومية للمدنيين وتدمير منشآت على سواحل البحر الأحمر التي كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية، لاسيما إبان حادثة الزعفرانة في التاسع من سبتمبر 1969.
ورأى حينها جمال عبد الناصر أن اللواء الشاذلي هو الشخص المناسب الذي يمكنه وقف التوغلات الإسرائيلية في المنطقة، وفعلا نجح في الحد من عمليات الاعتداء الإسرائيلية.
وفي 22 يناير 1970 نجح اللواء الشاذلي في صد هجوم للقوات الإسرائيلية التي كانت تطمح إلى احتلال جزيرة شدوان الصخرية بالبحر الأحمر بالقرب من مدخل خليج السويس، بعدما قصفتها جوا، وأتبعت ذلك بإنزال الجنود بالمروحية وبمراكب الإنزال.
فقد أمر اللواء الشاذلي بالهجوم على الجزيرة بمساعدة عدد من سكان المحافظة، ونقل إليها جنودا ومعدات في الظلام، وتمكّن من تحريرها من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد وفاة جمال عبد الناصر وصعود أنور السادات إلى سدة الحكم، عُيِّن الشاذلي رئيسا لأركان القوات المسلحة المصرية يوم 16 مايو 1971 في إطار ما سميت بثورة التصحيح -التي باشرها السادات للتخلص من عناصر نظام جمال عبد الناصر- نظرا لكفاءته وتجربته العسكرية الطويلة، وأيضا لمعرفته الكبيرة بالعلوم العسكرية التي اكتسبها بفضل دراسته في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.
خطة "المآذن العالية"
وضع الشاذلي خطة "المآذن العالية" في أغسطس 1971 لمهاجمة القوات الإسرائيلية واقتحام قناة السويس عبر تدمير خط بارليف الدفاعي، الذي بنته القوات الإسرائيلية بعد احتلالها منطقة سيناء بعد حرب 1967، بهدف تأمين الضفة الغربية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها.
وابتكر الشاذلي هذه الخطة نظرا للضعف الكبير الذي كانت تعاني منه القوات الجوية المصرية وضعف قدراتها الدفاعية، وهو الأمر الذي كان يحد من إمكانية تنفيذ عملية هجومية كبيرة.
لكن في الوقت نفسه كان بالإمكان تنفيذ عملية محدودة لعبور قناة السويس، وتدمير الحصن الدفاعي لخط بارليف الإسرائيلي، واحتلال ما بين 10 و12 كيلومترا شرق القناة، لاتخاذ مواقع دفاعية ضد هجمات الطيران الإسرائيلي.
وارتكزت خطة "المآذن العالية" للشاذلي على نقاط ضعف القوات الإسرائيلية، والتي كانت تتجلى في عدم قدرة الأخيرة على تحمل الخسائر البشرية بسبب العدد المحدود لعناصرها، بالإضافة إلى إطالة أمد الحرب؛ لأن إسرائيل كانت تعتمد دائما على حروب خاطفة تنتهي في غضون أسابيع قليلة مخافة تأثر أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
وكانت هذه الخطة ترمي إلى حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية، وهي الهجوم عبر الأطراف من خلال وضع الجنود المصريين على البحر الأبيض المتوسط شمالا وخليج السويس جنوبا، في وقت لا يمكن فيه للقوات الإسرائيلية الهجوم من الخلف لوجود قناة السويس، ولن يبقى أمامها من حل سوى الهجوم من الأمام، وهو ما يجعلها تتكبد خسائر كبيرة.
حرب أكتوبر 1973
بعد احتلال إسرائيل منطقة سيناء المصرية غداة حرب 1967، بنى الجيش الإسرائيلي خطا دفاعيا يسمى "خط بارليف" لمنع القوات المصرية من العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس، وعُزِّزَ هذا الخط بعدة حصون على الضفة الشرقية لقناة السويس، التي تفصل بين الجيش الإسرائيلي والجيش المصري. كما أقامت القوات الإسرائيلية حاجزا رمليا بارتفاع بلغ 17 مترا على شواطئ القناة لمنع الجيش المصري من محاولة عبور القناة.
ولكسر هذا الخط، نفذت القوات المصرية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، بقيادة اللواء الشاذلي، هجوما على المكان، حيث حلقت 200 طائرة مصرية على ارتفاع منخفض فوق القناة، وتوجهت في عمق سيناء وضربت القوات الإسرائيلية الرئيسية، في حين شنت وحدات من سلاح المدفعية قصفا كثيفا على حصون "بارليف" وحقول الألغام.
وهكذا عبرت المجموعة الأولى المكونة من 4 آلاف جندي قناة السويس، وفتحت حوالي 70 ممرا عبر الحاجز الرملي باستخدام مضخات المياه ذات الضغط العالي. تبعتها مجموعة المشاة التي عبرت بدورها القناة واستولت على معظم النقاط والحصون القوية لخط "بارليف".
وفي اليوم التالي (7 أكتوبر) وُضعت 5 جسور فوق القناة، وبدأت الفرق المدرعة بعبور القناة إلى سيناء.
وفي الثامن من أكتوبر، فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد في دفع المصريين إلى التراجع، وحاولت إسرائيل مرة أخرى في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول لكنها تكبدت مرة أخرى خسائر فادحة، ففقدت في يومين أكثر من 260 دبابة و30 طائرة وآلاف القتلى.
بعد هذا الانتصار، بدأت الكفة تميل لصالح إسرائيل عندما نفذ جيشها بقيادة الجنرال أرييل شارون عملية عسكرية قوية بين الجيش الثاني المصري الذي تمركز على الضفة الشرقية لقناة السويس في سيناء، وبين الجيش الثالث الذي كان على ضفتها الغربية.
وبالموازاة مع ذلك، أمر الرئيس المصري أنور السادات بشن هجوم جديد للتقدم نحو ممرات سيناء، وقد عارض اللواء الشاذلي بشدة أي تقدم باتجاه الشرق لأنه من شأنه أن يترك القوات المصرية معرضة لسلاح الجو الإسرائيلي دون غطاء جوي مناسب؛ لكن السادات ظل مصرا على رأيه، وأمر الجنرالات بتنفيذ الأمر بهدف مساعدة الجيش السوري، حسب رأيه. وفي 14 أكتوبر بدأ الهجوم لكنه فشل وانهزم الجيش المصري.
أراد الشاذلي الرد على هذه العملية بإعادة انتشار لواءين وكتيبة من الجيش الثاني لمحاصرة الإسرائيليين. لكن السادات رفض الأمر خشية أن يبدو وكأنه انسحاب وتتضرر معه معنويات الجيش المصري. لكن نتائج هذا الاختيار كانت كارثية على القوات المصرية.
الوظائف والمسؤوليات
بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل، ظلت العلاقة متشنجة بين السادات والشاذلي. ورغبة منه في إبعاده عن الجيش، عيّنه سفيرا لدى المملكة المتحدة، ثم سفيرا في البرتغال. وخلال هذه الفترة قام السادات بزيارته التاريخية لإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 1977.
قدم الشاذلي استقالته من منصبه، وانتقد علنا اتفاقيات كامب ديفيد، التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن عام 1978 بمنتجع كامب ديفيد في الولايات المتحدة الأميركية.
اختار سعد الدين الشاذلي العيش لاجئا سياسيا في الجزائر، وهناك أصدر كتابا قدم فيه روايته لحرب 1973، وبسببه حوكم غيابيا أمام محكمة عسكرية بتهمة إصدار كتاب دون موافقة وإفشاء أسرار عسكرية، وهي التهمة التي نفاها، واعتبر أن ما نشره هو معلومات حكومية وليست عسكرية. وحكم عليه غيابيا بالسجن 3 سنوات مع الأشغال الشاقة، وتمت مصادرة جميع ممتلكاته في مصر.
وبعد اغتيال السادات عام 1981 انتقلت "العداوة" تجاه الشاذلي إلى الرئيس الجديد محمد حسني مبارك، الذي كان بدوره قائدا لسلاح الجو خلال حرب 1973 تحت رئاسة الشاذلي.
وعندما عاد الشاذلي إلى مصر عام 1992 بعد 14 سنة في المنفى، اعتُقِل في المطار، وأصر مبارك على تنفيذ العقوبة السجنية في حقه.
المؤلفات والإنجازات
أصدر سعد الشاذلي 4 كتب وهي:
حرب أكتوبر
الخيار العسكري العربي (1983)
الحرب الصليبية الثامنة (في جزءين)
أربع سنوات في السلك الدبلوماسي
كما ألف كتيبا صغيرا وزعه على الجنود والضباط المصريين خلال حرب أكتوبر 1973 لرفع معنوياتهم القتالية، بعنوان: "عقيدتنا الدينية طريقنا إلى النصر".
الوفاة:
توفي الفريق سعد محمد الحسيني الشاذلي يوم الخميس 10 فبراير 2011 بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة بالقاهرة، عن عمر يناهز 89 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض، وذلك بالتزامن مع ثورة 25 يناير 2011 في مصر، والتي أنهت حكم المخلوع محمد حسني مبارك.