د. رأفت المصري

قوله تعالى:
‏(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن كثيراً من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين، كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون).

‏يد الله تدبر بالخفاء وتسُوق المؤمنين إلى تحقيق الانتصار دون تخطيطٍ منهم أو تصوِّرٍ للمتوقع بدقة!

‏خرجوا يريدون القافلة،
‏وهي لقمة سائغة سهلة التحصيل، وكان يمكن أن يحصل لهم حقاً ما أرادوا منها؛ فتكون حدثاً عابراً تنقله الروايات أو لا تنقله!

‏لكن الله أراد شيئاً آخر أعظم بكثير مما أرادوه لأنفسهم:
‏(ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين).

‏لم يكن النصر الذي تحقق في بدر منظوراً لدى المؤمنين قبل المعركة،

‏بل إنهم في لحظةٍ قصُرتْ فيها الأنظار وركنت إلى السهل من المسارات وتجنبت اقتحام مغامرة السيف؛ كرهوا ما وجدوا أنفسهم مقبلين عليه من قتال المشركين والاحتكام معهم إلى السيف!
‏(وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)!

‏لكن الذي أخرجك وأخرج المسلمين إلى القتال: الله عز وجل؛ أخرجك بتدبيره الخفي ولطفه الدقيق..

‏لم تدرك الأبصار- لحظتها- الخير والنصر وراء ذلك الاصطدام العنيف بالباطل؛ فجادلوا رسول الله في ذلك الخروج للقتال!

‏وللفظِ الجدال إيحاءٌ مصوِّر!
‏فالجدال محاولة لجدلِ المخاطَب عن رأيه وفتله عنه..
‏كانوا يجادلونه صلى الله عليه وسلم مع ما ظهر من مؤشرات الإرادة الربانية والتدبير الإلهي!

‏جدل ساخن يُنشئه شعور نفسي بالخطر: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)!

‏إنه عجز البشر وقصور علومهم وكراهتهم للقتال مع احتجاب الغيوب عنهم..

‏لكن وراء منظوراتهم خير لم يتوقعوه:
‏صارت بدرٌ منعطفاً تاريخياً ترتب عليه تغيُّر معادلات القوى في جزيرة العرب،
‏وتدحرج الخير ليغير خريطة العالم وليشقَّ بوادر النور في جدار الظلمات.

‏فليسلِّم العبد أمره لربه، ‏وليثق بوعده للمؤمنين، ‏وليعلم أن ما كتبه الله كائن وما لم يكتبه فليس!