المقارنة بين حماس وإسرائيل من حيث القوة ظالمة؛ فحماس لا تمتلك أسلحة فاعلة وقوية ومؤثرة كما في الترسانة الإسرائيلية، من طائرات وصواريخ ومدرعات ودبابات ومدافع، ولهذا فإن نقاشات الخبراء العسكريين في أمريكا كانت توقن بأن إسرائيل ستخرج منتصرة، وستقوم بمحو حماس من قطاع غزة.

إلا أن هذه النقاشات ارتدت على أعقابها خاسرة، خاصة بعد بدء الحرب البرية، وبعد أن أمعنت حركة حماس في الجيش الإسرائيلي قتلاً لجنوده، وتدميرًا لدباباته، وحرقًا لمدرعاته، وهو ما دعا عددًا من الخبراء إلى إمكانية انتصار حركة حماس وهزيمة إسرائيل، بل يذهب البعض إلى تأكيد أن حماس قد انتصرت بالفعل.

وأسفرت عملية "طوفان الأقصى" -التي بدأت بهجوم مفاجئ شنته الحركة في 7 أكتوبر الماضي على إسرائيل- عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وإصابة ألفين آخرين واحتجاز أكثر من 240 شخصًا لدى حماس.

ودفع ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فورًا إلى إعلان أن بلاده "في حالة حرب وأن الجيش الإسرائيلي سينتقم".

 

"حماس انتصرت بالفعل"

وردت إسرائيل بهجمات غير مسبوقة على قطاع غزة نتج عنها استشهاد 14 ألفًا و854 فلسطينيًا، بينهم 6 آلاف و150 طفلاً، وما يزيد على 4 آلاف امرأة، فيما تجاوز عدد المصابين 36 ألفًا، بينهم أكثر من 75% أطفال ونساء، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، مع تدمير البنية التحتية في القطاع، بما فيها من محطات مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات.

وفي حديث سابق مع "الجزيرة نت"، أكد ضابط الاستخبارات العسكرية الأمريكي السابق سكوت رايتر أن حركة حماس أصبحت أكثر من منظمة أو جماعة في صورتها المادية التقليدية.

وقال رايتر إن "حماس أصبحت مفهومًا أوسع لمعنى المقاومة، وعلينا أن نتذكر أنها قامت بعمل لم يقم به من قبل إلا الجيش المصري الذي استطاع هزيمة الجانب الإسرائيلي في ساحة القتال، حماس انتصرت بالفعل في 7 أكتوبر، ولا يمكن تغيير ذلك".

وأشار إلى أنه "عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس يوم 6 أكتوبر 1973 انتصرت مصر، بعد ذلك قامت إسرائيل بهجمات مضادة وقوية، لكن ذلك لم يغير أن القاهرة انتصرت، والشيء نفسه مع حماس اليوم، لقد انتصرت في 7 أكتوبر حتى لو قامت إسرائيل بالعمل على تدمير الحركة".

بدوره، يرى البروفيسور أفراهام شاما من جامعة نورث ويسترن أنه بغض النظر عن الكيفية التي تتكشف بها حرب غزة وما جرى وما يجري الآن فقد خسرت إسرائيل بالفعل وانتصرت حماس.

واستشهد شاما بمغادرة مئات آلاف الإسرائيليين منازلهم في الشمال والجنوب، وانتقالهم إلى ملاجئ أو مراكز آمنة نسبيًا في وسط البلاد، وإغلاق مدارس وجامعات كثيرة أبوابها، وتدهور الوضع الاقتصادي بصفة عامة.

 

خسارة عميقة وطويلة الأمد

وقال شاما إن "الإسرائيليين عانوا من نوع آخر من الخسارة، وهو شعور بخسارة عميقة وطويلة الأمد، وهذه الخسارة مست نفسياتهم بالأساس وإحساسهم بالذات الجماعية والرفاهية، ويمكنك سماع ذلك في أصواتهم وتدويناتهم واختيارهم للكلمات، ويمكن رؤيتها على وجوههم".

كما أشار إلى أنه قبل هجوم حماس كان الإسرائيليون يتمتعون بالثقة، واعتقدوا أن حربًا مفاجئة مثل حرب أكتوبر 1973 لا يمكن أن تحدث مرة أخرى، وأنه إذا حدث ذلك فإن جيشهم سيقضي عليها في مهدها، ثم جاء هجوم حماس بعد 50 عامًا تقريبًا، وهو ما مثل لهم صدمة عميقة.

واعتبر الأكاديمي أنه رغم "خسارة قرابة 15 ألف فلسطيني فإن حركة حماس تمكنت من غزو بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 9 ملايين نسمة ولديه جيش قوي، وهو ما نجح في تحطيم النفسية الإسرائيلية ودفع تجديد الكفاح الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة إلى الواجهة العالمية".

من جانبه، قال البروفيسور ستيفن والت من جامعة هارفارد إنه "وكما هو متوقع يلوم كل جانب الآخر، تصور إسرائيل ومؤيدوها حماس على أنها ليست سوى عصابة وحشية من الإرهابيين المدعومين من إيران الذين هاجموا المدنيين عمدًا".

ويضيف "بينما يعترف الفلسطينيون ومؤيدوهم بأن مهاجمة المدنيين أمر خاطئ لكنهم يلومون إسرائيل على فرض نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين وتعريضهم للعنف المنهجي وغير المتناسب على مدى عقود عديدة، كما يشيرون إلى أن القانون الدولي يسمح للشعوب المضطهدة بمقاومة الاحتلال غير القانوني حتى لو كانت الأساليب التي اختارتها حماس غير نظامية".

واعتبر والت أن السمة الجديدة لهذه الجولة الأخيرة من القتال هي أن حماس حققت مفاجأة شبه كاملة مثلما فعلت مصر وسوريا قبل 50 عامًا خلال حرب أكتوبر 1973 وأظهرت قدرات قتالية غير متوقعة، وقد ألحق الهجوم أضرارًا بإسرائيل أكثر من أي من حروبها السابقة.

وأضاف أنه من الواضح أن الهجوم صدم المجتمع الإسرائيلي، وأن الحرب الجارية قد تكشف أيضًا عن حدود القوة "والحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، والدول القوية تفوز أحيانًا في ساحة المعركة وما زالت تخسر سياسيًا، انتصرت الولايات المتحدة في جميع المعارك الكبيرة في فيتنام وأفغانستان، لكنها خسرت في النهاية كلتا الحربين".

وبرأيه، فإن حماس لن تتمكن أبدًا من هزيمة إسرائيل في اختبار مباشر للقوة، لكن هجومها هو تذكير مأساوي بأن إسرائيل ليست محصنة ولا يمكن تجاهل الرغبة الفلسطينية في تقرير المصير.

ويتابع "كما أنه يبين أن اتفاقيات أبراهام والجهود الأخيرة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ليست ضمانًا للسلام، في الواقع ربما جعلوا هذا الصراع الأخير أكثر احتمالاً".

 

عقود من النضال

من جهته، اعتبر جون ألترمان، رئيس وحدة الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن أن تجنب الجيش الإسرائيلي الأخطاء الأمريكية قد انتهى.

وقال ألترمان في تقرير نشره المركز إن "الجيش الإسرائيلي تجنب إلى حد كبير التاريخ المتقلب الذي ابتليت به الولايات المتحدة عسكريًا منذ بدء حرب فيتنام، فقد أنهى الجيش الأمريكي الاشتباكات في لبنان والصومال وهاييتي دون انتصارات واضحة".

وأضاف "كما انتهت حروب ما بعد هجمات 11 سبتمبر في العراق وأفغانستان ومنطقة الحدود السورية العراقية رغم الموارد الضخمة وسنوات من القتال ومليارات الدولارات وآلاف القتلى الأمريكيين بالفشل في تأمين النصر".

وأشار ألترمان إلى أن مفهوم حماس للنصر العسكري يدور حول "تحقيق نتائج سياسية طويلة الأجل، لا ترى حماس النصر في عام واحد أو 5، ولكن من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد التضامن الفلسطيني ويزيد عزلة إسرائيل".

ويضيف "في هذا السيناريو تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها بغضب وتساعد على انهيار حكومة السلطة الفلسطينية عبر ضمان أن ينظر إليها الفلسطينيون أكثر على أنها مساعد عاجز للسلطة العسكرية الإسرائيلية".

ويتابع ألترمان "وفي الوقت نفسه تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن تجاهل تجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أمريكي بشأن إسرائيل، مما يدمر الدعم من الحزبين، والذي تتمتع به إسرائيل في واشنطن منذ أوائل سبعينيات القرن الـ20".

وقال إن حماس "وبدلاً من الاعتماد على القوة الكافية لهزيمة تل أبيب فإنها تسعى عوضًا عن ذلك إلى استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمتها، إن قوة إسرائيل تسمح للبلاد بقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس، كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية".

واعتبر أن "النجاحات غير المتوقعة التي حققتها حركة حماس في 7 أكتوبر ستلهم الأجيال القادمة من الفلسطينيين الذين يعتزون حتى بالانتصارات الصغيرة رغم الصعاب المستحيلة".