في ندوة عقدت ضمن فعاليات "معرض اسطنبول الدولي للكتاب- 15 ديسمبر 2023م" تحت عنوان: "المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة"، قدمت الدكتورة كاميليا حلمي طولون رئيسة لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،محاضرة حول أهم المخاطر التي تحملها المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، بما تشتمل عليه من اتفاقيات وعهود ومواثيق أصدرتها هيئة الأمم المتحدة تحت مظلة "حقوق الإنسان" بينما تحمل في طياتها معاول هدم واستئصال الأسرة على المستوى العالمي.
وأكدت على أن استهداف الأسرة يتم لسببين رئيسيين، أولهما أنها المسؤول عن التربية على الدين والقيم والأخلاق وفداء الوطن، والسبب الثاني أن الأسرة هي المحضن المسؤول عن التكاثر والتناسل الذي حثّ عليه الدين الإسلامي، وبالتالي فإن تفكيكها يؤدي إلى وقف الزيادة السكانية في الدول الإسلامية ودول العالم الثالث.
واستشهدت في هذا الشأن بتقرير لـ "هنري كسنجر"، ورد فيه "إن أمريكا تحتاج للفلزات والمعادن الموجودة في العالم الثالث، ولكن العالم الثالث يتسم بكثرة الشباب، ولذلك يجب أن نجعل الإنجاب في هذه الدول صفرا".
كما لفتت د.كاميليا إلى استهداف المرأة بشكل رئيس كونها صاحبة الدور الأعظم والأهم في الأسرة، وركزت على الإصرار على إخراجها من أسرتها، و تهميش وتحقير دورها المقدس في تربية وتنشئة الأجيال، وتبني خطاب مظلومية المرأة في كل وسائل الإعلام المختلفة، وتسليط الضوء على بعض الممارسات الظالمة الحقيقية للمرأة، وتضخيمها وإبرازها وكأنها تعبر عن حال النساء قاطبة، لتكون منطلقا في نشر فكرة الاستقواء والاستغناء عن الرجل.
كما أوضحت أن الأدوات الأساسية التي يتم توظيفها في تطبيق تلك المواثيق الدولية هي: الإعلام، التعليم، القوانين والتشريعات، وعدد من منظمات المجتمع المدني التي تتلقى التمويل من الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية، في مقابل الضغط على الحكومات من الداخل لدفعها نحو التعجيل في تطبيق الأجندة الأممية، وكذلك تسويق الأجندة بين شرائح المجتمع المختلفة بوسائل مختلفة، لإحداث التغييرات المطلوبة في الثقافة والتوجهات الفكرية للأفراد والهيئات.
وهذا يفسر التغييرات الجوهرية في مناهج التعليم، وبرامج الإعلام، وقوانين الأسرة والأحوال الشخصية في العقود الأخيرة، بما يحقق تغيير الثقافة المطلوب لتقبل ما جاء في تلك المواثيق رغم تعارضه مع الشريعة الإسلامية والقيم والأخلاق.
وبينت د.كاميليا حلمي أنه يتم من خلال المواثيق الدولية هدم الأسرة على مستويين:
الأول: تفكيك وهدم الأسر التي تكونت بالفعل، عن طريق محاربة قوامة الرجل داخل الأسرة، واعتبارها "انعدام التساوي في موازين القوة داخل الأسرة" و"دونية للمرأة"، وبالتالي أوجبت إزالتها والقضاء عليها، وحيث أن القوامة هي عماد الأسرة والحافظ لها، فإن القضاء عليها يجعل الأسرة سفينة بلا قائد فيكون الغرق مصيرها الحتمي؛
الثاني: صرف الشباب عن الزواج، ويتم ذلكعن طريق تعسير الحلال وتيسير الحرام.وذلك برفع سن الزواج، وتغيير قوانين الزواج والطلاق والحضانة والطفولة ..الخ، إضافة إلى انتشار ثقافة المبالغة في تكاليف وأعباء الزواج، وفي نفس الوقت إباحة وتشجيع العلاقات غير الشرعية، من الزنا والشذوذ الجنسي بديلا عن الزواج.
وفي هذا السياق، نصت المواثيق الدوليةعلى توفير "خدمات الصحة الجنسية والإنجابية" للمراهقين وغير المتزوجين، والتي تشمل تدريبهم على استخدام وسائل منع الحمل، وتقنين الإجهاض "الآمن" على حد تعبيرهم، وتعليم الشذوذللمراهقين فى المدارس ضمن برامج الصحة الجنسية ويسمونه "جنس آمن" أي لا ينتج عنه حمل!!
كما أكدت د.كاميليا على أن أخطر ما جاءت به تلك المواثيق، هي منظومة "الجندر"، والمقصود بها -وفقا لمستشارة شؤون الجندر بالأمم المتحدة-: أن خصائص الإنسان، وأدواره المرتبطة بالذكورة والأنوثة، والعلاقات بين الرجال والنساء، أوالنساء والنساء، أوالرجال والرجال، كلها أمور غير فطرية وغير ثابتة، وإنما هي أمور مبنية ومؤسسة مجتمعيا، فهي متغيرة وغير ثابتة.
فالأصل أن الخصائص، والأدوار المرتبطة بها، والعلاقات، كلها فطرية ثابتة لا يمكن تغييرها، ولكن نظرية "الجندر" تنسف كل تلك الثوابت، وتجعلها متغيرات حيث ربطتها بالمجتمع وليس بالفطرة وأصل الخلقة.
وأشارت الدكتورة أيضا إلى أنهم قد تم استبدال الجندر بالجنس لأن الجنس في اللغة الإنجليزية يعني ذكر وأنثى فقط، ولا يوجد جنس ثالث، أما (الجندر) فيعني وجود أنواع عديدة ومختلفة!!
كما أوضحت أن "الجندر" يستخدم في مسارين، الأول المساواة التامة والتطابقية بين الرجل والمرأة في الأدوار وفي القوانين والتشريعات، والثاني هو المساواة بين الشواذ والأسوياء في الحقوق والواجبات. ومن ثم جعلت تلك المواثيق من اختيار الهوية الجندرية -أي الهوية التي يظهر بها الإنسان أمام الآخرين، ذكرا كان أو أنثى أو ما دون ذلك- كذلك اختيار التوجه الجنسي -بمعنى إقامة العلاقة الجنسية مع جنس مختلف أو من نفس الجنس- من أهم محاور أجندة حقوق الإنسان العالمية!!
وحذرت د.كاميليا من أخطر تلك الاتفاقيات وهي "اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة" والتى تعرف اختصارا بـ "إتفاقية سيداو" التي صدرت سنة 1979، والتي وقعت عليها غالبية دول العالم. وهي الاتفاقية التي نصت على أن أي فارق بين الرجل والمرأة في الأدوار، أو التشريعات هو تمييز ضد المرأة يجب محاربته والقضاء عليه!!
كما نصت على أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل والمرأة، مثلا اختصاص الرجل بمهمة القوامة، واختصاص المرأة بمهمة الأمومة، وأن الأمومة هي وظيفة اجتماعية، يمكن لأي فرد أن يقوم بها، وليس بالضرورة المرأة!!
وبالتالي فإن قوانين الميراث الإسلامي، والحجاب، وولاية الرجل على بناته، والتربية والتوجيه، والأدوار الفطرية للرجل والمرأة كل ذلك يعد عنفا ضد المرأة يجب منعهّ!!
ثم أوضحت د.كاميليا مصطلح "العنف المبني على الجندر"، وكيف تم دمجه في إتفاقية سيداو من خلال التوصية رقم (19) للجنة القضاء على التمييز في الأمم المتحدة، والتي اعتبرته نوع من أنواع التمييز التي نصت عليها اتفاقية سيداو، في حين أن "العنف المبني على الجندر" يشمل كل الفوارق في الأدوار والتشريعات بين الرجل والمرأة، والفوارق بين الشواذ والأسوياء.
كما بينت خطورة "إتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي" المعروفة باسم "اتفاقية اسطنبول" حيث تعد الإتفاقية الأولى في العالم التي وضعت نصاً صريحاً يمنع التفريق في المعاملة (التمييز) بين الناس بناء على "هويتهم الجندرية" و "ميلهم الجنسي"، اي معاملة الشواذ جنسيا، والمتحولين جندريا معاملة متساوية تماما مع معاملة الأسوياء.
وفي النهاية، طالبت الدكتورة كاميليا حلمي الدول الإسلامية بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية التي تهدم الأسرة، مثل اتفاقية سيداو CEDAWواتفاقية حقوق الطفلCRC، وإلغاء الوثائق الهادمة مثل وثيقة بكين (1995م)، ووثيقة القاهرة للسكان (1994م)، وأجندة 2030 للتنمية المستدامة (2015م)، أسوةً بدولة تركيا التي انسحبت من اتفاقية اسطنبول في يوليو 2021م، بعد أن رصدت سلبياتها الخطيرة على الأسرة والشباب داخل المجتمع، وقد سبقتها بولندا، التي انسحبت منها في عام 2020م.
وأكدت على أن كل الجهود المبذولة في إصلاح الأسرة، والإرشاد الأسري، وتأهيل الشباب للزواج، لن تؤتي ثمارها المرجوة طالما لم يتم الانسحاب من تلك الاتفاقيات، التي تمثل معاول هدم سريعة وقوية لكل تلك الجهود المبذولة من أجل تقوية الأسرة وتعزيزها.