الحديث عن حل الدولتين بالنسبة للعديد من الفلسطينيين أو أي حل سياسي آخر للصراع الاستعماري المستمر، يبدو وكأنه ترف نظرًا للضرورة الملحة لإنقاذ 2.3 مليون شخص في غزة من الهجوم الإسرائيلي الهائل.

وقال "ميدل إيست آي" في مقال رأي كتبه السياسي الفلسطيني "عوض عبد الفتاح": "وقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل يمثل أولوية قصوى للشعب الفلسطيني، ولجميع أصحاب الضمائر الحية. وهكذا فقد تلقوا حديثًا جديدًا من الرئيس الأمريكي "جو بايدن" حول وهم الدولتين باعتباره مجرد إلهاء عن الفظائع غير المسبوقة التي ترتكبها إسرائيل، بدعم من واشنطن".

وتابع: "الخطاب الأمريكي المتجدد حول هذا الموضوع، والذي تم تأطيره كرؤية يجب متابعتها في اليوم التالي لانتهاء حرب الإبادة الجماعية، مشروط بتحقيق خطة إسرائيل العسكرية لاجتثاث حماس من غزة، بغض النظر عن عدد المدنيين الذين قتلوا أو شردوا قسرًا في غزة أو مقدار الدمار الذي حدث في المنطقة".

ننتقل من مرحلة تم فيها استخدام شعار حل الدولتين كغطاء لاستعمار إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية، إلى مرحلة تنطوي على إبادة الفلسطينيين في غزة. ويتم تبرير كل هذا بالحاجة إلى إزالة العائق الأكبر المزعوم أمام السلام.

ومن السخافة أن نجمع بين مسارين متناقضين ـ أحدهما يتحدث عن السلام، والآخر يتضمن العملية الجارية لإبادة مجموعة من الناس من المفترض أن يستفيدوا من عملية السلام.

لكن هذا الاقتراح ليس غريبًا بأي حال من الأحوال في سياق تاريخ الولايات المتحدة، الذي بدأ بإبادة السكان الأصليين وامتد إلى العراق وأفغانستان بحلول القرن الحادي والعشرين. لقد تم ذلك عن قصد، بناءً على افتراض أن هذا هو الوقت المناسب للمضي قدمًا في خطة هدفها الرئيسي هو ضمان أمن إسرائيل وإعادة بناء تحالفات واشنطن الإقليمية.

 

هل هو تحول حقيقي في السياسة؟

تريد الإدارة الأمريكية، التي أذهلتها عملية "الصدمة والرعب" التي شنتها حماس، الاستفادة من ضعف رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" المتزايد، نظرًا لفشله في الدفاع عن مواطنيه وفي تفكيك حماس، من أجل جلب إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات.

وتساءل "ميدل إيست آي": "لكن ماذا يعني استحضار حل الدولتين حقًا بعد سنوات عديدة من الإهمال، وما تلا ذلك من دمار ومعاناة لشعب؟ هل سيترجم ذلك إلى تحول حقيقي في السياسة الأمريكية؟ وهل لا يزال حل الدولتين خيارًا جديًا أو قابًلا للتطبيق، في ظل المشروع الاستيطاني الراسخ في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وتفاقم التعصب والاتجاه نحو الفاشية بسبب الحرب الحالية؟ فهل نسخة واشنطن من حل الدولتين هي نفس النسخة التي تطمح إليها القيادة الفلسطينية، وهل الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل؟".

الأجواء السائدة في خضم حرب غزة، وتصاعد الكراهية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي أمور محبطة للغاية. ومن الصعب تقدير مدى عمق الانقسام، أو ما إذا كان أي حديث عن حل سياسي يوفر حتى الحد الأدنى من الحقوق للشعب الفلسطيني له أهمية في مثل هذه الأوقات.

ومن المرجح أن يخرج المجتمع الإسرائيلي من هذه الحرب مع استعداد أقل لقبول أي تسوية مع الفلسطينيين، خاصة وأن النظام الإسرائيلي صور هجوم 7 أكتوبر على أنه منفصل عن المظالم التاريخية الجسيمة التي ألحقها بالفلسطينيين.

والأسوأ من ذلك هو إعادة تعبئة المجتمع الإسرائيلي، الذي تم تضليله إلى تأييد عقلية الإبادة الجماعية الصارخة المتجذرة في الأيديولوجية الصهيونية؛ حيث إن السياسات الاستعمارية الاستيطانية التي تنتهجها إسرائيل تجرد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، حيث يُنظر إلى محو الثقافة والتاريخ الفلسطيني منذ عام 1948 على أنه تحقيق لوعد إلهي، أو ضرورة وطنية.

في السنوات الأخيرة، أصبحت أجزاء من المجتمع الإسرائيلي ووسائل الإعلام الرئيسية عنصرية بشكل متزايد وغير حساسة لمعاناة الفلسطينيين. ولهذا السبب، صعّد الفلسطينيون نضالهم المقاوم، على الرغم من اضطرارهم إلى تقديم تضحيات جسيمة. هذا الكفاح من أجل العدالة وإنهاء الاستعمار والتحرير لن ينتهي أبدًا؛ ولهذا السبب يرفض الفلسطينيون في غزة التخلي عن وطنهم، حتى بعد 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي القاسي.

 

وسيط متحيز

وحتى بعد انتهاء الحرب الحالية، سيستمر الصراع الأوسع طالما لا يوجد حل عادل. وعندما تهدأ هذه الجولة من القتال، فستبدأ الجهود الدبلوماسية ـ ولكن هذه العملية ستكون صعبة وطويلة الأمد، وتشكل تحدياً عظيماً للفلسطينيين، لأن الولايات المتحدة لم تكن قط وسيطاً محايدًا.

ورأى "ميدل إيست آي" أنه إذا نجحت إسرائيل في إضعاف حماس وإزاحتها من السلطة في غزة،فستحتاج الولايات المتحدة إلى ضمان استبدال الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بإدارة مستعدة للتعامل مع السلطة الفلسطينية، التي كانت تتصرف كمقاول من الباطن للاحتلال الإسرائيلي.

لكن من الصعب توقع تغيير حقيقي في موقف إسرائيل بشأن الحقوق الفلسطينية، وسط صراع داخلي يلوح في الأفق حول الإصلاح القضائي المخطط له، والذي من المرجح أن يتفاقم بعد فشل "نتنياهو" الذريع في 7 أكتوبر. ولن يأتي مثل هذا التغيير إلا بعد ضغوط داخلية متواصلة، لا سيما المقاومة الفلسطينية والتقدمية المشتركة، وضغوط دولية حقيقية.

سيخرج الفلسطينيون من هذه الحرب بعد أن عانوا من كارثة إنسانية مروعة أخرى، لم يسبق لها مثيل منذ نكبة عام 1948. ومع ذلك، فبفضل مقاومتهم وصمودهم الملحوظ، سيكونون قد حققوا أيضاً مكاسب كبيرة من حيث الدعم والتعاطف مع قضيتهم على مستوى العالم - والأهم من ذلك في الدول الغربية التي قدمت حكوماتها بشكل مخزي الدعم الكامل لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل.

لقد تم تقويض مكانة إسرائيل في العالم بشكل أكبر، وتم تدمير أكاذيبها وأساطيرها إلى حد كبير. لقد نشأ جيل جديد بوعي جديد ومعرفة بعدالة القضية الفلسطينية. وسيستمر هذا الجيل الشاب في مساءلة حكوماته بشأن إخفاقاتها وإمبرياليتها وتواطؤها في جرائم الحرب.

وختم "ميدل إيست آي": "يشهد العالم موجة أخرى من السياسات الشعبية البديلة، مع التركيز على العدالة والتحرير والمساواة. وينظر القادة والنشطاء في هذه الحركة العالمية الآخذة في التوسع إلى النضال الفلسطيني باعتباره امتدادًا لمعاركهم الخاصة من أجل العدالة في الداخل. وسيجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة التحدي المتمثل في كيفية توحيد صفوفهم والاستفادة من هذه المكاسب". 

لم يعد معظم الفلسطينيين يؤمنون بحل الدولتين، حيث أثبت النظام الصهيوني مرارا وتكرارا نواياه في الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني. شعار "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر" سيصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطاب الفلسطيني، وستفشل محاولات تجريمه.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-palestine-war-genocide-two-state